الشـعب المغـربي والجـزائـري: انـقسام ومحـبة عــابرة للـحـــدود

الوطن24/ كادم بوطيب.

“خاوة خاوة” هو الشّعار الذي دأب المغاربة والجزائريون رفعه كلما تسنّت الفرصة للقائهما، أو استجدّ طارئ سياسي بين نظاميهما. شعار هو التعبير الصريح والقطعي عن وحدة تاريخية تجمع الشعبين، وعن إيمان شعبي بأن وحدة الدّم هذه، والدّين واللغة والمصير غير قابلة في يوم ما أن تنكسر، وفقاً لقطاع عريض من ردود الفعل الشعبية على التطورات السياسية التي يعرفها البلدين .

هنا بالقرب من السعيدية، واد صغير يفصل بين شعبين .. بضعة أمتار يجري فيها نهر وتحفه أشجار خضراء قصيرة الطول تفصل بين الشعبين المغربي والجزائري… هنا بالقرب من مصب وادي كيس بالبحر الأبيض المتوسط.

الوادي نفسه هو علامة الحدود.. وعدا هذا الوادي، المشترك بين الطرفين، لا اختلافات بين الضفتين .. الماء والخضرة والوجوه هي نفسها .. وحدها الأعلام وعلامات ترقيم السيارات تختلف لتنبه إلى أن الضفتين على تماهيهما مختلفتان.

على ضفتي وادي كيس، وفي سفح تلتين، تبدوان وكأنهما كانتا تلة واحدة وشقهما الوادي نصفين، قبل أن تفرق بينهما الحدود، تم في الجانب المغربي، إعداد منطقة صغيرة وثبتت الأعلام المغربية، وعلى مدار اليوم، يركن فيها مئات المغاربة سياراتهم لالتقاط صور للذكرى، وكذلك يفعل الجزائريون في الضفة المقابلة.

يعرف هذا المكان يوميا تبادل آلاف المغاربة والجزائريين أطراف الحديث عن المحبة المتبادلة بين الشعبين وأحلامهم المشتركة بفتح الحدود وإجماعهم على عدم تأثير إغلاقها على أواصر الأخوة بين الشعبين.

“حنا خوت (نحن إخوة)”، تهتف عائلة الإعلامي كادم بوطيب لعائلة جزائرية أخرى ركنت سيارتها في الضفة الأخرى من الوادي الحدود، وأكدت عائلة الإعلامي كادم بوطيب أنهم لا يعرفون العائلة التي تقابلهم من الجهة الأخرى، لكنهم يؤمنون بوحدة وأخوة المغاربة والجزائريين، وإن فرقت بينهم الحدود.

كانت عائلة الإعلامي كادم بوطيب قدمت جميعها من ميسور وطنجة وعرجت على وجدة (شرق المغرب)، قبل أن تسلك الطريق الحدودية في اتجاه مدينة السعيدية (شمال شرق المغرب)، المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وقد حرصت العائلة على التقاط صور للذكرى مع جزائريين آخرين لا تجمعهم بهم أي علاقة ولا سابق معرفة، قبل أن يكملوا طريقهم إلى السعيدية.

ونتدكر جميعا أنه في يوليو2011، وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس دعوة مفتوحة للجزائر لفتح الحدود، غير أن هذه الدعوة لم تجد طريقها نحو التطبيق.حيث أغلقت الحدود الجزائرية المغربية عام 1994 ردا على فرض الرباط تأشيرة الدخول على رعاياها بعد اتهام الجزائر بالتورط في تفجيرات استهدفت فندقا بمراكش.

أكيد أن السياسة قد تنتج إغلاق الحدود، وقد تؤدي لنسف جسور التواصل وإثارة النعرات والقلاقل والعداوات، لكنها غير قادرة على التأثير في الروابط الإنسانية القائمة بين الشعوب.

وهكذا هو واقع وحال العلاقات بين الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري، التي لم تنحن أمام رياح السياسة ولم تتراجع في ظل البرودة القارسة التي لازمت العلاقات الرسمية بين البلدين منذ سنوات عجاف، قبل أن تتجمد مند مدة طويلة .

لتبقى هده العائلات، التي أمام الأسيجة الشائكة ودوريات حرس الحدود، لا تجد بُداً من صلة رحمها مع أقاربها على الجهة الأخرى من السياج إلا بالتوجه نحو منطقة “بين الاجراف” الحدودية قرب مدينة السعيدية الساحلية شرق المغرب، حيث لا يفصل بين الأحباب سوى أمتار معدودة وممتنعة، فتعلو حين التقابل الصيحات محمّلة بمشاعر الشوق.

ومن أجل كسر عقبة تلك الأمتار، يتحتّم على المواطنين السّفر أزيد من 800 كلم من وجدة إلى الدار البيضاء، ومنها جواً إلى مطار وهران، والعكس كذلك صحيح، في حالة توصف بالمأساة الإنسانية عنوانها “الحدود المغلقة”.

وفي انتظار فتح الحدود، ستظل النقط الحدودية، وبشكل خاص، هذا المكان على ضفتي وادي كيس، نقطة التقاء من فرق بينهم إغلاق الحدود، وإن كانت لقاءاتهم عابرة تبدأ بالحبور وتنتهي بالدموع ومشاهد مؤثرة دون أن يستطيع أي طرف احتضان أو حتى مصافحة قريبه الموجود بالضفة الأخرى.