أسنان مومياء لسيدة تكشف أسرار الحياة المهنية للمرأة المصرية القديمة
الوطن 24/ كتب – أيمن عبدالعزيز
نشرت مجلة”فوربس” الأمريكية بحثا أثريا للباحثة والكاتبة كريستينا كيلجروف يثبت إكتشاف علماء الآثار لمهنة جديدة للمرأة المصرية في مصر القديمة، هذا الاكتشاف الذي يؤكد أنه منذ أقدم العصور والنساء في مصر يعملن في أغلب المهن و القطاعات في الحياة اليومية في مصر .
وقالت كيلجروف في بحثتها المنشور أمس، أنه خلال فحص روتيني لمجموعة من الهياكل العظمية إكتشف إثنان من علماء الآثار مظهرا غريبا لأسنان سيدة مصرية قديمة يمكن أن يبرر إستنتاج معلومات مهمة عن حياة تلك المرأة .
والهيكل اكتشفته بعثة كشفية لمعهد جامعة نيويورك للفنون الجميلة عام ١٩٧٠ ضمن مجموعة من الهياكل الاخري في منطقة”منديس القديمة”، تسمي حاليا تل الربع، والتي كانت عاصمة لمصر في الأسرة الفرعونية الـ ٢٩ تقريبا خلال القرن الرابع قبل الميلاد، وبالإضافة لكونها عاصمة قديمة، كانت منديس مركزا تجاريا، ودينيا، واكتشفت تلك البعثة أيضا مناطق للإقامة وللدفن في تلك المنطقة .
وفي عام ١٩٩٠ اكتشفت بعثة أخري بقيادة العالمة الآثرية نانسي لوفيل من جامعة البرتا ٩٢ هيكلا أخر بمنطقة اعتبرت منطقة مدافن للمواطنين من الطبقة الوسطي نظرا لأسلوب الدفن المتبع ، لكن قبر تلك المرأة القديمة بالتحديد والتي يرجع تاريخها الي فترة ٢١٨١-٢٠٥٥ قبل الميلاد كان سليما، وثريا مقارنة بغيره من القبور، فجسدها حفظ في تابوت خشبي، ورحلتها الي العالم الاخر كانت مجهزة بأوعية من المرمر، ومرآة برونزية، وآدوات التجميل، ولاحظت الباحثة نانسي لوفيل ومساعدتها الطالبة كيمبرلي باليتشوك شيئا مثيرا لاهتمام في أسنان تلك السيدة فقد وجدتا أن ١٦ من أسنان السيدة ال٢٤ المحفوظة تظهر بها نوعا من التآكل المسطح وخاصة في القواطع الفكية المركزية لا يحدث بشكل طبيعي بسبب مضغ الطعام، و نظرا لعدم وجود دليل علي مبرر مقصود لتعديل الأسنان في النصوص المصرية القديمة، فإن التحليل الفني لبقايا أسنان تلك السيدة التي حصل عليها علماء الآثار تشير الي أن ذلك التآكل المسطح، لا يمكن أن يكون قد حدث بشكل عارض، فغالبا غالبا ما يكون هذا التآكل نتيجة ثانوية لاستخدام الأسنان في مهام متكررة وكشفت دراسات اثنوجرافية عن استخدام الأسنان الأمامية كأدوات مساعدة في تحضير ألياف الخضروات للسلال والحبال وغيرها من المنتجات، وبما أن محصول القصب كان يتم استخدامه بكثرة في منديس كنسيج للدفن، فإن التآكل في الأسنان والذي يتخذ شكل “الاسفين” ربما يكون قد نتج عن إستخدام الأسنان في تقسيم تلك المادة النباتية، وهناك احتمال معقول أن ذلك النبات هو البردي، لأن سيقان البردي كانت تستخدم في صنع الصناديق، والسلال لتخزين البضائع، ونقلها، وصنع الصنادل والستائر والأرضيات وحصير للأرضيات، و أيضا كحطب. ويوضح العلماء أن تقشير القشرة الخارجية لساق البردي بالأسنان من شأنه أن يتسبب في حدوث تآكلها، كما أن وجود بعض أجزاء السيليكا في النبات من شأنها أن تلوث مينا الأسنان، وتسرِع تآكلها وتساهم في الشكل غير العادي للأسنان الأمامية لهذه المرأة. .
على الرغم من أن فرش الأسنان الحديثة مصنوعة من شعيرات ناعمة تركيبية، فقد استخدم بعض الناس في مصر القديمة بعض أغصان النباتات،وربما أيضا نوع من المنظفات مثل بيكربونات الصوديوم أو النطرون لتنظيف أسنانهم، ولكن ندرة تنظيف الأسنان في مصر القديمة قد يساعد في تفسير سبب التآكل العرضي لهذه السيدة تحديدا فقد تكون الحالة هي أن بقايا النباتات تلتصق بأسنانها نتيجة لأنشطتها المهمة، مما يستلزم تنظيفها بشكل منتظم، كما أن استخدام النطرون أو غيرها من الأملاح الطبيعية كان يمكن أن يكون له تأثير ثانوي كمسكن للألم الناتج عن تآكل أسنان تلك السيدة.
وتقول سونيا زاكرزيوسكي، عالمة بيولوجيا الآثار في جامعة ساوثامبتون، أن هذه الدراسة مثيرة للاهتمام، فمن النادر أن ينظر علماء الآثار إلى الجوانب العملية لاستخدام نبات القصب، والأشخاص الذين الذين قد يفعلون ذلك، ولهذا يمكننا أن نشعر بالتعاطف مع تلك السيدة والألم الذي لابد وأنها عانته نتيجة لتآكل أسنانها بشكل مفرط.
وتؤكد الباحثتان لوفيل ، وباليتشوك علي الأهمية الكبيرة لهذا الكشف في توضيح جوانب مهمة عن الجوانب المهنية للمرأة في مصر القديمة، لأن باحثين سابقين أكدوا علي أن هناك سبع مهن فقط للنساء تسمح بها ثقافة مصر القديمة وهي: الكاهنة، والموسيقيية، والمغنية، والراقصة، “النائحة أو المعددة” والحائكة أو الخياطة، والقابلة، لكن هذا الافتراض القديم حول عمل المرأة، كما يؤكد عالِم بيولوجيا الآثار، تامر جاد راشد من جامعة القاهرة، غير صحيح لأنه “عبر التاريخ المصري، شغلت النساء جميع المناصب، وكما تؤكد نتائج تلك الدراسة الحالية فالنساء المصريات كن ولا يزلن موجودات، وتعملن في كل مكان، وفي كل قطاعات الحياة اليومية المصرية .
وتؤكد لوفيل وباليتشوك علي أن تلك المهنية للمرأة القديمة لا تظهر في المستندات، أو الرسوم علي المقابر التي أنشأها الرجال، وتعكس وجهة نظر ذكورية متحيزة ، وببساطة لم يتم الإعتراف بالمتخصصات في المهن الحرفية في الأعراف المصرية القديمة، مما جعل هؤلاء شخصيات مهمشة تاريخيا، وتستنتج الباحثتان أنه يمكننا بناء تمثل أكثر ثراءا لعمل المرأة في مصر القديمة من خلال الروايات الفردية المستنتجة من تلك الهياكل العظمية.
وتؤكد كيسي كيركباتريك عالمة بيولوجيا الآثار في جامعة غرب أونتاريو، والخبيرة في طب الأسنان المصري، أن هذه الدراسة مهمة لأنها “تشير إلى أن المرأة المصرية القديمة ربما ساهمت في المجتمع بطرق أخرى غير تلك التي تم تصويرها أو وصفها تقليديا، و تفق معها سونيا زاكرزيوسكي، عالمة بيولوجيا الآثار في أن تحليل مساهمات هذه المرأة القديمة هو المفتاح لهويتها المهنية،” يمكننا الآن أن نراها على أنها كانت في قلب مجتمعها، ولم تكن شخصا مهمشا كما أظهرتها دراسات علماء الآثار من قبل”.
ومرة أخري يؤكد عالِم الآثار المصري، تامر جاد راشد من جامعة القاهرة، علي أن المزيد من هذه الدراسات التي اتبعتها لوفيل وباليتشوك قد توصلنا نتائج مثيرة للإهتمام تتعلق بالحضارة المصرية العظيمة، فقد تبدو الأسنان الفردية للعين غير المدربة شيئا ثانويا أو غير مهم من عملية الدفن الكلية، لكن في سياق فحص الهيكل العظمي، في إطار معرفة أوسع بالثقافة السابقة، كما فعلت لوفيل وباليتشوك، حتى العلامات الصغيرة على بعض الأسنان يمكن أن تكشف عن عالم خفي لم يكتشفه علماء الآثار السطحيون حتى الآن.