الدكتور إدريس الكنبوري يكتب في وداع أخيه سعيد.

الـوطن 24/ بقلم:الدكتور إدريس الكنبوري

جرحتني يا أخي

أدميت قلبي ومزقت أطرافي

وأنزلت من عيني دموعا كنت أحسبها

دموعا لن تسيل.

جرحتني يا صديقا من دمي

وزعزعت ركني

وهاجرتني؛

ولم أقبل وجنتيك يوم الرحيل.

أغدرت بي؟ أسبقتني

وركضت مبتهجا إلى جنة الله؟

لماذا طعنتني في الظهر

بعدما كنت قبلي الدليل؟

يا أخي؛ يا ابن أبي وأمي

لماذا لم تعانقني العناق الأخير

لماذا؛ وقد غفلت؛ فاجأتني

وذهبت وحدك دون زاد.

يا أخي؛ أقفرت منك البلاد

وبكت عليك حيطان دارك.

من أكلم بعد هذا الغياب؟

على من سأدخل يوم آتي

ومن يذكرني بضحكة الوالد؟

يا أخي؛ يا أيها الصامت الزاهد.

يا أيها الطيب الحاني الذي

مات قبل الموت

حين طلقت هذه الدنيا

وعشت مغتربا كأنك لست فيها؛

فقد ذقت طعمها مرا

وعرفت قبلي من معانيها.

لقد ودعت فيك بعض طفولتي

وأودعت قبرك ذكرياتي

ودفنت سري معك.

يا أخي ما أروعك.

كنت لي خير صندوق لأسراري

تواسيني إذا بحت لك

ويؤنسني؛ تدللني

والآن لو كلمتني لن أسمعك.

فقدت فيك ساقيتي

وظلي الصغير

والبسمة الخجلى

وضوء الكلام

والكلمات تقطر كالعسل.

لكنني حين جئت أركض كي أرى وجهك

قبل أن يحملوك إلى مدينة الموتى

وجدت أنك فتني وسبقتي.

كن خير جار لأمك؛

كن جار سيدي الوالد

وقل لهما أنا قادم؛

قل لسيدي الوالد إنني أحب كفيه

قل لوالدتي أحب رجليها

وقل لأخيك: ها قد أتيت.

سلم عليهم؛ وسلم على ساكنة المدينة

وقل لهم هذه الدنيا حزينة.

قل لهم إني تركت قوما

تضحك الدنيا عليهم

تهدهدهم؛ تسليهم

وحين يطمئنون لها تغافلهم وترميهم.

قل لهم إني تركت خلفي سجون المؤمنين

قل لهم يوم موتهم يوم الحرية

قل لهم هذا الكلام:

لا خير في دنيا لها قتلى

ولا شهداء

يتقاتلون على ما يتركون

ويتركون خلفهم ما يجمعون.

كن سعيدا عند ربك

فلقد سبقت

لكننا عابرون من دربك.