أسئلة حول تجربة “حركة التوحيد والإصلاح المغربية”

الوطن24/ بقلم: عبد الهادي المهادي 

سأكون سعيدا يوم أقرأ كتابا لأحد أبناء مدرسة “حركة التوحيد والإصلاح المغربية” يأخذ على عاتقه وظيفة قراءة تجربتها؛ فيقف عند لحظة التأسيس، ثمّ يتتبّع المسارات، ويُذكّر بالسّياقات، ويحدّد المراحل ويعنونها، ويبرز مسالك التطوّر والانتكاسات، ويكشف عن المداخل، ويقودنا إلى المآلات، ويشير إلى المسؤوليات … حينها سنكون أمام عمل تأريخي واستشرافي مهمّ جدا جدير بالاحتفاء. والذي سينبري لهذه المهمة الجليلة لا بدّ ـ من وجهة نظري ـ أن يتسم بصفات كثيرة، من جملتها: أن يكون ـ أوّلا ـ من الذين “شَهدوا” التجربة منذ ولادتها، وحينما نقول “شهدوا”، فإنّنا نعني أنه كان من ضمن “الحضور الفاعل”. وأن يكون ـ ثانيا ـ صاحب عاطفة وفكر متوازنين؛ فلا هو بـ”المُحترق” في التجربة، ولا هو مِمّن غدا من المتحاملين عليها، فهو بين ذلك سبيلا.
سأكون سعيدا بذلك، لأنّني اليوم جِدّ حزين لمشاهدتي مؤشّرات تُجاوِزُ معنى التّواري المؤقّت وتقترب من مقدمات “ضياع” تجربة، أو ما يشبه الضّياع، إن شئتُ أن أُبْقِيَ على بعض الأمل، لأنّ الضائع في الغالب يعود، ولكن ليس دائما، فبين أيدينا تجارب تاريخية ذهبت ولم تعد، وغدت من جملة العبر في كتب التاريخ.
يعزّ عليّ أن أرى مدرسة كانت إلى عهد قريب تضجّ بالحركية والنشاط والفِعْل؛ تأصيلا، وتنظيرا، وممارسة، أراها وقد بَرَكتْ بعدما مادت بها الأرض، فهي الآن تتحسّس ما حولها دون أن تدرك زمنها ولا موقعها.
إنها أراض شاسعةٌ، كان قد تمّ حيازتها بمجهودات فردية وجماعية جليلة، تم التّخلي عن حرثها، فبليَتِ الأدوات، وبدت حقولها كالمهجورة، فزحف على بعضها تُجّار الفُرص: العمل الجمعوي (التّنموي، الاجتماعي…)، الفصيل الطلابي، القطاع الشبابي، التّغلغل الدّعوي، الأساس التربوي، الفعل النّسائي، المجال الفنّي (خاصة الأغنية)…
لماذا تمّ إقبار التّجربة الإعلامية للحركة؟ كانت جريدة التجديد، وقبلها الرّاية، مؤسّسة يتحلّق حولها كثيرون، كثيرون جدا، وكانت بكلّ المعايير تجربة ناجحة، وكنتُ أنا واحدا من متابعيها بانتظام.
هل علينا أن نضرب مثالا آخر ليتّضح المشهد أكثر؟
ليكن إذن ـ وبشكل سريع يناسب تدوينة ـ المثلُ الواضح البيّن ينكشف أمامنا بمجرّد الاقتراب من مدخل بيت “علماء” الحركة: أين ذهبوا؟ كان صوتهُم عاليا ومقبولا، وحضورهم بين النّاس كان من جملة ما منح “الحركة” القوّة أيام العنفوان. ما الذي جرى حتى انتقل رجالٌ نجومٌ ممتلئو الحيويّة، مثل الأستاذ الدّاعية عبد الله شبابو ـ حفظه الله تعالى، إلى ركن الصّمت والانعزال، والإشارة إليه بكثير من الحنين ـ كُلّما شوهد في الشارع ـ بأنّه كان وكان وكان؟
لماذا تمّ الزّج ببعضهم في أتون السياسة (اليومية التنفيذية) المُحْرِق؟ ألم تكنِ “الحركة” تعي خطورة ذلك؟ فالمصيبة ـ حينها ـ أعظم!
ما الذي استفادته “الحركة” حينما سلّمت للحزب رأسَ رئيسها السابق الأستاذ الحمداوي ـ وهو “رجل دعوة” بامتياز ـ ليقطف به بعض الأصوات في العرائش، في الوقت الذي كان يجب أن يمنحوه المزيد من الدّعم في وظيفته الشريفة العالية ويجعلوا منها مؤسّسة.
لماذا ضيّعنا رجالا ـ علماء ومثقفين ووُعّاظا ـ كنّا إلى عهد قريب نجلس بين يدي مقالاتهم وتسجيلاتهم لنتعلّم ونفهم؟ كيف نُزِلَ ـ في سوء تقدير حقيقي ـ إلى حدّ الاستنجاد بـ”وعّاظ”، لا يجمعهم بالحركة لا فكر ولا تصور ولا خطوات، لتأطير لقاءات داخلية وخارجية رغم وجود “سابقة” الأستاذ الفقيه عبد الباري الزّمزمي ـ رحمه الله تعالى ـ التي أضرّت بالحركة والحزب، وأضرّت بالفقيه أيضا؟
هل تعرف ما الذي يعني أن يكون رئيس اتحاد علماء المسلمين أحد قياداتك؟!
هي أمثلة كثيرة جدا وفي مجالات متعددة، ولكن السؤالَ هو نفسه يقف فاغرا فاه: ما الذي جرى حتى خبا كلّ ذلك الوهج؟ وعلى من تقع المسؤوليةُ في ذلك؛ أشخاصٌ هُمْ أم أصولُ تفكير؟