المشاركة المغربية في مونديال قطر: الدلالات والأبعاد

الوطن24/ بقلم: مارية جوهري

مارية جوهري

  تنظيم مونديال قطر في دورته الحالية سنة 2022، وبنسخته العربية كان متفردا واستثنائيا، بإثارته مجموعة من القضايا المتعددة الأبعاد، والتي تجاوزت حدود الرياضة والفرجة، لتلامس مجالات السياسية والاجتماع والثقافة، والأخلاق والقيم الإسلامية والعربية، يمكن إجمالها كما يــــــــــلي:

1- تحقيق قطر للحلم العربي في تنظيم كأس العالم وتفوقها بشكل استثنائي ولافت للأنظار، هو انتصار للذات العربية، وتكسير للصورة النمطية للعرب والمسلمين في أذهان الغرب، وايضا انتصار للثقافة والقيم العربية الإسلامية وتأكيد حضورها ضمن منظومة القيم والحقوق الكونية العالمية.

 2- الفوز التاريخي للمنتخب المغربي لكرة القدم، وتحقيقه المركز الرابع عالميا، أثار اندهاش العالم والتفاف ومساندة غير مسبوقة من الشعوب العربية والإسلامية والإفريقية وكذلك الاسيوية، حتى فاق عدد مشجعيه 2 مليار نسمة، وجعل هذا الانجاز الكروي، الأول في تاريخ المغرب والعرب والأفارقة في آن واحد، وحدثا استثنائيا وتاريخيا.

3- فوز المنتحب المغربي، كسر عقدة الدونية والإقصاء النفسي والإعلامي، ورد الاعتبار للذات المغربية وللعالم العربي والقارة الإفريقية ولكل الشعوب الغير الواثقة بنفسها في مقارعة الكبار بأنها ليست أقل قدرة أو كفاءة، وأن المنافسة والشغف بكرة القدم لا يقتصر على النصف الشمالي من الكرة الأرضية، بل هي ملك للعالم بأسره من شماله إلى جنوبه.

4- مظاهر احتفالية اللاعبين في بعدها الديني والأخلاقي والوطني، أعطت مجموعة من العبر:

  • انتصار في ميدان القيم والاخلاق قبل الانتصار في ميدان كرة القدم؛
  • الاعتزاز بالانتماء الوطني من خلال اجلال الرموز والشعارات الوطنية؛
  • موقف البر بالوالدين، ورمزية حضور الأم والتيمن بدعائها ورضاها، هو رسالة للغرب تبرز مكانة المرأة في ديننا ومكانة الاسرة كنواة لمجتمعنا، وتظهر رفضنا لمجتمع الشواذ؛
  • موقف السجود لله تعالى يدل على توحيد الخالق والتمسك بديننا الحنيف.
  • رفع العلم الفلسطيني أثناء الاحتفال، تعبير عن التضامن في القضية الفلسطينية.

5- احتفالية الفوز، أحيت فينا روح الوحدة المغربية، بجذورها الأمازيغية والعربية والصحراوية والأندلسية، وفتقت الحلم المغربي باستعادة أمجاد الأمة المغربية.

6- المشاركة المتنوعة للجماهير العربية والافريقية في الاحتفال والتعبير عن الفرح، أعاد الشعور المشترك بالهوية الجهوية والإقليمية والإنتماء العربي الإسلامي والافريقي.

7- نجاح استثنائي للمدرب الوطني وليد الركراكي في استنهاض فريق كروي وإحياء روح وإرادة جماعية قادرة على تجاوز الفشل والهزائم والاحباط، وإثبات الهوية المغربية والانتصار على الذات وإعلاء روح الوطنية والنية الصادقة لإسعاد الشعب المغربي، فبرز في الأفق مفهوم النية ” ديرو النية ” وهي جملة شهيرة للناخب الوطني وليد الركراكي، كمنطلق روحاني للعمل الصادق والسير نحو الفوز ” سير سير سير “.

8- قدم الناخب وليد الركراكي دروسا إنسانية وتواصلية وتدبيرية ونفسية ووطنية نحتاج أن نتعلم منها في اسلوب تدبيرنا للشأن العمومي، ويمكن استثمارها في تنزيل السياسات الاجتماعية والثقافية والإقتصادية، والرياضية:

  • النية الصادقة بمعنى والثقة والايمان بالفوز قادرة على تحقيق المستحيل؛
  • الاعتماد على النبوغ والكفاء المغربية؛
  • الاستعداد والجاهزية والانضباط والاخلاق وروح القتال؛
  • اعمال روح الفريق والقتال والمثابرة لتحقيق الطموح؛
  • تجديد مفهوم الروح الوطنية مع التشبث بالقيم الدينية والهوية المغربية.

9- أثار هذا الفوز التاريخي، النجاح الباهر لأعضاء المنتخب القادمين من بلاد المهجر، والتزامهم الدائم بالدفاع عن وطنهم وخدمته، وهي مناسبة لإيلاء العناية والاهتمام بمغاربة العالم، وتعبئة الطاقات والكفاءات المغربية المهاجرة، وإيجاد آليات لإدماجهم في مسار التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالمغرب. فالجالية المغربية بالخارج، معروفة بتوفرها على كفاءات عالمية، في مختلف المجالات، العلمية والاقتصادية والسياسية، والثقافية والرياضية وغيرها، ولا يعقل بعد هذا الانجاز الكبير في مونديال قطر أن يتم تغييبهم عن النقاش السياسي والعمومي، فيجب استثمار هذه  الفرص والإمكانات .

10-أثارت خسارة المنتخب أمام المنتخب الفرنسي في مباراة النصف النهائي ، قرارات التحكيم الجائرة، وتحيزها للفرق الغربية الكبرى، وأعادت إلى الواجهة جدلية الرياضة والسياسة / الغرب والشرق / الشمال الجنوب . فاستراتيجية الفيفا تعتمد تسويق الكرة من منطق السوق والأرباح ، من خلال الايثارة والتشويق، وهذا لن يتحقق إلا بمواجهة نجوم كبار كميسي ومبامبي. لذلك لمواصلة الانجاز الكروي التاريخي لابدا من كسب الرهان على المستوى الوطني من أجل بناء مغرب قوي لا يتأثر بالمواقف والتحيزات الدولية، من خلال تدبير إشكاليات التنمية والديمقراطية والعدالة والاستثمار الجيد في الكفاءات، ووضع سياسات تنموية في مجال الرياضة، تتوخى صناعة نجوم قادرة على منافسة الكبار.