المغـرب: مناقشة أطروحة دكتوراه للباحثة سومية العسيلي بعنوان “مفاتح الإرشاد لأميرنا الأرشد إلى سبيل الرشاد” دراسة وتحقيق

الوطن24/ تطوان
في سياق جهود إحياء التراث العلمي المغربي وتعزيز دراسات الآداب السلطانية، شهدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان يوم الأربعاء 18 دجنبر 2024، مناقشة أطروحة دكتوراه للباحثة سومية العسيلي، بعنوان “مفاتح الإرشاد لأميرنا الأرشد إلى سبيل الرشاد”، التي تناولت فيها تحقيق ودراسة مخطوط تاريخي من تأليف محفوظ بن محمد الجزولي الجرسيفي الروداني. وتعد هذه الأطروحة إضافة علمية مهمة في مجال دراسات السياسة الشرعية والآداب السلطانية، حيث تناولت الباحثة فيه مفاتيح الحكمة التي قدمها المؤلف للحكام من خلال نصائح وتوجيهات تهدف إلى تعزيز أسس الحكم الرشيد، استنادًا إلى مبادئ الشريعة الإسلامية.
وحظيت المناقشة بحضور لجنة علمية متميزة تألفت من:
الدكتور محمد جبرون، رئيسًا.
الدكتور جمال عاطف، مشرفًا.
الدكتور مصطفى الغاشي، مشرفًا.
الدكتور عبد السلام الجعماطي، عضوًا.
الدكتور سعيد حاجي، عضوًا.
الدكتور صلاح الدين الشاوش، عضوًا.
الدكتور محمد ياسين الهبطي، عضوًا.
وفي تقريرها المقدم أمام لجنة المناقشة، أوضحت الباحثة سومية العسيلي أن موضوع المخطوط الذي تناولته بالتخريج والدراسة والتحقيق يصنف ضمن جنس الآداب السلطانية، ويعني تلك الكتابات التي تقوم في أساسها على مبدإِ نصيحة أولي الأمر في تسيير شؤون سلطتهم، وهي نصائح أخلاقية وقواعد سلوكية، تهدف إلى تقوية السلطة ودوام الملك.
ويعتبر هذا المخطوط من أهمّ المساهمات المغربية في شِقِّ التراث السياسي، المتعلق بالأحكام والآداب السلطانية والسياسة الشرعية خلال القرن التاسع عشر الميلادي.
وأوضحت الباحثة أن أهمية دراسة وتحقيق مخطوط “مفاتح الإرشاد لأميرنا الأرشد إلى سبيل الرشاد” لمؤلّفه “محفوظ بن محمد الجزولي الجرسيفي الروداني“، راجع إلى قيمته العلمية والدينية والتاريخية. وأيضا رغبة منها في تحقيق الكتاب تحقيقاً علمياً أكاديميا، وإخراجه إلى عالم الانتفاع.
ويعد كتاب “مفاتح الإرشاد” من جملة المؤلفات في موضوع الإمامة العظمى والسياسة الشرعية. كتب من طرف الناسخ “عبد الغفور بن إبراهيم الامسدكتي” عام 1282ه/1865م، لغرض عملي واقعي، ذكره المؤلف في مقدمة الكتاب، وهو إتحاف السلطان المولى “محمد بن عبد الرحمان” بجملة من النصائح والتوجيهات سمّاها فوائد.
فالكتاب ألّف بغرضِ نصح السلطان، الذي قابل النصيحة بحسن الاستماع والإنصات، وهذا ما جعل الجزولي يضيف تذييلا لمؤلفه.

إنّ العمل الذي قدمته الباحثة والذي يتعلق بتحقيق كتاب “مفاتح الارشاد” هو ضمن الجهود التي تكرّس لإحياء هذا التراث ببلادنا، وهو جهد متواضع نرجو من الله أن يكون مساهمة متواضعة وإضافة تفي بالغرض المطلوب.
ولا يخفى أن لكلّ بحث أهميته العلمية، والدوافع التي تجعل الطالب يقبل عليه، إذ كان من ضمن ما استهواها للإقبال على تحقيقه:
– أولا: إحياء التراث المغربي والكشف عنه في بطون الخزانات المغربية، والتنقيب عنه في خبايا المصادر والفهارس.
– ثانيا: قيمة المخطوط العلمية والتاريخية والدينية، إذ الكتاب غزير في مادته، جديد على ما سبقه في بسط تاريخ الآداب السلطانية.
– ثالثا: الحاجة الملحة إلى تحقيق الكتاب تحقيقا علميا أكاديميا، وإخراجه إلى عالم الانتفاع.

وقد قسمت البحث إلى قسمين بعد المقدمة، قسم للدراسة، وقسم خاص بتحقيق النص.
فأمّا المقدمة، فقد خصصتها للحديث عن أهمية الموضوع، والدوافع التي حفزتها للاشتغال عليه، مع بيان الخطة والمنهج المتبع في ذلك.
القسم الأول: وضعت فيه المخطوط في سياقه التاريخي العام والخاص. وقد قسمت هذا القسم إلى خمسة فصول، تناولت فيه الأوضاع العامة بالمغرب خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي على جميع الأصعدة
وقد أكدت الباحثة أن اختيارها للقرن التاسع عشر كفترة للدراسة، يتأسس على عدة اعتبارات:
أولا: لأنه عصر المؤلف “محفوظ بن محمد الجزولي” الذي عاصر المولى “محمد الرابع” والمولى “الحسن الاول”.
ثانيا: انه القرن الذي شهد فترة انتقالية في تاريخ المغرب الاقصى، تميزت بتزايد الضغوط الاستعمارية عليه تمهيدا لفرض نظام الحماية لاحقا.
الفصل الأوّل: خصّصته للحديث عن الأوضاع العامة بالمغرب وذلك على المستوى السياسي – العسكري، حيث تطرقت في البداية إلى الحديث عن احتلال فرنسا للجزائر سنة 1830م، ومساندة السلطانِ المغربي للأمير عبدِ القادر الجزائري، وتأثيرِ ذلك على العلاقاتِ المغربية الفرنسية، وكيف استغلت فرنسا تلك المساندة لصالحها واتخذتها ذريعة للتدخل في المغرب، الشيء الذي تسبب في أول اصطدام عسكري مباشر بينهما في معركة إيسلي سنة 1844م، هذه المعركة التي خسرها المغرب وبينت ضعف جيشه.
كما تطرقت في المحور الموالي إلى كيفية استغلال إسبانيا لحدث انهزام المغرب أمام فرنسا، وكيف تحركت هواجسها نحوه مستغلة بعض المناوشات مع القبائل المجاورة واتخذتها ذريعة لإعلان الحرب على المغرب (حرب تطوان 1859 – 1860م)، والواقعُ أن كل ما كانت تقوم به إسبانيا لم يكن سوى تمهيد لمرحلة لاحقة، وهي مرحلةُ التدخلِ العسكري في المغرب.
والفصل الثاني خصّصته للحديث عن المستوى الاقتصادي، حيث تطرقت إلى أهم الامتيازات الدبلوماسية التي حصلت عليها الدول الأوروبية خلال الفترة المدروسة، خاصةً بريطانيا وإسبانيا وفرنسا، فقد أرغمتِ الدول السالفة الذكر المغرب على توقيع مجموعةٍ من المعاهدات بعد هزيمته في معركة إيسلي وتطوان.
واهتم الفصل الثالث بالحديث عن الحماية القنصلية باعتبارها من أخطر المشاكل التي واجهها المغرب خلال هذه الفترة. وانعكاساتها الخطيرة على الوضع المغربي، والأضرار التي خلفتها على جميع المستويات.
كما ذكرت أهم حدث وقع في نهاية القرنِ التاسع عشر وهو الصراع المغربُي الإسباني الذي انتهى بحرب سيدي ورياش سنة 1893- 1894م. وبينت النوايا الحقيقية التي أظهرتها إسبانيا تجاه المغرب، والتي انتقلت عدواها إلى منطقة مليلية، والمعلوم أن الحوادث التي تفجرت خلال هذه الفترة بحدود مليلية، ما هو إلا امتداد للصراع الطويل الذي خاضته قبائل الريف ضد الأطماع الإسبانية.
أما الفصل الرابع والخامس فقد خصصتهما لدراسة تحليلية للكتاب.
فقامت بتقديم ترجمة للمؤَلِّف والمؤلَّف، وعنوانه ونسبته إلى صاحبه، ودوافع تأليفه للكتاب، ونوعية الكتابة وأسلوب المؤلف ومنهجه في التأليف والمصادر التي اعتمد عليها محفوظ الجزولي والكتب المصنفة على منواله.
ثم انتقلت إلى دراسةِ مضامين الكتاب، هذا إلى جانب دراسةِ نسخ المخطوطِ المعتمدة في التّحقيق ووصفها ومنهجها في التّحقيق.
بالنسبة للقسم الثاني، وهو القسم المتعلق بتحقيق النص، فقد أخضعت الباحثة سومية العسيلي كتاب “مفاتح الإرشاد“، للمنهج المتعارف عليه في علم تحقيق المخطوطات والمتعلق بالأساس بالعمل على الضبط والتعليق والإثبات.
وقد اعتمدت في تحقيق هذا النّص على نسخة مؤسّسة آل سعود بالدار البيضاء تحت رقم (448)، لتكون هي الأصل وأساسا للعملِ في تحقيق هذا الكتاب.
قامت الباحثة بضبط النّص كاملا. وكتابته وفق ما تمليه قواعد الكتابة، ومحاولة إخراج نصّه سليما بقدر الاستطاعة، كما خدمت النّص بوضع علامات الترقيم.
كما قامت بتخريجِ الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي استشهد بها المؤلف. وحاولت قدر الإمكان الترجمة في الهوامشِ لأغلب الأعلامِ التي ورد ذكرها، بالاعتماد على أهم كتب الفهارس.
كذلك عرفت بالأماكن والبلدان والدول وركزت فيها على التعريف بالأماكنِ والدول غير المعروفةِ بشكل كبير، أما المعروفة فالبعض منها اكتفت بالإشارة إلى موقعه والبعض الآخر تفادت ترجمته، كونه معروفا للعموم وتجنبا لإثقال الهوامش.
كما وضعت الهوامش لتوضيح الاختلافات الموجودة بين نسخة آل سعود والتي سمتها بالنسخة (أ(، وبين النسخة الثانية الموجودة بخزانة علال الفاسي تحت رقم (ع 219) والتي سميتها بالنسخة )ب(، وهذه الاختلافات –حسب الباحثة- لم تكن مرتبطة بالمواضيع أو الأحداث التي تضمنها النص بل ارتبطت فقط باختلافات بسيطة في الألفاظ وبعض العبارات حيت لم تؤثر على النص المحقق.
وقد اعتمد الجزولي في كتابه على مجموعة من المصادر المهمة، لذا عمدت إلى التعريف بها، وحاولت قدر الإمكان التحقق من النقولات التي أخذها من هذه المصادر وصحتها، مع ذكر الجزء والصفحةِ الذي اعتمد عليه في الهامش.
في الأخير ذيلت “التحقيق” بفهارس علمية متنوعة تيسيرا للقارئِ وتقريباً للفائدة.
وأكدت الباحثة سومية العسيلي بعد تحقيقها للمخطوط أن “محفوظ بن محمد الجزولي” تناول جوانب كثيرة من السياسة الشرعية والأحكام السلطانية، وقد اعتمد فيه على مؤلفات إسلامية ويونانية وفارسية، وخصَّصه لمناقشة قضايا تتعلق بالإمامة والسلطان والرعية، فجمع الجزولي في فوائده السبعة والعشرين من أمور سياسة الملوك ما استطاع، وقدّم شرحاً مختصراً للقواعد الأخلاقية والنفعية التي اقتبسها من سياسة العرب وملوك الفرس والروم وغيرهم.
بل طوّع الجزولي النصوص الدينية للتدليل على الفكرة التي ترفع من مكانة الملك، وتعلي من شأن حكمه، فمن خلال الربط بين الدين والسياسة، يتجلى غرض الجزولي الهادف إلى التأسيس للشرعية الملوكيةِ القائمةِ على الدين.
وللإشارة فإن كتاب مفاتح الارشاد لم يتطرق إلى جميع مباحث الإمامة، التي تناولها العلماء في كتبهم مفصلة، وهذا طبعا راجع إلى أن المؤلف كانت نيته ورغبته التطرق فقط إلى المواضيع التي تهم السلطان والتي سينتفع بها، لينتفع بها في دينه ودنياه، وآخرته ورعيته وفي جميع أحواله اهتماما بأمره وأمر المسلمين.
لتختتم الاطروحة على أن هذا البحث الهدف منه هو توفير كتاب مرجعي مختصر مفيد ينتمي هو الآخر إلى الآداب السلطانية ليصبح مرجعا مهما، خاصة أن القاسم المشترك الذي ميز مؤلفي الكتبِ السلطانية يتمثل في كونهم ينتمون للنخبة العالمة، النخبة التي لها بعد النظر والتبصر في معالجة القضايا المستعصية بالتشاور والحوار والنصح.

في الختام جددت اباحثة شكرها وامتنانها للأستاذين: الدكتور جمال عاطف والدكتور مصطفى الغاشي، على تفضلهما الإشراف على هذا البحث، وعلى ماقدماه لها من ملاحظات قيمة وتوجيهات بناءة. كما جددت شكرها وامتنانها للجنة الموقرة على تفضلها قراءة الأطروحة ومناقشتها، وعلى ما قدمته من ملاحظات علمية رصينة وتوجيهاتهم الرشيدة.
وقد توجت المناقشة، بمداخلات علمية على اثرها تم التنويه بالعمل ، وبعد المداولة تم منح الباحثة سومية العسيلي، لقب دكتور في الأداب وقبول الأطروحة بميزة مشرف جدا.