المغرب: في ذكرى رحيل العلامة الفقيه التهامي الجوهري.

الوطن24/ إعداد: أسرة التحرير
تحل اليوم الثلاثاء 9 مارس 2021، الذكرى الخامسة عشر لرحيل العلامة الفقيه الحافظ التهامي بن قاسم الجوهري، وهو واحد من جهابذة العلم والفقه الذين فقدناهم بتاريخ 9 مارس2006 بمنزله بحي الجديد (البام). العلامة الراحل عين مدرسا بسوق أربعاء الغرب سنة 1959 قادما إليها من مكناس، وتحول إلى مصباح من المصابيح العلمية لجهة الغرب.
نشأته العلمية:

ولد الفقيه التهامي جوهري المساري بمدشر دار غابة من قرى زومي شمال وزان في شهر شتنبر عام 1344ه موافق 1925م، وتربى تربية حسنة في أحضان والده فنشأ على حب القرآن والعلم والأدب. وبدأ تعلمه سنة 1932 بقريته على يد فقهاء أعلام، منهم الفقيه محمد بن التهامي المازوري الشهير بأنصاصه القرآنية في أوساط حفظة القرآن الكريم شمال المغرب، والفقيه محمد بن أحمد البودالي، ثم بعد ذلك أخذ يتنقل بين مساجد قرى قبيلته بني مستارة قبل أن يشد الرحال إلى مساجد سهل الغرب. وفي سنة 1945 انتقل إلى مدشر (أولاد بنسبيكة) حيث المعهد العلمي الكبير الذي كان يستقبل طلاب الريف الغربي خلال المرحلة الاستعمارية، فتلقى العلوم الشرعية واللغوية بها عن الفقيه الفاضل الذائع الصيت محمد بن العربي البقالي، وانخرط في صفوف حزب الاستقلال سنة 1948، ثم عاد إلى معهد أولاد بن سبيكة سنة 1949 ليقيم به نحو خمس سنوات. ، ثم التحق بجامع القرويين بفاس سنة 1955. ونظرا للظروف العصيبة التي واجهتها فاس ولمضايقات سلطات الاحتلال الفرنسي لطلبة القرويين غيَّرَ المرحوم وجهته إلى المعهد الأصيل بمكناس في السنة نفسها ليقضي فيه نحو أربع سنوات من سنة 1955 إلى 1959، وهي السنة التي حصل فيها على شهادة العالمية.
شيوخه:
ومن شيوخه الذين تلقى عنهم العلم بالقرويين والمعهد الأصيل بمكناس:
* بفاس: الفقيه أحمد الوريغلي، والفقيه عبد الله زيزي، والفقيه عبد الفاطمي، والفقيه الحسن الزرهوني، والفقيه عبد الرحمن الجاي، والفقيه عباس بناني، والفقيه محمد بن عبد الوهاب المساري.
* بمكناس: الفقيه الحاج أحمد بن الصديق، والفقيه الطاهر البعاج، والفقيه المؤرخ محمد المنوني، والفقيه الطيب الحريف، والفقيه عبد الله الشبيهي، والفقيه محمد العربي الهلالي، والفقيه الحاج المختار السنتيسي، والفقيه عبد القادر العلوي، والفقيه الحاج محمد الزرهوني، والفقيه محمد بن الخياط، والفقيه محمد أقصبي، والفقيه محمد برادة، والفقيه محمد جدي.
كما تلقى المرحوم العلم عن شيوخ من خارج المغرب، مثل الأستاذ الحسين الهاشمي المصري، والأستاذ السيد درويش السوري، والأستاذ الفاضل الحلبي الصالح، والأستاذ لي أمهاز اللبناني. وزيادة على ملازمة التعلم كان يقوم بالخطابة في مسجد باب البردعيين بمكناس.

هذا وقد جالس الفقيه العلماء والزعماء الآتية أسماؤهم:
الفقيه الجليل المختار السوسي، والأستاذ المصلح البشير الإبراهيمي الجزائري، والأستاذ سعيد رمضان المصري، والزعيم علال الفاسي، والسيد المهدي بن بركة، والفقيه محمد البصري، والسيد محمد الدويري، والسيد إبراهيم الكتاني.
عمله بعد التعلم:
وبعد حصوله على شهادة العالمية سنة 1959 انخرط معلما في سلك التعليم الابتدائي، وعين في سوق أربعاء الغرب الواقعة ببلدة بني مالك، وبها ظل على حاله إلى أن تقاعد سنة 1996، وبهذا الاستقرار الدائم يعد من أهل الغرب له مالهم، وعليه ما عليهم، وهو ما جعله مصباحا من مصابيح الغرب، وإن كان جبليا في الأصل، وأحد أعلام العلماء بهذه المنطقة وعلى صعيد المغرب ككل.

وزيادة على ممارسته مهنته التعليمية بالجد الذي تستحقه وتستدعيه، كان يهتم كثيرا باقتناء الكتب، وجمع الوثائق المخطوطة، حتى كون مكتبة ذات شقين كبيرين أحدهما عصري يضم كتبا مطبوعة لقدماء ومحدثين معا، والآخر أثري يضم مخطوطات وتقاليد وشجرات.
ومما كان يقوم به أيضا في هذه المدة على الخصوص هو التأمل والتحرير، والنظم والتأليف. وما أنجزه من بنات فكره وثمرات علمه شاهد على ذلك شهادة قطعية، إذ ما من فن يعود إلى فنون العلوم الإسلامية، إلا وقد وقفنا على أن له فيه متنا كبيرا منظوما أو منثورا، ابتداء من اللغة إلى الفقه إلى التاريخ والسير، إلى علوم القرآن والحديث… ومع الأسف الشديد أنه لم يستطع أن ينشر شيئا من ذلك الإنتاج الضخم المفيد، لأن الوسائل المادية التي من شأنها أن تساعده على ذلك منعدمة كليا، ولذلك فهو يتعزى دائما، ونحن نتعزى معه بقول من قال: بعد الممات تظهر التركات.
أعماله:
للفقيه مخطوطات خطها بيده وله خزانة عامرة بالوثائق والنفائس الخطية، كما أن له منظومات في شتى الفنون الإسلامية، والأنساب. فقد نظم منظومة في النسب الكنوني (آل كنون)، والتوحيد والعقيدة، والسدل في الصلاة، والآداب الإسلامية والخلاف، والدعوة إلى العمل بالإسلام.
ويعد بحق الفقيه الموثق لتاريخ وترجمة أعلام بني مسارة في القديم والحديث، وقد استطاع الحصول على الكثير من الوثائق والمخطوطات والمطبوعات الحجرية والظهائر والرسوم التي تؤرخ للمنطقة الجبلية.
صفاته اللازمة:
ومن صفاته اللازمة التي كان يتحلى بها دائما، ولا يبغي عنها حولا، ولا يقتنص وراءها بديلا هي الزهد في نعيم الدنيا وزينتها، فهو يعيش في دار متواضعة جدا هي كل ما جناه من عمله الجاد في ميدان التعليم، ويكتفي في غدائه بما يسد الرمق، وفي شرابه بما يطفئ العطش، وفي لباسه بما يستر العورة ويقي من البرد.
ومن صفاته أيضا، التواضع المجرد عن كل ما يشينه من النفاق أو التصنع أو غير ذلك، بل يستقبل بوجه بشوش وصدر رحب كل من زاره بداره، أو لقيه خارجها، وليكن من كان مع شرط واحد هو أن لا يكون عنده معروفا بالانحراف والفحش والبعد عن الجادة التي خطها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنها أيضا الجود والكرم والإيثار فهو لا يخرج إلى أحد نقر باب داره إلا وعرض عليه ملحا أن يشرفه بالدخول إليها معه، ولا يطلب أحد منه شيئا وهو عنده إلا مكنه منه، شاهدت ذلك منه مرارا، وعلمته فيه خبرا خبرا، ولا شك أن أعز شيْ عند الفقيه، والمثقف بصفة عامة هو الكتاب أو الوثيقة التى فيها فائدة مطلوبة، لذلك فهو يسخو بأن يعير كل شيء إلا هما، أما صاحبنا فإنك إذا استعرت أجابك بسرعة وآثرك به على نفسه.
هذا وقد أرخ لسيرة الفقيه الحافظ العلامة التهامي جوهري السيد عبد السلام البكاري مؤرخ قبائل جبالة في كتابيه: الإشارة والبشارة في تاريخ وأعلام بني مستارة، والوجيز في تاريخ وأعلام مسارة. والسيد المرحوم محمد الهبطي المواهبي في كتابه مصابيح ولاية القنيطرة. وقد اعتمدنا عليهما وعلى أبناء الفقيد في هذه الترجمة.


اللهم ارحم أستاذنا الجليل بما يليق بما أسداه لنا نحن أبناء المنطقة الغرباوية من علم وتكوين وانظباط نفعني إلى يومنا هذا.
فاللهم ابعثه مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا؛ وبارك في ذريته.
اللهم ارحمه برحمتك الواسعة وأنر قبره وأكرم نزله يااارب ، شكراا الوطن 24 على هذه الذاكرة المخلصة والوفية لعلماء منطقة الغرب خصوصا والمغرب عموما … دائما في صدارة الحدث الاعلامي .
اللهم جدد عليه رحمتك، وبارك في ذريته. شكرآ جزيلا للوطن 24 لهذا المجهود وهذه الذاكرة الشريفة المخلصة لعلماء الوطن. وفقكم الله.