الاقرار الملكي براس السنة الامازيغية استمرارية في بناء الدولة الموحدة والديمقراطية

الوطن 24/ بقلم: محمد أهيري*

بعد سنوات من تهميش اللغة الامازيغية في مختلف المجالات الثقافية التعليمية والسياسية والاجتماعية ومنع الاعتراف بها كلغة وطنية، وبعد المطالب العديدة للجمعيات والمؤتمرات بالاعتراف بالأمازيغية والحقوق الثقافية للإنسان الامازيغي، تم التراجع عن سياسة تهميش والاقصاء تجاه هذه اللغة واعتمادها كلغة رسمية الى جانب اللغة العربية.

عمل الملك محمد السادس في خطاب اجدير على الاعتراف بالبعد الامازيغي للهوية المغربية واعتبرها ملكا لكل المغاربة من خلال أولا الاعتراف الدستوري باللغة الامازيغية كلغة رسمية، ثم تأسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية من اجل النهوض بالثقافة الامازيغية، وتدريسها كلغة في الجامعات والمدارس المغربية، فضلا عن القانون التنظيمي المتعلق بمراحل تفعيلها في مجالات الحياة العامة في عام 2019 كالقضاء والتعليم والاعلام…

لا يمكن انكار هوية شعب نحت جذوره في الزمن والمكان. فالهوية تقابلها المواطنة، اذ انها تساهم في توحيد المواطنين وترسيخ الانتماء. ان الانتماء يخلق الولاء، والولاء يدفعه الى القيام بواجباته الوطنية ضمن وعاء يسوده السلم الاجتماعي، اذ ان البيئة المحيطة بالمجتمع هي منطلق الافراد والمجتمعات في تأمين تعايشهم الديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والثقافي…

وكما هو معتاد في تدبير وتنظيم الشأن العام المغربي وتجويده وتطويره، فان جلالة الملك اقر راس السنة الامازيغية تتمة للمجهودات المتعلقة بجعل اللغة الامازيغية لغة وطنية لكل المغاربة استجابة للمطالب والدعوات نحو تبني راس السنة الامازيغية كعطلة وطنية. ولكون جلالة الملك على راس المنظومة التدبيرية بالمغرب، فانه بهذا الإقرار يساهم في تكريس الوحدة الوطنية هوية وثقافة وافراد، والقطع مع النعرات العنصرية والقبلية، والتدخلات الاجنبية المأججة للفوضى والتقسيم.

يعتبر إقرار راس السنة الامازيغية تكريسا وتفعيلا لإحدى الاسس والثوابت الوطنية الى جانب الثوابت الاخرى، وهي محل افتخار واعتزاز بتاريخ عريق وهوية ضاربة في التاريخ. فالمغرب ملكا ودولة وشعبا اشتهر بالحب والتفاني والإخلاص والادماج واحتضان الجميع، والتمسك بمقدساته الدينية والوطنية، والدفاع عن خصوصياته المختلفة والمتميزة.

 يكفي ان نتذكر تاريخ الجهاد المغربي في توحيد بلاد المغرب والمسلمين والمساهمة في ارساء السلم والرخاء الاجتماعي. وخلال القرن الماضي كما في الوقت الحالي برز المغرب بكل مكوناته ككتلة متراصة عبر التلاحم والجهاد المتواصل، وتقديم التضحيات في سبيل تطوير وبناء الوطن، بدءا بالمغفور له محمد الخامس والملك الراحل الحسن الثاني رحمهما الله، وصولا الى عصر الملك محمد السادس.

لازال جهاد المغرب متواصل ضد عدة صعوبات وعراقيل، وما قام به الملك محمد السادس باقرار راس السنة الامازيغية ما هو الا تتمة الجهاد والنضال في سبيل تمكين المغرب من تثبيت وتقوية مكانته بين الدول وسيادته على اراضيه وترابه، وخلق الطمأنينة والاستقرار لشعبه، وبالتالي خلق تماسك اجتماعي قوي امام الازمات والمشاكل المفتعلة من طرف بعض الاطراف.

وضمان الحقوق والحريات العامة المشروعة قانونا يمثل بوضوح استمرار الجهاد في سبيل بناء وطن واحد وموحد، والالتزام بأحكام دولة الحق والقانون والديموقراطية والمشاركة. فتصدير الدستور يؤكد على تنوع وتعدد مكونات المغرب من ثقافة ولغة ودين، والامازيغية هي نتاج قرون من الحضارة والبناء المستمر والمتجدد، اذ ان اي شعب او امة بدون تاريخ وماض لا يمكنه العيش بمعزل عنه في مستقبل مشرق.

لقد اثبتت التجارب على مر العصور ولازالت تبرهن ان تمزق وتخريب الأوطان وعدم الاستقرار مرده احيانا الى الطائفية في اللغة والهوية والدين، اذ تحولت بعض المطالب الصغيرة الى صراع سياسي وطائفي قسم اوصال بعض الدول، وبالتالي انهيار الدولة الوطنية. وفي بعض الاحيان يؤدي الاحساس بالاقصاء الى اضعاف الروح الوطنية واللجوء الى البحث عن هويات أو أطراف اخرى توفر له الحماية.

ان الاختلاف والتنوع انما يعد من مفاتيح النجاح ونقاط قوة المجتمعات المتحضرة والواعية بالظروف المحيطة بها، كما يعتبر رمز السيادة الكاملة والتكامل، وأساس الوحدة الترابية والوطنية، والدعامة القوية لتحقيق التقدم والاستقرار والازدهار، وجمع شمل الأمة المغربية، والسير بها نحو الرقي والكمال.

   *باحث في التدبير العمومي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *