الرد على الشيخ الحدوشي في قضية اللغات الأجنبية سوقية – زنقوية –

الوطن 24/ بقلم: جلال مودن

رج علينا الشيخ الحدوشي بفيديو ينعت فيه اللغات الأجنبية بالسوقية و- الزنقاوية- وهو قول فيه تجن، ودليل على عدم اطلاع ومعرفة بما فيها من رونق وجمال وإبداع.
لا ينبغي أن تدفعنا معاركتنا وإيماننا بلغتنا العربية وضرورة أن تكون لغة العلم والمعرفة والنهضة إلى أقوال من هذا القبيل قد تضحك علينا المخالف . الإيمان بعدالة القضية لابد أن يكون باتزان وإذا ما فقد الاتزان فقدت البوصلة وجنينا على القضية برمتها ولهذا أهمس في أذني الشيخ بما يلي :
- نعت اللغات بالسوقية ازدراء لها وبمن يتلفظ بها وتجنب الألفاظ السوقية والزنقوية المغربية أولى ولن أزيد.
- اللغة الفرنسية ورغم موقفي المبدأي من جعلها لغة التعليم في المواد العلمية هي لغة من بين اللغات المنبثقة عن اللغة اللاتينية الأم شأنها شأن اللغات الغربية الأخرى . وهي لغة الادب والرومانسية والحب – كما يحلو لبعض النقاد أن ينعتها – وهي لغة روائع فيكتور هيكو وفرونسوا ماري الشهير بفولتير وغيرهم كثير من الادباء والفلاسفة كديكارت و أوغست كونت وجون جاك روسو….فهي لغة حية وليست ميتة ولا أدل على ذلك من روعة الأشعار والرويات و الكتب الأدبية والفلسفية التي كتبت بها . ولا يمكن أن يتذوق ذلك بله أن يحكم عليها إلا من قرأها و تعلمها و أما من لم يقرأ لغة أعجمية قط -غير الريفية- ولم يسبر أسرارها ويقف مع أدبها وشعرها …فلا يمكن له البتة أن يكون حكما، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره. لست أعيب عدم معرفة اللغات الأجنبية وإنما أعيب الهجوم الفج عليها واعتبارها لغات سوقية – زنقوية – في تجاوز تام لمئات أو آلاف الروائع والأشعار والكتب الأدبية .
- لا ينبغي أن نقزم اللغات الأخرى إلا بإقامة الدليل والمقارنات مع الإعتراف بما فيها من فضائل وبيان ما فيها من نقائص، أما مجرد إطلاق الكلام فليس من العلم في شيء ولا يسهم في البناء والتأسيس بل يخرب العقول وينتج نماذج لا قبل لهم على خوض غمارالعلم والمعرفة. مع ما يمكن أن يتضمنه التنقيص من عنصرية مقيتة وايغارلقلوب المسلمين الأجانب، وتبخيس لجهود آلاف العلماء الأعاجم الذين خدموا العلوم الشرعية وعلى رأسها اللغة العربية، فمعظم من خدم اللغة العربية وألفو وصنفوا فيها كانوا عجم .
- ينبغي أن لا ننس أن اللغات الأجنبية وخصوصا الإنجلزية باتت لغة العلم والمعرفة اليوم ولا يمكن تجاوزها و تسفيهها بكل سهولة بل ينبغي التسلح بها وإستخدام أدواتها لتحصيل المعرفة الدقيقة، ولعل الشيخ يعلم أو لا يعلم أن جل البحوث العلمية -إن لم يكن الكل – يلزم أصحابها بترجمتها إلى الإنجليزية وأن لغة التيكنولوجيا هي اللغة الإنجليزية أيا كان بلد التصنيع والإنتاج ولو في الهند أو الصين أو كوريا ……
- ادعاء أن الغرب يكتب تاريخه باللغة العربية ادعاء تحتاج فيه إلى دليل و برهان فالبينة على المدعي ،و إن كنت أعلم أنك في هذا الأمر قلدت د المقرئ أبو زيد، فالذي أعلم عنك أن تذم التقليد في الفقه و الفتوى فكيف بك تجيزه هنا بغير بينة، صحيح أن الدكتور نقله عن أحد المسؤولين كذلك، ورفض ذكر اسمه لحساسيته، لكنه في جميع الأحوال مطالب بإثباته بالبرهان،لأن مجرد حكاية المسؤول عن ذلك لا يثبت بها شيء حتى يدعم بالوثائق والحقائق. وأولسنا أمة الدليل، فأن كنت ناقلا فالصحة وإن كنت مدعيا فالدليل .
وشخصيا أنا أستبعد ذلك لأنه لو كان شيء أدعى إلى الدقة في الترجمة -المزعومة في اللغة العربية- لكانت البحوث العلمية في التخصصات الدقيقة كالطب والكمياء ….أولى.
6- القول أن اللغة العربية لغة الأرشيف الغربي قول يطعن فيها و و يبخس قيمتها ومكانتها لأنه بكل بساطة يعني أن اللغة العربية لغة جامدة لا تتطور ولا تتأقلم مع المتغيرات والتطورات، وبعبارة الشيخ “تبقى كما هي” وهذا تجن وإعتداء على اللغة العربية فذمها من حيث أراد أن يمدحها،بحيث وصمها بالجمود من حيث لا يدري، ووصف اللغات الغربية بالحيوية والنموالمستمرالذي يفقد الكلمات و المفردات دلالاتها مع الزمن بفعل المواكبة والتحول، وهذا يعني ان اللغة العربية لا يصلح أن تكون لغة علم لعدم قدرتها على المواكبة و التجدد، وإنما تقتصر مهمتها على الأرشيف و التأريخ. صحيح أن الشيخ لا يقصد هذا لكنها المحصلة الكبرى لادعاء لا خطام له ولا زمام، ولا دليل عليه ولا برهان ، وتناقل للأخباروالأقوال دون تمحيص لما قد تستبطنه من أفكاروتستتبعه من تخاذل وتكاسل عن اللحاق بركاب العلم بدعوى أن اللغات الغربية – سوقية.
وفي الختام أجدد تذكيري أني ضد المشروع الاطار لفرنسة التعليم ،و هذا لا يعني إنكاري لأهمية اللغات في تملك أدوات المعرفة وبناء الأجياال وإنما إيماني بإمكان نهوض البلدان بلغاتها الوطنية كما هو الشأن بالنسبة للصين و تركيا …..كل الذي ينقصنا هو وجود مشروع حقيقي للنهضة وإرادة قوية لتحقيقه.