الاجتهاد والاستبلاد

الوطن 24/ بقلم: د. إدريس الكنبوري
أصبح شائعا على الألسنة وفي كتابات بعض الكتبة إطلاق صفة “الإجتهاد” على أي شيء، وبالأخص في المسائل “الدينية” أوالتراثية. فعندما توفي محمد أركون قال البعض إن الرجل له إجتهادات، وعندما توفي عابد الجابري قيل نفس الكلام، ثم عن المدعو قيد حياته محمد شحرور، أخذا بعين الإعتبار التفاوت في القيمة بين هؤلاء. وأغرب ما يقال في حق أمثال هؤلاء أن “كل يؤخذ من كلامه ويرد”.
ورغم الأحاديث الكثيرة عن الإصلاح الفكري والديني إلا أن المشكلة الأولى في المفاهيم. وأكبر جريمة اليوم في حق الإصلاح الديني هو إستخدام عبارات في غير محلها بهدف تشويهها.
إن كل المؤلفات التي كتبت في حقل نقد التراث أو الدين ضمن مدرسة ما يسمى الحداثة – لا الحداثة الحقيقية – ليست اجتهادات بل فكر، فهي إبداعات فكرية. ويمكن أن تسمى اجتهادات من الناحية اللغوية لا الاصطلاحية، من حيث إن فيها جهدا مبذولا وتفانيا.
ولكنها ليست اجتهادا بالمعنى الشرعي. فلا أصحابها من العلماء الذين يتوفرون على شروط الإجتهاد، ولا منهجية التأليف فيها إستخدام لآليات الاجتهاد وطرقه.
والحق أن شيوع هذا التعبير على الألسنة لدى المتعلمين والمثقفين لدليل على الحاجة إلى الإصلاح الديني، لتصحيح المفاهيم ورد الأمور إلى نصابها.
لقد كان العلماء والأدباء والمفكرون المسلمون القدامى يعرفون جيدا استخدام المفاهيم. فتعبير الاجتهاد لم يكن يطلق أبدا على غير أهله. أبو حيان التوحيدي مثلا كان أديبا بارعا وكتب في الكثير من المجالات ولم يطلق عليه التعبير، وإبن خلدون أيضا والجاحظ وغيرهم كثير، بل كان يطلق على هؤلاء إسم الكتاب أو أهل القلم، وإن كان الكاتب يطلق أيضا على وظيفة سلطانية. بل كان هناك علماء كبار في الحديث والتفسير لكن لم يطلق عليهم التعبير لأنهم لم يكونوا مجتهدين.
فالاجتهاد، فوق تعريفه المعروف في كتب الفقه، يهم الحياة العامة اليومية والعملية للناس في معاشهم ودينهم، وله أصول وقواعد، وله شروط محددة لا بد منها في المجتهد وأخرى لا بد منها في عملية الإجتهاد، وهذا لا أثر له إطلاقا في جميع ما كتب في المجال الذي نحن فيه
فأما أن يأتي من يقول إن أركون أو شحرور لهما اجتهادات، والأخير كله حماقات، فإن خير ما نختم به كلامنا هو الدعاء بأن يرفع الله عنا الجوائح.