المحاماة وثورة النقباء رؤية استراتيجية نحو التجديد

الأستاذ حسن حلحول محام بهيئة الرباط

الوطن24 

الكل ساخط والكل يشكي والكل غير راض والكل يحتج والكل يعلن عن أزمة المحاماة ويلعنها والكل يشهد عن التردي و الكل يستنكر التخاذل ،آمن الكل المحامين أن قوتهم تنهار يوماعن يوم، وأن الضعف بدأ يأكل ويدب في جسمها، وأن قادم المحاماة اسوأ ماديا ومعنويا ،فاليعلم الكل أن الحل في يد أبنائها وليس عند غيرهم.
ولكن هل من متسائل يسأل من السبب في اضمحلال دورها الريادي والتخلي عنه او بالاحرى التنازل عنه وتراجع مكانتها ؟
إن نقباء المهنة الأحرار وشرفائها كتبوا تاريخها في سجلات من الذهب ،وتركوا ارثهم هذا امانة وذهبوا، وهم مؤمنون أننا سنحافظ عليه ،بعد ما أن وهبوا حياتهم وصحتهم ووقتهم الغالي وأسرهم ،من أجل رقيها والرفع من شأنها، إن المحاماة تاريخ من النضال والتضحية ، يعز علينا إن ينهار هذا التاريخ بين أيدينا وبأيدينا، لن يسمح لنا التاريخ ونحن نساهم في انهيار هذا الصرح الكبير، قد نكونوا بذلك ارتكبنا جميعا جريمة في حق الإنسانية، لأن المحاماة رسالة إنسانية كونية ، من هنا تستمد مهنة النبلاء والشرفاء هذه الصفة . التي كان ينظر إليها و يتطلع الجميع إليها في الأمس القريب الكل من أجل الدفاع عن حقوقهم المشروعة قضاة نالوا استقلاليتهم بنضالنا وكتاب الضبط أسسوا النقابات ،وممارستهم العمل النقابي بنا،فالعزة لرجال صنعوا تاريخها والعار على كل من أدار الدهر لها . والسؤال الجوهري المطروح هو :
هل نحن في هذه المحطة الانتخابية التاريخية الحاسمة أن نعيد مجدها ونجدد العهد بالتاريخ؟ ونقول للتاريخ لم نخذلك وأن وجود المحاماة على المستوى الأنطولوجي يبعث من رميم بدمائها الجديدة وحماتها الجدد القادمون باحترافية واستراتيجية غير مسبوقة.

** مقاصد ثورة النقباء .
إن المحامين ما احوجهم اليوم أكثر من أي وقت مضى الى نقباء يقودون المحامين إلى ثورة هادئة وهادفة وخلق عقل المحامين متشبع بقيم التجديد، من أجل السير نحو استرجاع مجدها وإشعاعها الطلائعي.
إن المحاماة تمر اليوم بامتحان عسير،الواجب على جميع المحامين بالمغرب أن لا يخذلوا هذه المحطة التاريخية المصيرية، وأن يحسنوا اختيار نقباء ومجالس هيآتهم في الانتخابات القادمة تتوفر فيهم الشروط الاساسية لقيادة هذه السفينة التي تعاني من ثقب عميق خرقها ومن أجل إغلاق هذا الثقب او الشرخ للخروج الى بر الأمان او نغرق فيها جميعا، ولن يتحقق هذا إلا إذا كانت هناك رؤية استراتيجية تحمل في مضمارها التغيير الجذري والتجديد في الرؤية مستقبلية ،والتنظير للمهنة مستقبلا برؤى غير الكلاسيكية ،ولا يمكن تحقيق هذا إلا إذا توفرت لدى النقباء المرشحين مشروع التجديد في النظرية والممارسة فلم تعد الأعراف والتقاليد كافية لتأطير المحامين الجدد والتجديد يبدأ بالاعتراف بأننا أصبحنا ضعفاء ، لأن كل شيء من حولنا تغير اعتمادا على نظرية التجديد كأساس لتطوير الذات ، فلن يتحقق ذلك ولن يكون إلا اذا حملت الانتخابات نقباء الى مؤسسة النقيب شعارهم من أجل مهنة المحاماة وليس من أجل نيل الألقاب الشريفة، وأن تكون مهمتهم وأهدافهم هو تحقيق مشروع الثورة النضالية للحفاظ على مكتسباتها المتمثلة في الاستقلالية والحرية والحصانة ، وهو مشوار شاق ديالكتيكي،ولم يعد مهمتهم تنحصر في تصريف أعمال إدارية وصرف الودائع وشواهد العمل.
إن مؤسسة النقيب والمجالس مسؤولة عن تاريخ المهنة المجيد مما يكون معه الآن مسؤوليتها أكبر من ذي قبل وأكبر مما نتصور ،إن حمل الأمانة كالجبل لن يتحملها إلا الصناديد الشجعان لهم بسطة في العلم والمعرفة القانونية وقوة اتخاذ القرارات القوية والمناسبة في الوقت المناسب،وهي – أي المهنة – على ما عليها حاليا وما تعيشه من ظروف صعبة تأبى أن يمثلها المتخاذلين، أوان يمثلها من ينتظر الانقضاض على اللقب ومن بعده الطوفان ، ويقولوا هؤلاء لأولئك اذهبوا أنتم فقاتلوا إنا نحن هنا قاعدون نجني مغانم اللقب الشريف.
إن من يعتقد أن دور المحامي ثانوي وهامشي مخطئ في رؤياه ، فهو قطب الرحى ومحرك الدعوى ومحصن الحقوق ، وأن العمل على اضعافها هو إضعاف لجهاز العدالة بأكمله،
وأنه لا يدرك ذلك إلا الممارسين الحققيين ، وأن زملاء من القضاة الذين التحقوا بالمحاماة ،أدركوا جميعهم بدون استثناء ما نقوله، فلا يخطئ أحد في حقها فإنه يخطئ في حقه الشخصي.
إعلم أيها النقباء أن مفهوم الثورة الثقافية التي نتوخاها أن تنصب على مستوى عقل المحاماة من أجل إيقاظ الهمم ، واسترجاع مجد المحاماة، ولا يتحقق الهدف إلا إذا التزم النقباء كل النقباء بالحضور بقوة في الميدان لكي يشتغلوا ليل نهار من أجل الحفاظ على هيبتها، حتى يتم التجديد في ثقافة المحامين وفي أعرافها وتقاليدها بدل الإبقاء على العمل الكلاسيكي، وأن تكون شخصيتهم صلبة أي أنها يمكن الاعتماد عليهم في اتخاذ القرارات المصيرية في الوقت المناسب دون تردد واتخاذ مواقف باسلة، وهذه الشخصيات تصمد بالتصدي لأي قرار أراد النيل بالمهنة وبالمواجهة الحداثية الحوارية وفتح المعارك كلما استدعت الضرورة ذلك، مثال امتحان المحاماة الذي نظم مرتين في ظرف زمني قياسي بين الأول والثاني ثلاثة اشهر، دون أي اعتبار لمبدأ مشاركة المحامين في القرار، اذن يجب أن تكون شخصية النقباء صلبة تشكل جبهة التصدي والمواجهة أكثر من أي وقت مضى.
فيا محامون الشباب اتحدوا حول اختيار نقيبكم ، إنها مسؤولية جسيمة ملقاة على عاتقكم أكثر من غيركم ، فأنتم مستقبل المحاماة ومصيرها بين يديكم ،وتاريخها أمانة في عنقكم، وانتم الاغلبية أحسنوا اختيار تاريخكم واصنعوا الحدث، فإنما المحاماة باقية برجالها، وإن هم ذهبوا ذهبت.
نعلم أن قوة المحاماة لا يمكن أن تضاهيها قوة في المجتمع، فإذا ما تراجع دورها الطلائعي محليا ، فإن قوتها العتيدة تستمدها من كونية وعالمية المحاماة، فنحن في المغرب جزء لا يتجزأ من هذه الكونية ، بالتالي لا يمكن أن نكون ضعفاء وزملائنا في العالم أقوياء.

**استراتيجية التحديث والتجديد ضرورة أم اختيار.
إن محاماة القرن الماضي أصبحت متجاوزة و متآكلة، لم تعد الطريقة الكلاسيكية تعطي ثمارها، كل شيئ تحول وتغير حولنا بفضلنا، وبقينا نحن محافظين على ثقافتنا ووضعنا على حاله متزمتين غير منفتحين على التطورات الحقيقية ، دون أن نتغير ونواكب التطور الذي حدث، إن انغلاق عقل المحاماة ولد الدى الحامين الشعور بالقلق حيال الوضع الراهن للمهنة، إن القدرة على الحوار وفتح مجال لإحداث التغيير على مستوى المؤسسات من شأنه أن يرفع من شأن المحاماة ولن يتأتى ذلك إلا بالتجديد في بنية عقل النقباء ، وان نقباء المستقبل ينتظرهم رهان كبير وتحدي جاد المتمثل في تجديد آليات العمل ، وذلك باستعمال عقل المحاماة وتوظيف طاقاتها من أجل الاشتغال على استراتيجية التغيير والتجديد بشكل جذري، لاعادة بناء قوتنا من الداخل دون ضعف ووهن. وأن التعجب والدهشة والحيرة التي يعيشها المحامين الآن هي بداية الحكمة والتبصر نحو التجديد، قد يرغب راغب في الإبتعاد او بالنأي بنفسه عما يعيشه زملائه وما تعيشه المهنة من أزمة التجديد والحوار بين منظماتها الشبابية، يكون مخطئ في تقدير حساباته ،لأننا كلنا معيون بذات الموضوع ،
وحتى نحقق ذلك يجب أن تكون المجالس متجانسة مع نقبائها،
وأن تكون هي بدورها تساير هذا التحديث ،وأن تكون مستوعبة اياه ،ولا يحمل هذا التجديد اي تضارب او تناقض مع الماضي، طبعا فإن اي جديد يمس البنية الفوقية فإنه سيلقى معارضة، ويفرز الصراع بين التيار المحافظ والتيار الإصلاحي، وهذا ليس بجديد لأن الصراع بين الثابت والمتغير شيء طبيعي لإحداث التطور والطفرة في عقل المحاماة حتى لا تبقى جامدة ،ويكون بذلك التجديد ضرورة ملحة يفرضها الواقع المحيط بالمهنة وليس اختيار. وحدث التحول الفكري يفرضه منظومة العدالة التي تعرف شخصيات تفكر بشكل مختلف عن الشخصيات السابقة ،وهذا مرتبط بالتحولات العالمية على مستوى النظم القانونية الجديدة، فإذا كانت تنزيلها في البداية عرفت عندهم الارتباكات ،فإنها الآن ماضية في الترسيخ والثبات، ونحن لم نزل بعد لم نخرج من دائرة الارتباك ووجدت نفسي ابحث في ذلك دون أن أعطي في البداية الموضوع أهميته الذي يستحقه ،فوجدت أن السبب هو الاعتماد على التراث المتآك المتروك (الأعراف والتقاليد )منهجيا وممارسة دون العمل على التجديد فيها هو السبب تأخر المحامين في مواكبة التحولات والتجديد الذي عرفته قطاعات أخرى بحولنا.
ومن بين المسائل الموضوعية التي تفرض علينا نهج استراتيجية التجديد، ترسانة القوانين التي لها ارتباط بالحياة المهنية ،ويكون لها تأثير مباشر عمليا على المحاماة ماديا ومعنويا ، والتي ستعرف الدخول إلى حيز التطبيق بين سنة 2024/ 2025 قانون المهنة والقانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية، هذه القوانين تمس مالية المحامين وتضرب أكثر من أي وقت مضى استقلاليتهم وحريتهم وتفقدهم الجانب الحقوقي الذي هو العمود الفقري لمهنة المحاماة، إنها ستعرف ارتدادات في التطبيق الى حدود سنة 2025 ولن تستقر إلا بعد تجنب عيوبها بالممارسة التطبيقية التي ستترك المجال للاجتهاد القضائي بسدها بمقتضى التأويل الذي تتداخل فيه اعتبارات موضوعية وذاتية.
إذا ما بقيت هذه مشاريع تعديل القوانين على حالتها، فإن المهنة ستعرف كثيرا من المشاكل ماديا ومعنويا ولا يمكن أن يخفف من زلزال هذه القوانين ،الذي سيهز أركان التي رست عليها المهنة منذ قرن من الزمن. سوى صعود نقباء أشداء لهم سلطة العلم والاطلاع على أحوال المهنة متابعين لهمومها ومجالس أقوياء في قراراتهم حكماء في قراءتهم ، يتوفرون على ميكانيزمات التجديد وكاريزمات تطبيقه دون تردد،من أجل التكيف مع التحولات والإكراهات التي من المتوقع أن تواجه المحامين. ويا محامون المغرب التفوا حول مؤسستكم وأعطوا لها القوة ولا تفرقوا، فلا خير في التعددية السلبية ولا خير في الاختلافات الجزئية .
فلعل القارئ الكريم من زميلاتي زملائي قد ادركوا ادراكا واقعيا وليس احتمالا ،بأن محاولتنا هذه تهدف الى استحضار القيم والمفاهيم الأخلاقية كعنصر جوهري في اختيار النقباء والمجالس يفرضها الوضع الراهن ليس كالسابق السائد المتمثل في ضعف قوة مؤسسة رئيس الجمعية وهوانها ، ووهن عزم النقباء والمجالس بسبب الاختلافات الهامشية ، وتآكل جسم المحاماة بسبب تعدد اتخاذ القرارات، والتفرقة حلت محل الوحدة، وقبول الإهانة حلت محل العزة والكرامة، إنه وضع لا يسع للمحامين إلا اختيار نقباء ليعيدوا كتابة تاريخ المحامين المجيد.
إن الازمة الخانقة التي يعاني المحامون منها ،تفاقمت مع وزير العدل الحالي السيد عبد اللطيف وهبي الذي وجه عدة طعنات للمحاماة ، وحاولنا تحليل وتفسير ذلك ولم نجد له سبب واقعي الذى جعله يقوم بما قام به كأنه لم يكن يوما محاميا، وهذه هي النقطة التي أفاضت الكأس ،كادت أسس وبنيان المحاماة أن تنهار بواسطة الشقاق والخلاف بين الأخوة الدفاع، لأنهم قدموا مصالحهم الشخصية على مصلحة المحاماة.
وبناء عليه فإن الانتخابات التي على وشك اجراؤها ستفرز لنا نقباء ومجالس ومن خلالهم رئيس الجمعية ، هي أصعب انتخابات في تاريخ المهنة وأهمها لماذا ؟ لأن المهنة في أزمة حقيقية وفي مفترق الطرق، كل محام يتحمل المسؤولية الاخلاقية في اختيار رجال المهنة رجال المرحلة الراهنة ،كما يتحمل وزر سوء الاختيار،آلا إن الوضع صعب للغاية والوقت لا يرحم.
والله اعلم….