الدكتور محمد محجوبي: “نريد أن نحافظ على إيماننا ونحن ننتمي إلى هذا العصر…”
الوطن 24/ نادية الصبار
كانت هذه الجملة تحصيل حاصل لندوة مفتوحة، نظمتها مؤسسة مؤمنون بلاحدود، حول موضوع: “الوضع الراهن ومطلب الدرس التأويلي”، مع المفكرالتونسي“محمد محجوبي“، أستاذ التعليم العالي، مختص في التأويلية وتاريخ الفلسفة في جامعة تونس.
إهتم منذ الثمانينيات بمسألة القراءة والتلقي في تاريخ الفلسفة، وخاصة بين مبتدأ الفلسفة عند اليونان ومنتهاها عند الفلاسفة الألمان. صدرت له جملة من الكتب والمقالات في تاريخ الفلسفة اليونانية والعربية والألمانية، كما اهتم بالترجمة، فترجم ونشرعدة نصوص فلسفية أساسية.
إفتتح الجلسة بصالون جدل الثقافي التابع لمؤسسة مؤمنون بلا حدود الدكتور “مولاي أحمد صابر”، المشرف على قسم الدراسات والندوات بالمؤسسة، باحث مختص في قضايا الفكرالإسلامي المعاصر، شارك في العديد من الندوات المحلية والدولية التي تعنى بسؤال التجديد في الفكر الإسلامي، كما نشرت له مجموعة من المقالات والدراسات التي تعنى بقضايا الفكر والمعرفة.
بعد التحية والشكر أعطى الكلمة لضيف الندوة الدكتور “محمد محجوبي”، الذي بدأ مداخلته العلمية القيمة حول الوضع العربي الراهن ومطلب الدرس التأويلي، مسائلا الواقع العربي ليجده واقعا مزريا؛ متسما بالعنف والأحقاد وعدم التسامح، بل تتضارب فيه الرؤى لحد كبير. فنحن اليوم – حسب د.محمد المحجوبي – أمام إشكالية سياسية جديدة لمفاهيم الحرية والفرد والمستقبل. فكيف يمكن توصيف الوضع توصيفا مجملا بشكل يسمح بتناول هذه الرؤى جملة وتفصيلا، يعتقد أن الأمر يتعلق بالمنهج كمفهوم وكتطبيق. فما يحيره هو الميل في القراءات إلى تطبيق المناهج الجاهزة، كالمنهج البنيوي والمناهج التاريخية والتاريخية المادية…فإلى أي مدى يمكن أن يتلائم المقروء مع هذه المناهج ؟
هذه المناهج هي موضوع نقد اليوم، فكيف نستعيرها ونوظفها على المقروء الخاص بنا دون بلورتها؟ ووضعها على المحك؛ ما لم يقع البتة؛ – يضيف د. مجمد المحجوبي – فلم أجد قط نصا عربيا يطرح مشكلة المنهج، ولنفترض وجود هذا النص الذي ساءل صاحبه إشكالية المنهج، فذاك هو الدرس الذي يجب أن نستفيد منه. فقد تم التحديث التأويلي انطلاقا من القرار بأن موضوع التأويليات ليس للنص الديني فحسب، بل يجب أن يتم توسيع المقروء الديني إلى بعد أكثر من ديني… فهل يمكن القول أن النص الديني ليس هو الأهم ؟! إن الإشكالية الدينية وهي إشكالية حارقة جدا إشكالية نص ديني بالأساس. مما يتوجب علينا كمختصين أن ننظر للنص الديني نظرتين مختلفتين: نظرة تحث على العودة للنص الديني بدروس تأويلية، ونظرة ثانية تحتم صياغة الإشكالية الدينية في بعدها الكوني بعيدا عن الإتباع والإنصياع للتأويلات المتاحة، وإنما عبر الإستقراء والإستنباط للنص الديني. شخصيا؛ – يواصل د.محمد المحجوبي – أشتغل على معالجة هذه الإشكالية، وبتنسيق مع مؤسسة مؤمنون بلا حدود لصياغة إشكالية دينية جديدة.
هذا وتم فتح باب المداخلات من طرف مسير الجلسة د.مولاي أحمد صابر بعد أن شكرالمحاضر على ما بذل من جهد للإحاطة بموضوع الندوة وتقديمه للحضور بطريقة علمية سلسة.
فكان السؤال الأول والذي تحدث عن إشكالية القراءة في علاقتها بالمنهج، وهل يمكن الحديث عن التأويل وكل المناهج مستوردة؟
ليجيبه د.محمد المحجوبي بأن سؤاله طرح أحد أوجه الإشكالية الدينية المطروحة علينا، فنحن ننتج لكن نتاجنا الفكري لا يسمح لنا بأن نكون ضمن السوق الفكرية العالمية. فماذا يعرف الآخرعنا وما نظرتهم عنا ؟!
ففرنسا مثلا وجدت بأن الفكر الفرنسي لم يعد حاضرا بالسوق الفكرية العالمية كما كان في وقت مضى، بل صار العلماء والمفكرون والباحثون ملزمون بكتابة نتاجاتهم بلغة أخرى رائدة عدا اللغة الفرنسية، ولإعلاء شأنها من جديد استثمرت – بعد توصيات من جهات مسؤولة ودراسات جارية -مبالغ مالية كبرى لتسويق الفكر الفرنسي للغات الأخرى، لا لشئ إلا لتكون فرنسا حاضرة من جديد. ونحن ماذا استثمرنا؟!
العرب بكل سنة ينتجون علىشحه ما يستحق الترجمة ولا يترجم، وسبق لي شخصيا أن تقدمت بمشروع مماثل للترجمة في دولتي تونس، بحيث ننتج معجما سنويا لخيرة الإصدارات والكتابات الفكرية الوازنة؛ فكان مصيره المهملات. وبالمغرب؛ فإن ما كتبه “عبد الله العروي” و”محمدعابد الجابري” و “المهدي المنجرة ” و”طه عبد الرحمن ” يستحق الترجمة ويجب أن يصل السوق الفكرية العالمية. فمن أوجه الإشكالية التأويلية هو أننا بقينا قيد مستهلك ومستقبل، لا نتجاوزالوافد إلينا ولا نستطيع الرد عليه أو ضحضه أو تأويله، مثلنا كمثل الأبكم يسمع ولا يتكلم، فلا مجال للحديث عن رجع الصدى.
تأتي المداخلة الثانية في نفس السياق ومفادها أن الإشكالية التأويلية هي مشكل ترجمة بالأساس وليس الترجمة بمعناها الحرفي، فالترجمة ك “قبلة من وراء زجاج” …
ليواصل د.محمد المحجوبي الحوار المفتوح بعيدا عن لعبة السؤال والجواب، فيستطرد القول بأن ما تحدث عنه بخصوص الترجمة هو جزء من الإشكالية العامة للترجمة، فالنصوص خاضعة وقديمة، لها سياقاتها ومعطياتها التاريخية واللغوية واللسانية، بيننا وبينها حجب كثيرة، أقلها جملة التفاسير التي تتالت كطبقات التأويل على امتداد قرون وقرون، فلا يمكن الآن أن نباشر النص الديني دون أن نأخذ في الحسبان بأنه لم تعد لنا صلة مباشرة به. وإذ يدعونا “ديكارت” إلى المائدة الصفر وإلى المائدة العارية، فعلينا نحن كذلك أن نعود للصفر، لكن قولنا هذا بمثابة ثورة وقد يجر علينا وابلا من الإنتقادات بل مدعاة عند البعض لقطع الرقاب ودابرالأشياء. ما أقصد؛ يقول د.محمد المحجوبي، أنه يتوجب علينا إعادة التملك للنص القديم ضمن المعطى الإنساني، فكلامي هذا دعوة لإستعادة النص الديني داخل لغتنا، من خلال ترجمة جديدة وتأويل جديد، ليس باستبدال كلمة بأخرى، فالمطلوب هو أن نعود إلى أصلانية النص القرآني، وننظرفي الكيفية التي يصل بها المعنى القرآني دون طبقات التفسير التي تتوسط علاقتنا بالقرآن، فالنص الإلاهي موجه إلي والله خاطبني من خلاله، وما قال عز وجل قط أنه خاطبني من خلالهم، فنحن إذا؛ بحاجة لترجمة جديدة وتأويل جديد لهذا النص الإلاهي؛ إلا أنه قبل ذلك علينا أن نعي ونفهم الدرس التأويلي.
توالت المداخلات وهذه واحدة منها حول سؤال ماهوالكوني وهل الكوني ما حدده الآخر في أنه كوني وضابط للإنسانية، أم كوني قادرعلى إستيعاب الخصوصية ؟!
رد د. محمد المحجوبي بأن الأمرعنده كوني إشكالي لا كوني مضموني، وفي تقديره الخاص؛ يمكن للكوني أن يكون فيه متسع إشكالي حتى يستوعب كل هذه الإشكالات الأخرى. ينبغي علينا أن نفهم هذه العقبات وهذه العوائق في تقبل الكونية. فلا نملك نفس التاريخ ولا نفس الفكر ولا ذات اللغة، نحن أمام انحباسات، تستوجب بالتالي علينا إقناع الآخر كما على الآخر إقناعنا، فلابد من حوارحتى تتحقق هذه المقروئية المتبادلة بيننا وبينهم.
وفي سؤال عن الترجمة في علاقة الديني بالعلماني، يقول المحاضرد.محمد المحجوبي بأنه وبتقديرخاص؛ على الترجمة أن تتجاوز ثنائية الديني والعلماني، فلا يمكن للعلماني أن يقبل الديني والعكس صحيح، علينا إذا أن نستفتح استفتاحا جديدا يقبل التعايش…ثم يتابع فيقول بأنه سعيد بأن تمت مقاربة الموضوع من وجهة نظرالترجمة، خاصة أن الإشكال بالأساس له علاقة بالترجمة والتأويل.
وأما عن التأويل فيشير المحاضر إلى أنه لا مجال للحديث عن التأويل إذا لم يصبح الشئ الذي نؤوله معاصرا، والمعاصرة هنا ليس بالمعنى الزمني؛ بل بالمعنى الإتنولوجي، فرهان التأويل يكمن في خلق المعاصرة وإنتاجها، فيصبح بذلك النص القديم ناطقا، ونكون قادرين على قراءته دون أن نتنكر لذواتنا. فنحن نريد أن نحافظ على إيماننا ونحن ننتمي لهذا العصر.
أما سؤال التغييرالسياسي فقد افاض فيه المحاضر كما أفاض في غيره، وبأنه؛ اي التغيير السياسي يقع، لكن؛ ببطء، ويسبقه التنويرالفكري، وهذا ما قام به مفكرون من طينة “محمد اركون” في مجال التاريخ والتأويليات العربية والإسلامية، فما توصل إليه “اركون” من ابتداع مناهج ما جعلها في الميزان، إلا أن المشكل لم يكن في المناهج بقدر ما كان في عدم التلاؤم بين المناهج وموضوع الدراسة، فلايمكن أن تطبق المناهج تطبيقا آليا، فلابد من تحويرها حتى تتلاءم مع موضوع الدراسة.
وفي رد منه على التأويل التعظيمي للنص الإلاهي فقد ذكر بأن العرب والمسلمين ليسوا وحدهم من اختص بهذا التأويل التعظيمي، بل سبقهم لذلك أصحاب الديانات الأخرى، فلقد تم تعظيم الحقائق الأربع للكتاب المقدس، فأي تأويل خارج عن المقدس مدنس. فأن تأول معناه أن تعزز معنى قائما، أوتعتقد جازما أنه أساس العقيدة أوأنه صاحب القول الحق، انظروا – متوجها المحاضر نحو الحضور – كيف كانت تفسر النصوص الأدبية الصعبة ؟ تفسر على افتراض أساسه الجواب على سؤال: ماهو قصد صاحب النص؟ المشكل عندنا في التأويل العربي أننا نقرأ التأويل على أنه قصد الله… ثمة مجهودات في التأويل أنه لم تقع لها مصاحبة ولا مواصلة. فالمجهود التأويلي الذي نظر إليه إبن رشد وإبن خلدون في إتجاه آخر، لم يتواصل بعدهم مع آخرين، لذلك فلابد من المواصلة من أجل رؤية جديدة وتأويل جديد، ولامناص من الإتصال مع فكرإبن رشد، وربط المسافة ضمن إستشكال جديد للتأويليات وتمثل للدرس التأويلي.
فالتأويليات ليست فلسفة المستقبل، لكنها شكل من أشكال تدبير أزمتنا في ظل الإحتفاظ بهذه النصوص التي تشكل ثروة إنسانية استثنائية، فكيف إذا لنصوصنا أن تحررنا ؟!
وعلى لسان الإعلامية والباحثة في علم السياسة والقانون الدستوري” نادية الصبار” فقد توجهت للدكتور محمد المحجوبي بمداخلة مقتضبة مفادها أنه إذا ما جزمنا – وفق ما صرح به المحاضر–بأنه بالسوق الفكرية العالمية لايعرف لنا أثر والآخرلا يعرفنا ولا يعرف كل شئ عنا، فكيف يمكن أن نفسر كل هذا الإختراق الفكري لأمتنا لو لم يكونوا على علم و دراية و معرفة كافية بنا؟! }