الفكر المادي وقضية الإسراء والمعراج .الانجري نموذجا (الجزء الأول)
الوطن 24/ جلال مودن
ما هذا يا صديقي وأنت الرجل الصوفي الذي ينبغي أن يستحضر نور البصيرة في كل ما يقول و يرى و يسمع ، لماذا هذا التحامل على النصوص كي توافق العلم الحديث حينا و حقوق النساء حينا لماذا هذا البحث المستميت لإيجاد المخارج و التأويلات؟؟؟؟؟؟ لا شك أنك تعمل بحسن نية وأنت تنافح عن الشرع الحكيم وتحاول تقريب وجهات النظر والكشف عن مواطن الخلل، لكن هذا الطريق يفقد الدين قيمته ونوره و بهاءه و إستقلاله، فلم يأت لموافقة الأهواء والمذاهب والافكار، وإنما جاء لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
ولعل مرد هذا الأمر الذي لمسته في كلام الكثير من الفقهاء والأطباء الذين تحاورت معهم هو طغيان الفكر المادي النيوتوني الديكارتي على معظم المجالات المعرفية ردحا من الزمن مما جعل الكثير ينجر وراءه دون شعور، ظنا منهم أنه هو العلم الصحيح، ولهذا لابد من بيان مفهوم العلم عند الغرب ومفهوم الإنسان .
_العلم عند الغرب مرادف لأمرين: المادة و التجربة. فكل ما ليس ماديا ليس علميا، كل ما لا يمكن تجربته ليس علميا .
“الوجود مادي في طبيعته ولا شيء في الوجود لغير المادة، فما ليس ماديا فهو غير موجود، أي مبحث علمي لابد أن يلتزم بالتفسير المادي و إلا عد مبحثا غيبيا غير علمي إذ المادية مرادفة للتفكير العلمي”.
وهذا يحيلنا إلى إنكار الغيبيات مطلقا أو بعضها كما وقع للمدعو أو حفص أو محاولة التفسير المادي لها، وهذا مستحيل إذ كيف يمكن إخضاع اللامعقول للمعقول كيف يمكن إخضاع الغيب للعالم الشهادة ، ونحن لا نملك أدوات معرفة الغيب إلا عن طريق الوحي .
فرق شاسع بين من يقول العلم هو المادة والتجربة وبين من يقول العلم هو الوحي سواء وافق المادة و التجربة أم لم يوافقها ، فأنا أعتقد أن مصدر العلم الأول هو الوحي وما دونه معارف و تجارب و نظريات و أفكار كلها تصب في المنبع الأول أو قريبا منه أو بعيدا، حسب قربها أو بعدها من الحق والصواب .
أما مفهوم الانسان عندهم فهو مفهوم مادي صرف في معزل عن النوازع النفسية والروحية ولهذا يقولون:
-“أن الفارق بين عالم الأحياء وعالم الجمادات هو فارق في التركيب الكميائي بين مواد عضوية و أخرى غير عضوية إذ الحياة مادة هيدروكاربونية
-الفارق بين عالم الاحياء و عالم الجمادات إنما هو فارق بين مركبات عضوية و أخرى غير عضوية،و من ثم فإنه في الدرجة لا في الطبيعة،و الكون كله وحدة واحدة الجماد فيه أدناه و الإنسان فيه أعلاه.
و من ثم فإن جميع العمليات العليا للانسان كالتذكر و التفكر ليست إلا عمليات آلية،فجسم الإنسان آلة حية،و جميع أعضائه تؤدي وظائفها كما تؤدي الآلات عملها وفقا لقوانين الميكانيكا.”
فالانسان لا يعدو أن يكون آلة حية ما يميزها عن الجماد مادة هييدروكاربونية تعطيه صبغة الحياة .
قد تجيب يا صديقي أنك لا تقول بهذه الترهات وأنك تؤمن بالغيب و بأن الانسان روح و جسد وعقل ، لكنك في الوقت نفسه لا يمكن أن تقبل بما لا يقبله العقل و العلم، فأجيبك أن العقل أعجز من أن يستوعب تفاصيل الكون الفسيح والخلق العظيم إلا في حدود إدراكه، العقل العلمي المادي عاجز أن يفسر بعض الظواهر التي تصدر عن ذاته كالأحلام التنبؤية والتخاطر و الاستبصار ….العلم الحديث أعجز مما نظن عن إدراك الكائن البشري إدراكا دقيقا و في كل يوم يطلعنا الطب عن كشف مادة أو عضو دقيق جديد مؤثر في الصحة بشكل كبير ناهيك أن يدرك أسرار الكون وحقائق الغيب “فمن الجهل أن نعتقد أن العلم يسيطر على كل الاحتمالات، بل العلم في كثير من قضاياه لم يعد قادرا على إثبات مقولة أو حتى نفيها، فكيف نجيز لهذه الأغلوطة المؤدلجة أن تحكمنا من اليقين الذي نبحث عنه وهي لا تملكه، وأن تملي علينا القرارات والاستنتاجات داخل سيول من المفارقات؟”.
العلم ليس وحيا العلم ليس يقينيا العلم ليس معيارا للحكم على الغيب لأنه خاضع لقانون المادة ،و المادة لا تدرك الغيب و لا يمكن أن تستوعب مفهوم الغيب .
العلم الذي تتحدث عنه قد تهاوى في مجمل المجالالت المعرفية بعد ظهور النظرية النسبية و الفيزياء الكمية ،
فبعد أن سيطرت النظرية النيوتونية على المعرفة الحديثة جاء الدور على الفيزياء الكمية كي تهدم صرح المادة ومفهوم المكان و الزمان و الحركة .
يتبع