القانون التنظيمي للمالية ورهان النجاعة
الوطن 24/ بقلم/ محمد الغزواني*
شهدت القوانين التنظيمية للمالية بالمغرب مجموعة من الاصلاحات، ارتبطت في جوهرها بالإصلاحات الدستورية المتتالية التي تم تعديلها بتواريخ، 9 نونبر 1963، و30 أكتوبر 1970، و18 دجنبر 1972 و26 نونبر1998، وذلك على التوالي في إطار دساتير 1962 و1970 و1972 و1996. وقد توجت ھذه الإصلاحات الھیكلیة في مجال المالیة العمومیة بإصدار قانون تنظیمي جديد للمالیة رقم 130.13 بتاریخ 18 یونیو 2015ليتماشى مع المبادئ الدستورية لسنة 2011 المؤطرة للمالية العمومية، ولیجسد المعاییر المتقدمة في مجال شفافیة القوانین المالیة والمیزانیة ومقروئیتھا، ویحدد معالم جدیدة لكیفیة إعداد قوانین المالیة والمصادقة علیھا ومراقبتھا.
ومن هذا المنطلق، جاءت المستجدات القانونیة في میدان المالیة العمومیة لتأكید المسؤولیة المشتركة للحكومة والبرلمان، بمقتضیات جدیدة تمثلت في الحفاظ على التوازن المالي للدولة والربط بین المسؤولیة والمحاسبة، وتقییم السیاسات العمومیة ومراعاة تناسق وتكامل مجلسي البرلمان ضمانا لنجاعة العمل البرلماني وخصوصا فیما یتعلق بمناقشة والتصویت على مشروع قانون المالیة، وإلزام الحكومة بتعلیل رفض التعدیلات البرلمانیة، واعتماد البرمجة المتعددة السنوات والمسطرة الجدیدة لدراسة والتصویت على قانون المالیة وقانون التصفیة وتوسیع مجال قانون المالیة الذي أصبح یشمل جمیع الأحكام الضریبیة والجمركیة .
فما هي انعكاسات القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13 على تدبير مالية الدولة؟
یمكن القول أن إصلاح القانون التنظیمي للمالیة ارتكز على ثلاث مقومات رئیسیة، تتمثل في تحسین نجاعة أداء التدبیر العمومي، وتعزیز المبادئ والقواعد المالیة وتقویة شفافیة المالیة العمومیة، وتقویة الرقابة البرلمانیة للمالیة العمومیة:
أولا : في ما یتعلق بتحسین نجاعة أداء التدبیر العمومی
أكد القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون للمالي، على إخضاع منظومة المالیة العمومیة لمنھجیة نجاعة الأدا، من خلال إلزامية إعداد قانون المالی السنوي استنادا إلى برمجة متعددة السنوات تغطي ثلاث سنوات ویتم تحیینھا سنویا، مع تعزيز البعد الاستراتيجي لقانون المالية الذي سيحافظ على طابعه السنوي، وكذلك إعداد جميع الوزارات لبرمجة متعددة السنوات على مدى ثلاث سنوات يتم تحيينها سنويا، وذلك على أساس أهداف إستراتيجية، مع الأخذ بعين الاعتبار التكاليف المرتبطة بالموارد البشرية، بالتسيير، بالاستثمار… وهذه البرمجة يجب بلورتها و إدراجها في جدول زمني لقانون المالية خاص بإعداد البرامج المتعددة السنوات.
وقد ربط الإصلاح الأخير منھجیة نجاعة الأداء بالتدبير المبني على النتائج، من خلال تعریف وتحدید مسؤولیات المدبرین ومنحھم مزیدا من الحریة في التصرف، ثم إعادة توزيع الإعتمادات على مستوى المشاريع والبرامج مقابل التزامھم بإنجاز الأھداف المحددة، وتقدیم الحساب حول النتائج، وأيضا من خلال إلزامية كل قطاع وزاري بإعداد تقرير حول نجاعة الأداء يودع لدى البرلمان رفقة مشروع قانون التصفية، يضاف إليه تقرير المفتشية العامة للمالية حول افتحاص نجاعة الأداء برسم كل سنة مالية للوزارات أو المؤسسات. بحيث يرمي التدبير بالنتائج إلى إعادة هيكلة تدبير الميزانية من أجل توجيهها نحو بلوغ نتائج قابلة للقياس، تستجيب لأهداف محددة سلفا، وتبرر الإعتمادات المالية المرصودة وذلك عبر هيكلة الميزانية حول البرامج، مع منح مزيد من المسؤولية للمدبرين أي الأمرين بالصرف مقرونة بالمساءلة والمحاسبة، وبالتالي فهذه البرامج التي يتم ربطها بأهداف يجب أن تعبر عن المكونات الأساسية للبرنامج، وتتسم بالوضوح والأهم في ذالك أن تكون قابلة للقياس بواسطة مؤشرات.
ثانيا: فيما يتعلق تعزیز مبادئ والقواعد المالیة وتقویة شفافیة المالیة العمومیة
من أجل تعزیز التوازن المالي، وتأطير الدین العمومي، أسس القانون التنظیمي لقانون المالية رقم 130.13 لقواعد مالیة جدیدة من خلال تنصیصه على ضرورة عدم تجاوز حصیلة الإقتراضات مجموع نفقات الاستثمار وسداد أصول الدین. إلى جانب ذلك، عمل على إدراج مبدأ صدق الميزانية بشكل صريح، من أجل تعزيز صحة الفرضيات التي تتحكم في إعداد مشروع قانون المالية، وتأكيد جودة توقعات الموارد والتكاليف مع الأخذ بعين الاعتبار المعطيات المتوفرة أثناء إعدادها، وكذا تأكيد الالتزام بتقديم قوانين مالية تعديلية في حالة حصول تغيرات كبرى في أولويات وفرضيات قانون المالي السنوي.
ومن أهم ماجاء به القانون التنظيمي لقانون المالية، هو التوجه نحو تقليص عدد أصناف الحسابات الخصوصي، التي تعتبر مثار جدل حول حكامتها وترشيدها ، بحيث اشترط بالنسبة للحسابات المرصدة لأمور خصوصية أن تمثل، ابتداء من السنة المالية الثالثة الموالية لإحداثها، الموارد المتأتية من حصيلة رسوم أو موارد مخصصة أو هما معا، على الأقل نسبة أربعين في المائة (%40) من مواردها الإجمالية المأذون بها برسم قانون المالية للسنة المذكورة، وذلك بالنسبة للحسابات المرصدة لأمور خصوصية المحدثة ابتداء من فاتح يناير 2016، وتحذف هذه الحسابات في حالة عدم استيفاء هذا الشرط بموجب قانون المالية الموالي، وبالتالي انخفض عدد هذه الحسابات ليصبح 69 حسابا خصوصيا سنة 2022 مقابل 130 حساب خصوصي سنة 2003.
ثالثا: فيما يتعلق بتقویة الرقابة البرلمانیة على المالیة العمومیة
عمل القانون التنظيمي للمالية على إغناء دور البرلمان في مرحلة مناقشة مشروع قانون المالية، من خلال إشراكه في المشاورات حول التوجھات الكبرى والإطار العام الذي یتم فیه إعداد قانون المالیة، وتمكینه من معطیات وتقاریر مستفیضة ترفق بمشروع القانون المالي السنوي. بحيث تشكل هذه التقارير بالفعل إضافة حقيقية لتعزيز الرصيد المعلوماتي حول المعطيات الاقتصادية والمالية والاجتماعية للبلاد. كما ألزم الحكومة بالإخبار المسبق للجان البرلمانية المكلفة بالمالية بالتدابير التي يتم أجرأتها خلال السنة، والمتعلقة بـ:
- إحداث حسابات خصوصية للخزينة في حالة الاستعجال والضرورة الملحة وغير المتوقعة.
- فتح اعتمادات إضافية في حالة ضرورة ملحة وغير متوقعة ذات مصلحة وطنية.
- وقف تنفيذ بعض نفقات الاستثمار إذا استلزمت ذلك الظروف الاقتصادية والمالية.
كما تم تقوية دور البرلمان في مراقبة تنفيذ المالية العمومية، من خلال إلزامية الحكومة بضرورة احترام الأجل المخصص لتقديم مشروع قانون التصفية إلى مجلس النواب في أجل أقصاه نهاية الربع الأول من السنة الثانية التي تلي سنة تنفيذ قانون المالية المعن،. بحيث تم المصادقة مؤخرا على قانون التصفية رقم 11.23 المتعلق بتنفيذ قانون المالية للسنة المالية 2021. ولتمكين اعضاء البرلمان من معرفة حصيلة عمليات تنفيذ القانون المالي، تم إلزام الحكومة بإرفاق مشروع قانون التصفية بمجموعة من الوثائق الهامة التي توضح الحصيلة المحاسبية للدولة، بالإضافة إلى التقرير السنوي حول نجاعة الأداء المعد من طرف الوزارة المكلفة بالمالية، ويحيل المجلس الأعلى للحسابات على البرلمان التقرير حول تنفيذ قانون المالية والتصريح العام للمطابقة بين الحسابات الفردية للمحاسبين والحساب العام للمملكة.
استنادا إلى ما سبق، رغم الإسهامات التي حملها التطبيق التدريجي لقانون التنظيمي 130.13 في تكريس المنهجية الحديثة لتدبير المالية العمومية، القائمة على المبادئ الاقتصادية الثلاث )النجاحة والفعالية والاقتصاد، إلا أن هناك صعوبات لتنزيل التدبير المبني على النتائج والأهداف، بالنظر لطبيعة مؤشرات القياس المعتمدة ولكثرة عددها، مما يجعل البعض منها غير واضح ويتسم بالعمومية، ويضعف من قدرة قياس نتائج بعض البرامج، بحيث ترتبط البرمجة المتعددة السنوات بالوضعية المالية وبالأولويات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية للبلاد، لذلك فإنجازها مرتبط بباقي مكونات ميزانية الدولة من موارد عمومية وسياسة واضحة ومؤطرة للنفقات العمومية من أجل بلوغ أهداف محددة بدقة. بالإضافة إلى ضعف حصيلة تنزيل التدبير المعتمد على النتائج من قبل بعض القطاعات الوزارية والمؤسسات والمقاولات العمومية، لذلك فالرهان قائم على تأهيل القدرات التدبيرية للإدارة العمومية بما يسمح بالتخطيط والبرمجة وتنفيذ الأهداف بنجاعة وفعالية. فرغم كل المحاولات التي تم القيام بها والإصلاحات المنجزة منذ عقود، فإن الأزمات الاقتصادية المتتالية، من جفاف وقلة الأمطار، الأزمة الصحية كوفيد 19 والحرب الأوكرانية، وتداعيات ذلك على الاقتصاد، والأمن الغذائي والتضخم المتسارع، تبرز هشاشة المالية العمومية في احتواء هذه الأزمات.
إن التنفيذ الفعلي للإصلاح المالي المبني على نجاعة الأداء، والأهداف والنتائج لیس فقط مساطر وإجراءات إدارية، بل مقاربة تدبيرية جدیدة مبنیة على مجموعة من المبادئ “الشفافیة، الفعالیة، النجاعة، المساءلة والمحاسبة”، وهو رهين بانخراط جميع المصالح المركزية وأيضا اللاممركزة، في هذا الإصلاح وإرساء جميع الأدوات لتقييم وتتبع تنفيذ الميزانية بشكل متواصل، فبعد 7 سنوات من تنزيل القانون التنظيمي للمالية العامة، لابدا من مواصلة الإصلاح بتقييم حصيلة التنزيل وإعادة التفكير في إصلاح المالية العمومية في ضوء الأزمات المتلاحقة وحالة اللايقين التي تواجه الاقتصاد بشكل مستمر.
*باحث في القانون العام والعلوم السياسية، جامعة محمد الخامس الرباط