المقاومة الصامتة زمن كورونا

الوطن24/ بقلم: إدريس عدار

إدريس عدار

فرض فيروس كورونا المستجد حربا ضد الإنسان فيما هو معلوم لحد الآن. فقد يحول حرابه تجاه كائنات أخرى، وربما تجاه الطبيعية التي منحته القدرة على الفتك بأعدائه حتى وهو أجبن الموجودات. هي حرب بمعنى الكلمة. حرب استغفال. في كل المعارك تكون هناك مقدمات ونذور نار قد تشتعل. فيروس كورونا باغت العالم وأطاح بكثير من أجهزة الدفاع الأمامية. بيّن أن المنظومات الصحية في الدنيا كاذبة. فضح جنرالات الأزمة الذين يختبئون وراء مفاهيم كبرى. أطاح بهم بضربة موجعة ووضعهم على ظهر الجبل قائلا: هؤلاء مجرد تجار. في البلدان التي تتبنى شكلا مختلفا عن النظام السائد في الغرب تمكنت من المقاومة.

في وجه كل حرب تنتصب قوى المقاومة. هذه الأخيرة تكون دائما نخبوية، ولا أحد يرغب في المقاومة. يتلقاها أغلب الناس بالرفض لأنها تقلب الموازين. ولها من الأشكال ما لا يخطر على عقل بشر. البيئة هي التي تنتج مقاومتها. لكن بالجملة هي صناعة للوجود. كيانات ودول ما كان لها أن تبقى لولا المقاومة.

الأفكار نفسها تقاوم من أجل البقاء. ومثلما يغير المقاومون أساليبهم تتأقلم الأفكار مع الواقع الجديد. الأنبياء مقاومون. ما كان لهم أن يبقوا لولا المقاومة. الفلاسفة مقاومون بالكلمة والصبر والصمت أحيانا. لأن الفكرة الجديدة لا يرغب فيها أحد لهذا يتعرضون للتنكيل.

المقاومة اليوم يمارسها أغلب الناس. المخالفون لها خارجون عن المجتمع. يهددون حياته وصحته. المقاومة تتطلب عدة وعتادا. المقاومة ضد هذا العدو المجهول “كوفيد 19” تتطلب منك فقد بعض الزاد، وقد يكون من زمن اقتصاد الندرة وأدوات نظافة ومفتاحا تغلق به باب منزلك.

في كل المقاومات هناك دافع نفسي ومعنوي. لا يمكن بعيدا عن هذا تفسير التضحية التي يقدم عليها كثير من المقاومين. الأبعاد الروحية في أية مقاومة حاضرة بمنسوب معين وبشكل مختلف.

في هذه المقاومة الصامتة ضد فيروس كورونا ما الذي يدفعنا إلى هذا الفعل؟ هل هو التضحية من أجل الوطن أم من أجل أنفسنا؟

وأنت خلف باب دارك تحمي نفسك أولا. نعم يوجد من يلتزم بالحجر الصحي حماية لنفسه ولصغاره فقط وفقط. وهناك من يلتزم حماية للآخرين ولنفسه. وهناك من يلتزم احتراما للقانون. وهناك من يلتزم خوفا من القانون. من ظل يعتبر الوطن مجرد بقرة حلوب أو أنه لم يعطه شيئا فهو أكثر الناس رغبة في كسر المقاومة وعنفوانها ولو وجد الفرصة لفر من البيت. لكن إلى أين؟ سيجد أمامه خصمين: قانون حالة الطوارئ الصحية الذي يهدده بالسجن أو الغرامة، او يجد فيروس كورونا ينتظره في أي مكان. هو يخاف من العقوبة أو من الموت الذي يتهدده في كل وقت وحين وربما يوجد خلف الباب مباشرة.

لكن بالنتيجة نحن مضطرون للمقاومة الصامتة ضد عدو غير مفهوم المقاومة، بينما هي الأقلية أصبحت هي الأغلبية وتحولت الأقلية إلى مجرد مجموعة خارجة عن القانون. المقاومة صبر وصمود. الحرمان من الخروج يخالف رغبتنا لكن بفعل المقاومة نغلق الباب جيدا. وكلما أغلقنا الباب وقاطعنا العدو انتصرنا.

فئة منا وجدت نفسها في الصف الأمامي للمواجهة، وعلى رأسهم جيش الأطباء والممرضين والمسعفين. هؤلاء فئة مقاتلة. نحن مطلوب منا مقاطعة العدو. وكم من حركة نضالية نجحت فقط بالمقاطعة دون أن تحمل سلاحا.

قاطعوا كورونا يفلس ويتعرض للهزيمة.