الديمقراطية نظام اجتماعي وتربية

الوطن24/بقلم: جمال فزة
اختلف اليساريون واليمينيون في عدد من الأمور، لكنهم اعتبروا معا أن الديمقراطية نظام للحكم وأسلوب لتدبير السلطة. وبالرغم من أن كل قطب قد ضم إليه عددا مهما من الأحزاب والتيارات، فقد ظلت الديمقراطية بنظر كل هذه الأحزاب والتيارات أسلوبا للحكم (un mode de gouvernement). إن ما فات الجميع، في نظري، هو أن الديمقراطية هي، أولا وقبل كل شيء، نظام للمجتمع (un système de société).
يقتضي منا هذا المبدأ تغيير أولوياتنا ونقل اهتماماتنا من السياسة إلى الثقافة ومن الثورة إلى التربية. ولعل هذين التغييرين سوف يسمحان لنا بفهم لماذا بينما يحصل تقدم في القوانين والدساتير، على علاتها، تتخلف بالمقابل الثقافة الديمقراطية، وتفتر الهمم، ويسود العزوف السياسي بين الشباب؟
أكيد أن تجربة حزب العدالة والتنمية في المغرب تشهد على تمكن “تيارات دينية” من اقتحام ميدان اللعبة السياسية من أبوابها الواسعة والمشرعة، لكن يبدو أن هذا الحزب كان المستفيد رقم واحد من الفصل بين الديمقراطية باعتبارها نظام حكم والديمقراطية باعتبارها نظام مجتمع؛ فعلى ما يبدو أن هذا الحزب بقدر ما يستفيد من قواعد اللعب الديمقراطي من أجل الحكم، بقدر ما يتنكر لها في مناهجه التربوية. وأنا شخصيا لا أطلق على هذا الأسلوب في الممارسة السياسية اسم البراغماتية، بل الانتهازية، وفي الدين له مرادف هو النفاق الذي يطلق عليه من باب التلطيف “التقية”.
إذا لم يكن غرضي تحليل تجربة العدالة والتنمية وتقييمها، فحسبي، دفاعا عن الديمقراطية، أن أنبه إلى أن الديمقراطية ليست مجرد أطر وقوالب لتصريف أي مضمون كيفما كان، بل هي تربية على قيم بعينها، وفي مقدمتها الحرية. فلا ديمقراطية فعلية بدون الرغبة والإرادة القويتين في توسيع الحريات ما أمكن ذلك.
فكيف الحال والخطاب السياسي في المغرب لا يني يحذر الناس من مساوئ الحرية ويحثهم بنوع من التعالي والوصاية، بمناسبة وبدونها، على التغني بأفضال الأمن والاستقرار.
الشأن العام أو العمومي (le public) في الديمقراطية أساس مشروعيتها، ولا شيء يسمو على العمومي في الديمقراطية، ولعل هذا المبدأ هو أصل قيمتي الإيثار والتضحية، اللتين بدونهما تستحيل الحالة الاجتماعية وتسود الأنانيات الفردية ويعم التفكك الاجتماعي. عندما يقدر الأفراد قيمة العمومي حق تقديرها، تنتشر بينهم رابطة الصداقة وتتراجع الأنانيات والحقد والكراهية. ولا ينبغي تبخيس القيمة العملية لرابطة الصداقة في تطوير الديمقراطية باعتبارها نظاما اجتماعيا، فهي الكفيلة بالانتقال من الطبيعة إلى الإرادة، من رابطة القرابة إلى الرابطة المدنية، ومن الأسرة إلى المدينة. وهذا ما نطلق عليه تهذيب حس المدينة لدى الأفراد (le sens de la ville) انطلاقا من الصداقة.
نعم الأسرة والحي مستويان رئيسان في التربية على الديمقراطية، ولا ينبغي على المناضلين الديمقراطيين أن يستخفوا بهما، لكن ما يتعين على هذه التربية أن تضطلع به أساسا، هو إعادة تعريف الأسرة والحي انطلاقا من المدينة. إن دفع الناس إلى الانخراط في معالجة المشاكل التي تتخبط فيها المدينة أو الجهة سيسهم لا محالة في تحويل الروابط الأسرية والارتقاء بها إلى مستوى الروابط المدنية، ولعل هذا التحويل هو الأساس الاجتماعي للديمقراطية.
التربية على الديمقراطية تقتضي اتباع منهاج يتمفصل حول محورين اثنين:
المحور الأول: تعلم أيها الشخص كيف تفكر بنفسك!
المحور الثاني: الحرية تقود إلى المسؤولية والإكراه يقود إلى الخوف والمداهنة.