القرآن والنظر في البستان

الوطن 24/ بقلم: الدكتور أحمد جوهري

النظر في البستان أنواع:

– هناك نظرتنا العادية إلى جمال الورود المتفتحة وخمائل الشجر المزهرة وأغصانه المتمايلة التي تُمتع العين وتبهج النفس ساعة الضيق والكدر، والحنق والضجر؛

– وهناك نظرة العلماء التجريبيين الباحثة عن حقيقة الزهرة العلمية في تفاصيل مكوناتها الدقيقة وطبيعة نموها وعلاقتها بالتربة والماء والطقس…؛

– وهناك نظرة اللغويين وصانعي المعاجم الذين يدركون أكثر من غيرهم غزارة أسماء النبات وجذورها الاشتقاقية المتنوعة التي تفوق مادتها نصف كلمات المعاجم اللغوية العالمية إلى جانب أسماء الحشرات والحيوانات والطيور والأسماك.

– وهناك نظرة الشعراء الأكثر عاطفة والأشد انفعالا وتوهجا وتوقا إلى كنه جمال الورود وإيحاءاتها الفنية ودفء حرارتها الوجدانية؛

– لكن القرآن الكريم حثنا على نظرة بستانية من نوع آخر مختلفة عن ما سبق، نظرة روحية متعالية فريدة خاصة بالمؤمنين أولي الأبصار والألباب: إنها النظرة التي يرى فيها المؤمن في كل وردة متفتحة، وكل زهرة متفتقة، وكل نبتة متشققة، روحَه المنبعثة من تراب قبرها عند البعث. وذلك ما يبدو جليا في آيات البعث والحشر حين يقسم الحق تعالى ردا على منكري يوم القيامة أن القدرة الإلهية التي تحيي نبات الأرض الميتة هي نفسها التي ستحيي الموتى، قال عز وجل:

“ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة، فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربَت، إن الذي أحياها لمحيي الموتى، إنه على كل شيء قدير”(سورة فصلت، 39)

فيا لها من صورة جمالية ربيعية لانبعاث الروح تلك التي يمنحنا إياها القرآن، لكن الإنسان الضعيف، الجزوع الهلوع، واليؤوس القنوط لا يرى سوى صورة الموت الخريفية الصفراء التي تحجب عنه كل ذلك الجمال الربيعي الأخضر المترقرق بين آي القرآن الكريم.

رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، فإنك أنت الأعز الأكرم.

جمعة مباركة