أسعار الأدوية بالمغرب.. من يحكم صحة المغاربة؟

في ندوة صحفية نظمتها المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، كشف عبد الله بوانو معطيات مقلقة حول واقع المنظومة الصحية بالمغرب، مسلطاً الضوء على ما وصفه بـ”الاختلال البنيوي” في قطاع الأدوية. وبأرقام صادمة، أشار إلى أن دراسة شملت 321 دواءً أظهرت أن أسعار هذه الأدوية في المغرب تفوق بثلاثة إلى أربعة أضعاف مثيلاتها في دول مثل فرنسا وبلجيكا.

هذا التفاوت الفاضح لا يمكن أن يُفسَّر فقط بفرق العملة أو الكلفة التشغيلية، بل يكشف، بحسب بوانو، عن هيمنة غير معلنة للوبي قوي يتحكم في مفاصل هذا القطاع الحيوي. “لوبي الأدوية”، كما يُطلق عليه، لا يكتفي بتحقيق أرباح مضاعفة على حساب المرضى، بل يسعى، وفق المتحدث، إلى توسيع نفوذه ليبلغ مراكز القرار السياسي.

عدد من وزراء الصحة السابقين أشاروا في مناسبات متعددة إلى صعوبة مواجهة هذا اللوبي، الذي يتمتع، بحسب بعض المصادر، بصلاحيات تفوق أحياناً صلاحيات وزير الصحة نفسه. فهل نحن أمام قطاع صحي مستقل فعلاً، أم مجرد واجهة تتحكم فيها مصالح شركات وفاعلين اقتصاديين نافذين؟

عزيز غالي، الرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، كان من أبرز من دقّوا ناقوس الخطر في هذا الصدد، محذراً من تغوّل لوبي الأدوية، الذي “يتغذى على معاناة المواطنين”، على حد تعبيره. ويرى كثيرون أن الحملات التي استهدفت غالي لم تكن بسبب مواقفه السياسية، بل نتيجة مواقفه الجريئة في فضح واقع تجارة الدواء بالمغرب.

الأخطر في كل هذا، وفق ما يتم تداوله في الكواليس، هو أن هذا اللوبي لا يكتفي بتحديد الأسعار أو التأثير في السوق، بل يشارك بشكل غير مباشر في اقتراح أسماء وزراء الصحة، بل وقد يساهم في إزاحتهم إذا لم يخضعوا لمصالحه.

في هذا السياق، يصبح الحديث عن الدولة الاجتماعية، كما جاء في الخطابات الرسمية، أمراً مثيراً للتساؤل. فكيف يمكن تحقيق عدالة صحية ومجانية العلاج وتعميم التغطية الصحية في ظل منظومة تتحكم فيها قوى خفية لا تعبأ لا بصحة المواطن ولا بقدرته الشرائية؟

إن تفكيك هذا اللوبي لا يتطلب فقط إرادة سياسية حازمة، بل يحتاج إلى إصلاح شامل للقوانين المنظمة لسوق الدواء، وتعزيز الشفافية في مساطر التسعير، وتقوية آليات الرقابة والمحاسبة. فالمغاربة، اليوم، لا يطلبون أكثر من حقهم في العلاج، بسعر معقول، وفي ظروف تحفظ كرامتهم.

ولعل السؤال الأهم الآن هو: هل تملك الدولة الجرأة لفتح هذا الملف المحظور؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *