المغرب: رحم الله المحجوبي أحرضان.

الوطن 24/ بقلم: الدكتور إدريس الكنبوري
لقد رحل ومعه جزء من تاريخ المغرب المعاصر، فالرجل عاش حقبا سياسية ساخنة في المغرب وكان قريبا من المطبخ السياسي سواء في عهد الاستعمار الفرنسي أو عهد الاستقلال، وهو من طينة السياسيين المغاربة الذين لعبوا دورا أساسيا في العهدين معا، وكان خزان أسرار.
عندما حصلت مذبحة سوق أربعاء الغرب كان أحرضان قائد منطقة الرباط، وقد حصلت تلك المذبحة بين الشوريين والاستقلاليين في يناير 1956 عندما كان الشوريون يقيمون احتفالا لهم، وكان أحرضان مدعوا للحضور كمسؤول ولم تكن الحركة الشعبية قد ظهرت بعد، لكنه خلال الطريق وصلته أبناء المذبحة فعاد أدراجه نحو الرباط.
تلك حادثة تناولتها في روايتي الأولى “زمن الخوف” التي صدرت عام 2015، وهي أول عمل أدبي يتناول تلك الحادثة المنسية. وعندما أصدر أحرضان الجزء الأول من مذكراته الصادرة باللغة الفرنسية وعقد حولها لقاء مع بعض الصحافيين والمثقفين في بيته كنت حاضرا وسألته عن الحادثة، لكن إجابته كما هو معروف كانت دائما مراوغة، وعجبت أنه لم يتناولها في كتابه، مع أنها حادثة مهمة جدا في التاريخ السياسي المغربي المعاصر.
وقد رحل أحرضان وفي حقيبته الكثير من الأوراق، ولكن لا شيء عاد ينفع من تلك الأوراق اليوم، فهذا جيل جديد لديه مشكلاته الجديدة.
كان أحرضان أعجوبة من أعاجيب السياسة في المغرب. فالرجل في تقديري جمع في شخصيته الشخصية المغربية بامتياز: الأصالة والمعاصرة، الحداثة والتقليد، الواقع والتمثيل، الجد والهزل.، البادية والمدينة. فقد عاش في بيئة فيها كل مظاهر الحداثة بأسلوب فيه كل مظاهر البداوة. ولكن يمكن القول بأنه ربما كان الشخصية السياسية المغربية الوحيدة التي أتقنت الخطاب السياسي المغربي للرجل البسيط، لا يساويه في ذلك سوى عبد الإله بنكيران.
قدر لي أن أعمل مع أحرضان عام 2002 كرئيس تحرير جريدة حزبه “المعركة” الأسبوعية، لكن فقط لمدة أربعة أو خمسة أشهر أو أقل. ومن الطرائف أن قناة “العالم” الشيعية اللبنانية كانت تتصل بي أحيانا للتعليق على بعض الأحداث، فكان الصحفي الذي يقدمني ينبر (يضغط على الحروف) في كل مرة عندما ينطق كلمة “المعركة” حين يصل إليها، ظانا أن عنوان الجريدة يحيل على تنظيم سياسي ثوري راديكالي، حيث يرفع صوته قائلا “رئيس تحرير صحيفة آل ماعراكاه”.