الرجل الذي أتى بالكعك الإنجليزي والحلوى اللندنية لأبناء سوكيل نظرة، وفكرة، وشعور (الحلقة 4/4).
To my dear Teacher Si Abdessalam
الوطن24/ بقلم: الدكتور أحمد جوهري.
ولم تنحصر جهود سي عبسلام في عطائه التعليمي وبذله التربوي بداخل جدران ثانوية سيدي عيسى، بل لقد كرس جزءا كبيرا من وقته الفارغ للعمل الثقافي والتنمية البشرية في عدة جمعيات مدنية. فكان حقا ظاهرة ثقافية وفكرية متميزة بسوكيل. وما زلت أذكر تنشيطه الرائع للنادي السينمائي بالمدينة في أواخر السبعينيات، ذلك النادي الذي كانت حلقاته الفنية صبيحة كل يوم أحد مناسَبَة للنقاش الرفيع حول قضايا الجمال والفن والحرية والتقدم…وإني لأشهد أن مستوى تلك المناقشات الفكرية الراقية كانت تضاهي مناقشات أندية سينمائية أخرى شاركتُ فيها بجامعة فاس بمعية ممثلين ومفكرين ونقاد بارزين من أمثال أستاذنا الممثل السينمائي محمد الكغاط، وعالم المسرح الدكتور حسن المنيعي رحمهما الله، وأستاذنا المفكر حسن حنفي والناقد أنور المرتجي وغيرهم… كما أن قيمة ذلك النادي السينمائي السوكيلي كانت أفضل بكثير من تفاهة بعض الأندية السينمائية التي كان يشرف عليها المركز الثقافي الفرنسي ببعض المدارس العليا المغربية.
وخلاصة القول إن عامة الناس تعيش حياتها مع عقلها تبعا لرغباتها، أما المدرس فلا يعيش مع عقله، بل يعيش من عقله، ويعمل طيلة عمره بسلاح واحد فقط هو رأسه في مواجهة عدو خفي ومصاص أرواح قديم يهدد البشرية، اسمه الجهل. لذلك غالبا ما ينسى المدرس المسكين في غمرة معركته أن يكلل سلاحه الوحيد ولو بقبعة جميلة في يوم العطلة.
ولابد أن أعترف، من جهة أخرى، أنني كنت أظن مخطئا أن قلب الأسد هو الأكبر ضمن الثدييات حتى قرأت أن قلب الزرافة الذي يصل أحيانا إلى 12 كلغ هو الأكبر. لكن، صدقوني، إن قلب المدرس الشريف يفوق قلب الزرافة وقلوب جميع العشاق محبة. إذ كيف يمكن إيجاد مساحة شاسعة لأجيال من التلاميذ ونسج شبكات من الروابط الحميمة بلا ذلك القلب الشاسع الكبير؟! وكذلك كان قلب سي عبسلام ولا يزال، بحرا عميقا بلا ساحل.
وختاما لقد كان الكاتب الفرنسي الشهير فلوبير ينصح تلميذه موباسان دائما بأن لا يتجاوز في وصف شخصياته القصصية اسما واحدا لتحديدها، وفعلا واحدا لتحريكها، وصفة واحدة لتمييزها عن غيرها. وعملا بهذه النصيحة لا أستطيع أن أسمي سي عبسلام سوى ب”السوكيلي” بما يحمله هذا الاسم من عبق التربة والبذور والجذور الغرباوية، أما الفعل فهو “يقترب”، إذ كان طبعه، ولا يزال، هو الاقتراب من تلاميذه وأصدقائه وأهل مدينته. وأما الصفة فليعذرني فلوبير وموباسان لأنني لا أستطيع أن أصفه بأقل من صفتين اثنتين معا هما: المفيد الممتع. ولا شك في أن أعظم ما يمكن أن يحصل عليه طالب العلم في تحياته هو ما يفيده ويمتعه في الآن نفسه. وقد كان سي عبسلام المدرس الذي يفيد بإمتاع. فله ولكل من علمني حرفا أنحني إجلالا، وبارك الله في عمره، ورزقه عافية البدن وطمأنينة النفس، وجازاه عن تلاميذه كل خير.
مكناسة الزيتون، يناير 2021