التربية والتثقيف والتدريب في مجال حقوق الإنسان

الوطن 24/ بقلم: محمد ناعم

محمد ناعم

لقد تزايد إهتمام المجتمع الدولي منذ منتصف العقد الأول من هذا القرن نحو تطوير أنشطة التربية التثقيف والحماية والدفاع عن حقوق الإنسان، وقد أشارت نفانثيم فيلاي مفوّضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى أن هناك حركية غير مسبوقة نحو ” تعزيز التثقيف والتدريب في مجال حقوق الإنسان عن طريق مبادرات الأمم المتحدة مثل البرنامج العالمي للتثقيف في مجال حقوق الإنسان (المستمرّ منذ عام2005 ) ومشروع إعلان الأمم المتحدة بشأن التثقيف والتدريب في مجال حقوق الإنسان، وذلك بهدف الوصول إلى غايات سامية هي: منع انتهاكات حقوق الإنسان والنزاعات العنيفة، وتعزيز المساواة والتنمية المستدامة، وتشجيع الناس على المساهمة في اتخاذ القرارات في ظلّ أنظمة ديمقراطية.


إلا أن التثقيف في مجال حقوق الإنسان لا يمكن أن يساهم في تحقيق هذه الغايات النبيلة إلاّ إذا كان سليما من الناحية المنهجية ووثيق الصلة بالمتعلِّمين كي يؤثّر فعلاً في تعزيز إمكانيّاتهم وتوعيتهم “.(1) 
وحتى تكون أنشطة التربية والتثقيف والحماية والدفاع عن حقوق الإنسان سليمة من الناحية المنهجية والعملية، وحتى تكون مؤثرة في الفئات المستهدفة، لا بد لها من آليات وأدوات يكون التدريب في مقدمتها، لأنه الآلية والأداة الأساسية التي تعتمدها جمعيات ومنظمات المجتمع المدني القوية الناشطة في مجال حقوق الإنسان في تطوير وتعزيز كفايات ومهارات وقدرات العاملين والنشطاء الجمعوين في مجال الحقوق والحريات الأساسيةالمنتسبين لها، سواءا كانوا جددا أو من القدامى من ذوي الخبرة السابقة، 


وذلك بما يكفل لهم معا القدرة على التوافق مع متطلبات المهام المناطة بهم، في أداء واجبات الدفاع على حقوق الإنسان بالطريقة المناسبة، وإحراز تقدم وازن في تطوير طرق وأساليب التثقيف والتربية والترويج بشكل أفضل لحقوق الإنسان، وكذا التقييم والتتبع لواقع الحقوق في الدائرة الترابية التي يعيشون فيها بالرصد والمراقبة والتوثيق والمواكبة والحماية من كل أنواع وأشكال الانتهاكات. 


وإحراز التقدم في تحقيق النتائج الايجابية في مجال حقوق الإنسان وإحداث تغيير مجتمعي تسوده العدالة، ينعم فيه كل مواطن بالكرامة الإنسانية، هو الآخر يتطلب إيجاد فضاء حقل أوسع يضم نشطاء وجمعيات ومنظمات للمجتمع المدني أكثر فاعلية مما هو موجود حالياً، وما يتطلبه أيضاً من تطوير وسائل أخرى أكثر شمولاً للفهم والتخطيط وبناء الاستراتجيات وصياغة الأهداف، لإشاعة وتقوية قيم حقوق الإنسان في مجتمعاتنا، والمساهمة في التغيير المجتمعي المنشود، وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلاّ من خلال آليات التدريب والتدريب والتأهيل والتثقيف في مجال حقوق الإنسان .


لذلك نجد أن مجموعة من الجمعيات والمنظمات العاملة والناشطة مجال حقوق الإنسان في مختلف بقاع العالم، سارعت وبادرت إلى تبني سياسات واستراتيجيات في التدريب وبناء قدرات النشطاء الجمعويين يختلف مشهدها التدريبي المتاح للنشطاء في أهدافه ومحتواه وآلياته، وفي طرق تدبيره، لكنه في الأخير وفي كل أبعاده يسعى إلى تمكين النشطاء بعد استفادتهم من الدورات التدريبية أن يكونوا قادرين على تحقيق ما يلي: 
• المساهمة في الدعوة إلى ترسيخ قيم حقوق الإنسان وتعزيز مسيرة الديمقراطية، ومحاربة الفساد وسوء استخدام السلطة؛


• مساعدة الناس ومد يد العون لضحايا إنتهاكات حقوق الإنسان وتمثيلهم في بعض الحالات المحددة تبعا لما تنطوي عليها من انتهاك لحقوق الإنسان، وإعانتهم على اللجوء إلى المحاكم وتقديم المشورة القانونية لهم ودعمهم ومساندتهم؛
• ضمان تحقيق العدالة ووضع حد لأنماط الإفلات من العقاب و ضمان المساءلة إزاء الإحترام الكامل لكل المعايير القانونية لحقوق الإنسان؛
• ممارسة الضغط على السلطات ودعوة الدولة لبذل المزيد من الجهود للوفاء بما قبلته من إلتزامات دولية بتصديقها على المعاهدات وباحترامها للقانون الدولي؛ 
• تشجيع الناس على المشاركة الفعلية في عملية إتخاذ القرارات التي ترتبط بحياتهم مما سيساهم في تغييرات مجتمعية في أبعادها الاجتماعية والسياسية والإقتصادية، وهذه التغييرات يمكن تمتد وتلامس ثلاث مستويات:


1ـ ” مستوى الفرد: تغييرات في:
• الوعي؛
• الرغبة أو الدوافع؛
• المعرفة؛
• المهارات؛
• المواقف، التصرّفات.


2ـ مستوى المنظّمات/ الجماعات: تغييرات في:
• الوصول إلى المعلومات؛
• الحصول على الخدمات والموارد؛
• العلاقات مع أصحاب السلطة (مصالح ونفوذ)؛
• مستوى المشاركة؛
• العلاقات العائلية؛
• احترام وإتمام حقوق معيّنة: عدم التمييز والحرية والأمن والتعليم والصحة
• والسكن، ألخ… ؛
• عدد انتهاكات حقوق الإنسان المبلَّغ عنها.


3ـ مستوى المجتمع الأوسع: تغييرات في:
• القوانين والسياسات والإجراءات للتعبير عن مبادئ حقوق الإنسان؛
• الخدمات الحكومية؛
• عدد انتهاكات حقوق الإنسان المبلَّغ عنها؛
• مشاركة المواطنين والمجتمع المدني وتعاونهم مع الحكومة؛
• الظروف الاجتماعية والاقتصادية نحو الأحسن؛
• القواعد والممارسات الثقافية التي تؤثّر إيجابيًّا في حقوق الإنسان.” (2) 


ومن خلال نظرة خاطفة عن الحركة الحقوقية في العالم، نجد أن جمعيات ومنظمات ناشطة في مجال الحقوق والحريات الأساسية قد ساهمت إلى جانب مراكز وهيئات حكومية وطنية وإقليمية بقدر تتفاوت نسبته ومداه في تطوير وتعزيز وبناء قدرات مواردها البشرية، خاصة في الجانب المتعلق بالنشطاء الجمعويين في مجال الحقوق والحريات الأساسية، مثل: مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان التي تعمل على دعم آليات حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان والإجراءات الخاصة ولجان الخبراء عن طريق رصد معاهدات حقوق الإنسان الدولية، وذلك بما لديها من حضور ميداني متعدد، يساعد الحكومات على تدعيم قدراتها في مجال حقوق الإنسان، وانخراطها في العمل مع منظمات المجتمع الدولي لمساعدتها في النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها بشكل أكثر فعالية، ومن خلال تنظيم أو دعم تنظيم دورات وبرامج تدريبية تستهدف النشطاء الجمعوين في مجال الحقوق والحريات الأساسيةوكل الفئات القادرة على التأثير في وضع حقوق الإنسان في بلدانها.
علما أن هناك عدة هيئات تشتغل ـ بالموازاة مع ذلك ـ في نفس المنظومة وفي نفس الإطار نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: 


معهد جنيف لحقوق الإنسان (GIHR) :
مؤسسة تدريب لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، لاسيما للمنظمات والمدافعين عن حقوق الإنسان. يقدم الموقع قائمة بالعديد من الدورات التدريبية القصيرة وورش العمل في مختلف مجالات حقوق الإنسان. 
رابطة تعليم حقوق الإنسان (HREA):


تنظم دورات تدريبية عن بعد متخصصة في حقوق الإنسان لموظفي المنظمات الدولية والمدافعين عن حقوق الإنسان. والدورات المقدمة تغطي موضوعات حول تسوية المنازعات البديلة، ونظام الشرطة والحماية من التعذيب وغيرها. 


معلومات حقوق الإنسان ونظم التوثيق، دولي (HURIDOCS) : 
يقدم المشورة، والتدريب والدعم حسب الطلب لمنظمات حقوق الإنسان والمدافعين عنها. وتتضمن اختصاصاتها الأساسية رصد وتوثيق الانتهاكات، تصميم المواقع الإلكترونية وأمن المعلومات، بالإضافة إلى إنشاء مركز وثائق أو مكتبة على الانترنت.


المركز الدولي للعدالة الإنتقالية (ICTJ) 
: يقدم عروضا دراسية تتضمن دورات تدريبية باللغتين الإنجليزية والفرنسية وتستمر بصفة عامة من 5- 3 أيام، وورش عمل وبرامج الزمالة مع التركيز على العدالة العابرة للحدود للباحثين، والطلاب وأصحاب المهن.
الخدمة الدولية لحقوق الإنسان (ISHR):
يقدم دورات عديدة للمدافعين عن حقوق الإنسان للتعريف بنظام حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وخبرة أولية في مختلف الآليات والإجراءات.


الرابطة العالمية للمدارس كأداة للسلام (EIP): 
تقدم دورات تدريبية عن حقوق الإنسان للمدرسين بالإضافة إلى أنشطة أخرى في مجال حقوق الإنسان وقيم السلام للمدافعين عن حقوق الإنسان حول العالم.

منظمة أمديست ( AMIDEAST)
منظمة بارزة عاملة في أنشطة دولية في التعليم والتدريب والتطوير في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
المعهد الدولى لحقوق الإنسان فى ستراسبورج (IIDH) 
ينظم دورات تدريبية تهدف إلى ضمان تطبيق القانون الدولي لحقوق الإنسان والمساهمة في إنشاء أنظمة ديمقراطية في جميع أنحاء العالم وتحديد الممارسات والسياسات الرامية إلى تعزيز حماية حقوق الإنسان على المستوى الأوروبي والدولي وتدريب الوقاية الفني لانتهاكات حقوق الإنسان.
المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب (OMCT) : 
تستضيف سلسلة من ورش العمل تهدف إلى تدريب المدافعين عن حقوق الإنسان لتقديم الشكاوى الفردية للجنة حقوق الإنسان ولجنة مناهضة التعذيب. 
كما توفر برامج الأكاديمية في الولايات المتحدة بدورها فرصا لتدريب بعض العناصر، ومنها جامعتى هارفرد وكولومبيا في الولايات المتحدة.
وفي المنطقة العربية نجد كذلك جمعيات ومنظمات ناشطة في مجال الحقوق والحريات الأساسية ومراكز معاهد وهيئات تقوم هي الأخرى بتنفيذ مجموعة من دورات التدريب والتدريب والتأهيل لفائدة النشطاء الجمعوين في مجال الحقوق والحريات الأساسية وكل المتدخلين القادرين على التأثير في وضع حقوق الإنسان في هذه المنطقة ومنها على الخصوص:


المنظمة العربية لحقوق الإنسان (AOHR)
منظمة غير حكومية دولية تعمل على المستوى الإقليمي في الوطن العربي، تقدم التدريب لفائدة المتدخلين والنشطاء المهتمين بحماية حقوق الإنسان وتعزيز احترامها ونشر ثقافتها طبقاً للمعايير الدولية التى استقر عليها إجماع الأمم المتحدة والمواثيق والعهود الدولية.
المعهد العربي لحقوق الإنسان (َAIHR)


منظمة غير حكومية عربية مستقلة مقرها في تونس تقدم التدريب في مجال التربية على والتثقيف على حقوق الإنسان وتطوير النماذج ومنهجيات العمل المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان والانتقال الديمقراطي وتعميمها في المنطقة العربية.


مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان، مشروع الحرية الأكاديمية (ACHRS) : 
ينظم مؤتمرات عامة، وأبحاثا ودورات تدريبية حول حقوق الإنسان في المجتمعات العربية.


مركز دراسات حقوق الإنسان والديموقراطية (CEDHD) :
ينظم ندوات وورشات تدريب وتقوية القدرات من خلال شبكة من الخبراء من المغرب والخارج.


المعهد الوطني للتكوين في مجال حقوق الإنسان الراحل ادريس بنزكري (INFDH)
ينظم ندوات وورشات تدريب وتقوية القدرات داخل المغرب وخارجه 


وهناك العديد من الهيئات والمؤسسات والمنظمات الأخرى الحكومية وغير الحكومية يضيق المجال هنا إلى ذكرها أو الحديث عنها في هذا البحث.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- مركز إكويتاس ومفوّضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، تقييم أنشطة التدريب في مجال حقوق الإنسان : دليل للمعلّمين في مجال حقوق الإنسان، ( صفحة تصدير الدليل) 
2- نفس المصدر، ص 201

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *