النظام الضريبي والنموذج التنموي الجديد: أية علاقة؟

الوطن 24/ يونس مليح

يونس مليح

صدر مؤخرا تقرير صادر عن المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي، الذي يضطلع بمهام إستشارية في القضايا ذات الطابع الإقتصادي والإجتماعي والبيئي، وذلك إنطلاقا من ما نص عليه دستور 2011 الذي خصص له بابا كاملا هو الباب الحادي عشر المكون من ثلاث فصول (151، 152، 153). إنطلاقا من هذه الصلاحيات الدستورية، أصدر المجلس تقريرا مفصلا خصص له عنوان:”النظام الضريبي دعامة للنموذج التنموي الجديد”، أعدته لجنة الشؤون الاقتصادية والمشاريع الإستراتيجية، والذي حاول من خلال مضمونه معالجة مجموعة من النقط المرتبطة أساسا بالنظام الضريبي المغربي والإشكالات التي أثارها ومازال يثيرها على المستوى العملي، وذلك انطلاقا من اللبنات الإصلاحية والمسار التاريخي الإصلاحي الذي شهدته هذه المنظومة الضريبية والتي أسست لنظام ضريبي متوازن وعادل، مرورا بالهيكلة والتوجهات الكبرى التي عرفها نظامنا الضريبي، وصولا إلى النقطة المهمة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالنموذج التنموي الجديد لبلادنا وهي ضرورة إصلاح المنظومة الجبائية المحلية.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا التقرير يأتي في سياق الإعداد لعقد مناظرة وطنية ثالثة جول الجبايات المزمع تنظيمها يومي 3 و4 ماي 2019 بالرباط، الأمر الذي يشكل مساهمة من طرف المجلس في النقاش الدائر حول إصلاح النظام الضريبي ببلادنا، وعن السبل الكفيلة ببسط وتفعيل نظام ضريبي متوازن، عادل بالنسبة لطرفي المعادلة الضريبية ملزم/ إدارة ضريبية.

وهو ما يدعونا إلى التساؤل حول النقط الكبرى التي جاءت في تقرير المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي فيما يتعلق بالنظام الضريبي بالمغرب وعلاقته بالنموذج التنموي الجديد للمملكة؟ وعن السبل الكفيلة بإصلاح النظام الجبائي المحلي كونه المحرك الأساسي والممول الرئيسي للوحدات الترابية والكفيل بإنجاح الجهوية المتقدمة المثعترة التفعيل لحد الساعة؟ وعن الجدوى من عقد مناظرة وطنية ثالثة، في الوقت الذي لم تفعل فيه مجموعة من توصيات ومخرجات المناظرة الوطنية الثانية حول الجبايات؟

أولا: النظام الضريبي في تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2019

لقد حاول التقرير الأخير الصادر عن المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي الإجابة عن تساؤل أسال مداد مجموعة من الباحثين المهتمين بالمجال الضريبي ببلادنا، وهو علاقة النظام الضريبي ببلادنا بالنموذج التنموي الجديد للمملكة، وهل هذا النظام الضريبي يعد مساهما إيجابيا أم سلبيا في هذا المسلسل التنموي، تساؤل حاول التقرير مقاربته من عدة زوايا.

بداية الإجابة عن هذا التساؤل كانت عن طريق بسط نظرة عامة على التطور التاريخي الذي عرفته المنظومة الضريبية ببلادنا، حيث تعتبر المؤسسات الضريبية ببلادنا، والقواعد القانونية التي تحكم مجال المالية العامة نتيجة لتطور تاريخي طويل، تميزت بفترة انتقالية أدت في النهاية إلى بلورة نظام ضريبي حديث مشابه للأنظمة الضريبية المعمول بها في الدول المتقدمة.

فالنظام الضريبي الوطني تطور على مدار القرن العشرين تحت ضغط وقيود الميزانية، الأمر الذي أتاح إنشاء أول ضرائب حديثة، هذا التطور كانت بوادره منذ الإستقلال مبنية على الرضا والتضامن وتحفيز الإقتصاد، الأمر الذي أدى إلى بزوغ نظام ضريبي حديث، نابع من إرادة دمج الإقتصاد الوطني داخل الرقعة الدولية كأحد الأنظمة الفاعلة والفعالة.

وهو ما أدى في نهاية المطاف وبالضبط سنة 1984 إلى إصلاح شامل للنظام الضريبي المغربي من أجل تحديثه وتبسيطه، الأمر الذي أدى إلى المرور من نظام تحليلي معقد يحمل في طياته مجموعة من المشاكل والإكراهات الواقعية والعملية، إلى نظام حديث، مبسط، وسهل الإستيعاب. الأمر الذي أدى إلى بزوغ الثلاثية الضريبية ببلادنا (الضريبة على الدخل، الضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة)، عن طريق القانون الإطار رقم 83.3 المتعلق بالإصلاح الجبائي.

بعد ذلك، عرف النظام الضريبي المغربي محطات إصلاحية متباينة ومختلفة، إنطلاقا من إصلاح الضريبة على الأرباح العقارية، ثم المناظرة الوطنية الأولى حول الجبايات لسنة 199، وإصلاح المنظومة الجبائية المحلية بالقانون رقم 47.06 الذي جاء كإصلاح للقانون القديم رقم 30.89، وتجميع النصوص والمساطر المتعلقة بالمادة الضريبية في كتاب واحد هو المدونة العامة للضرائب لسنة 2007، وإنتهاء بالمناظرة الوطنية الثانية حول الجبايات لسنة 2013.

في نقطة ثانية، إنتقل التقرير للحديث عن المنظومة الجبائية المحلية، وعن ضرورة إصلاحها لارتباطها الوثيق بالمنظومة الجبائية الوطنية، كوننا اليوم منخرطون في جهوية متقدمة توجت التقسيم الترابي الذي جاء به دستور 2011، لذلك فلا يمكننا الحديث عن جهوية متقدمة وفصلها عن المنظومة الجبائية المحلية، لأن عصب حياة هذه الجهوية هو التمويل المتأتي من الرسوم الترابية.

ففي بلادنا، شهدت المنظومة الجبائية المحلية تغيرات وإصلاحات زمنية مختلفة، وذلك في إتجاه التكيف مع متطلبات اللامركزية. لذلك عرفت المنظومة الضريبية إصلاحا عن طريق القانون رقم 30.89 الذي يحدد يموجبه نظام للضرائب المستحقة للجماعات المحلية وهيآتها، تلاها في سنة 2008 القانون رقم 47.06 المتعلق بالجبايات المحلية، و39.07 المتعلق بسن أحكام انتقالية فيما يتعلق ببعض الرسوم والحقوق والمساهمات والأتاوى المستحقة لفائدة الجماعات المحلية,

فحسب التقرير، فإن المشاكل الكثيرة التي يثيرها تطبيق هذا القانون، والتي يمكن إجمالها في كل من كثرة الرسوم والضرائب التي تشكل في مجملها 17 رسما. زيادة على ضعف الموارد البشرية واللوجستيكية بالنسبة للإدارة الجبائية المحلية، وعدم وجود نظام معلوماتي للجبايات المحلية يربط كل من الإدارة الجبائية المحلية بالمديرية العامة للضرائب وبالخزينة العامة للمملكة، الأمر الذي يشكل عائقا أمام تدبير هذه الجبايات يشكل عقلاني وفعال.

في الأخير، فإن التقرير الصادر عن المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي ركز على سبعة محاور أساسية من أجل إصلاح المنظومة الضريبية ببلادنا. أو هذه المحاور هو العدالة الإجتماعية، فينبغي على النظام الضريبي أن يعبر بقوة عن الأبعاد الأخرى للسياسات العامة من أجل الإجابة عن أهداف الأداء الإقتصادي والعدالة الإجتماعية.

المحور الثاني من محاور الإصلاح هو تحقيق نظام ضريبي عادل بالنسبة للأعباء الضريبية، ودعم القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة. وثالث هذه المحاور هو تفعيل نظام ضريبي يحارب المضاربة، وذلك عن طريق فرض ضريبة تستهدف الأصول غير المدرة للثروة، مثل الأراضي غير المبنية أو المنازل غير المأهولة، أو تقييم الأصول غير المرتبطة بالإستثمارات.

المحور الرابع، نظام ضريبي يحفز القطاع المنتج، وذلك عن طريق تحقيق نظام ضريبي يشجع القطاع الإنتاجي والإستثماري. المحور الخامس هو ضرورة الحد من القطاع غير المهيكل، وذلك عن طريق التكريس لنظام ضريبي يحد من تدفق وتكاثر القطاع غير المهيكل، من خلال إطار ضريبي مواتي ومتكامل للإنخراط، بالإضافة إلى ضرورة مكافحة الغش والتهرب الضريبي.

المحور السادس، هو الضمان الإجتماعي، عن طريق إنشاء ضرائب تساهم بشكل منصف في تمويل الضمان الإجتماعي. أما المحور الأخير فهو ضرورة بلورة نظام ضريبي يخلق مناخ للثقة، وذلك عن طريق تفعيل إجراءات وآجال وتدابير تساهم في خلق جو من الثقة والإرتياح ما بين الملزم والإدارة الضريبية. كل هذه النقط لاشك وأن لها تأثير بالغ إن فعلت، في بزوغ نظام ضريبي يساهم ويؤثر بشكل إيجابي في النموذج التنموي الجديد لبلادنا.

ثانيا: تدابير لإصلاح النظام الجبائي المحلي

في إطار تجاوز الوضع الجبائي الراهن بثغراته وإكراهاته المتعددة والمختلفة، وإستجابة للتوجهات والمبادئ الناظمة للتنظيم الجهوي والترابي التي تبناها الدستور الجديد، نقترح بعض التدابير والإجراءات القانونية والتقنية والتنظيمية والمسطرية التي تنسجم مع هذا المطلب الإصلاحي الجديد، حيث ترتكز حول أربعة محاور أساسية يجب أن يشملها الإصلاح، وهي كما يلي:

أولا؛ هندسة جديدة لقانون جبايات الجماعات الترابية؛ تستجيب للتقسيم الذي أقامه الدستور ما بين الجهات وباقي الجماعات الترابية الأخرى، وتعكس مبدأ المرونة المطلوب، وذلك بالعودة لنظام الرسوم الإختيارية الإجبارية كما هو معمول به في فرنسا، وذلك لتمكين الجماعات الترابية من إختيار الرسوم التي تتناسب مع طبيعة وحجم الأوعية الموجودة بترابها.

ثانيا؛ توسيع الوعاء الجبائي وشفافية تصفية جبايات الجماعات الترابية؛ بإعتماد أوعية موحدة وقيمية ومرنة ذكية، تستجيب للتحولات التي تعرفها هذه الأوعية، بشكل يتناسب مع الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية المتسارعة، بحيث تكون قابلة للتعديل بشكل دوري ومستمر، على غرار الجبايات المرتبطة بالأنشطة الإقتصادية بفرنسا. كما يجب تقليص حجم الإعفاءات والتخفيضات، وربطها بالقدرات السوسيو إقتصادية للجماعة الترابية، وجعلها أداة لتوجيه مخطط التنمية المحلية وأهدافها البيئية والعمرانية والإقتصادية والإجتماعية. والحديث عن سهولة وشفافية عمليات تصفية جبايات الجماعات الترابية يأتيعن طريق تبسيط إجراءات الإحتساب، وتمكين الملزمين من فهمها بسهولة والمشاركة فيها، وإعتماد تقنيات جديدة في إحتساب الأسعار، تأخذ بالتصاعدية وتوسيع مجالات التسعير؛ بحيث تراعي المقدرة التكليفية للملزمين المحليين، وتمكن الجماعة من الإستفادة من الإمكانات الجبائية التي تتوفر عليها.

ثالثا؛ توسيع السلطة الجبائية للجماعات الترابية وإعادة توزيع جباياتها وعائداتها المالية؛ وذلك بتمكينها من سلطة إختيار الأوعية الجبائية التي تناسبها، ومنحها إمكانية الإقتراح والمساهمة في تحديد الإعفاءات والتخفيضات التي تنسجم مع واقعها الترابي وخصوصياته، بالإضافة إلى منحها سلطة واسعة في إحصاء وتحصيل أوعيتها، والقيام بعملية المراقبة والتفتيش، وذلك من أجل تمكينها فعلا من حرية إدارة شؤونها، وإتخاذ المبادرة وتحقيق فعالية التدبير ووضوح الفعل العمومي والمسؤولية والديمقراطية المحلية

رابعا؛ عقلنة عملية التحصيل ومواكبة الإصلاح بإجراءات وإمكانات بشرية ومادية لإنجاحه؛ وذلك بتعزيز أساليب التحصيل الرضائية، وتيسير عملية الأداء عن طريق تمديد الآجال، والرفع من قيمة الجزاءات بحيث تتناسب تصاعديا مع طول مدة التأخر عن الأداء، مع إقرار إمكانية الأداء عن طريق أقساط في حالة ثبوت حسن النية لدى الملزمين المحليين، وإصدار الرسوم بأسماء الأشخاص الطبيعيين وليس باسم الأشخاص المعنويين، بالنسبة للمقاولات والشركات، تفاديا لكل تملص ضريبي. ومواكبة الإصلاح بالإجراءات والإمكانات البشرية والمادية الضرورية لإنجاحه، وذلك عن طريق اعتماد إستراتيجية جديدة لتكوين الموظفين الجماعيين، وتعزيز الإدارة الجبائية المحلية بالأطر الكافية وذات التكوين العالي والمتخصص، وتوفير الوسائل المادية والمعلوماتية اللازمة لقيامها بمهامها، وخلق آليات للتنسيق والتعاون بين مختلف المتدخلين في تدبير الجبايات المحلية، تعتمد على قاعدة مشتركة للبيانات.

وفي المقابل يجب العمل كذلك على أخذ الركائز التالية بعين الإعتبار:

  • ضرورة تفعيل مقتضيات دستور 2011، الرامية إلى تكريس مبادئ الحكامة، كميثاق المرافق العمومية الذي سيحدد قواعد الحكامة، المتعلقة بتسيير الإدارة العمومية، والجهات والجماعات الترابية، والأجهزة العمومية؛
  • إصدار مدونة عامة حول الجبايات الترابية وتتضمن:

* قانون خاص بالرسوم؛

* قانون خاص بالإتاوات والواجبات والحقوق؛

* قانون ينظم الإدارة الجبائية الجماعية ويحدد اختصاصات ومسؤوليات كل المتدخلين في هذا المجال.

  • فرض نظام معلومياتي موحد على الصعيد الوطني لتدبير الجبايات الترابية وربطه بالنظام المعلوماتي لوزارة المالية؛
  • العمل على خلق إدارة جبائية جهوية لتحصيل الضرائب المحلية (R.A.F.R)، يتم فيها عزل مصلحة الوعاء، شساعة المداخيل، مصلحة المراقبة، مصلحة المنازعات، وتحديد اختصاصات ومهام كل مصلحة.

ثالثا: الغاية من تنظيم مناظرة وطنية ثالثة حول الجبايات

في إطار الحديث عن عقد مناظرة وطنية ثالثة حول الجبايات، والتي سيتمحور موضوعها حول تحديد معالم النظام الضريبي المستقبلي، لابد من الإشارة بأنه سبق للمملكة أن نظمت مناظرتين سابقتين حول الجبايات انعقدتا سنة 1999، وسنة 2013، وكل ما يمكن أن يقال عنهما أنهما لم يرقيا لتطلعات الفاعلين والعاملين في المجال الضريبي ببلادنا، الأمر الذي يثير التساؤل حول جدوى عقد مناظرة ثالثة إن لم تشفي المناظرتين السابقتين صدور الباحثين في المجال الضريبي؟

إن مجمل التوصيات الصادرة عن المناظرة الوطنية الثانية حول الجبايات التي انعقدت بالصخيرات سنة 2013، لم ترقى للتوقعات، بالرغم من أن المشرع الضريبي حاول ترقيع هذه التوصيات من خلال التنصيص على بعضها في قوانين المالية التي لحقت المناظرة، إلا أن هذا الترقيع لا يخدم بالمرة الملزم الشخص الذي تقع على عاتقه مهمة تمويل خزينة الدولة.

 فيما يتعلق بالتوصيات الصادرة عن المناظرة الثانية، وبالأخص محور “نحو علاقة شراكة وثقة مع دافعي الضرائب”، التي تركزت حول تحسين نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين (إستقبال دافعي الضرائب، تيسير وحوسبة الإجراءات، توضيح النصوص، والحد من السلطة التقديرية للإدارات الضريبية)، فإن الأمر لم يتم تفعيله ليومنا. وأيضا حذف الضريبة التضامنية، ولم يتم التنصيص على إحداث الضريبة على الثروة نظرا لوجود لوبيات ضاغطة ساهمت في عدم بلورة هذه التوصية المهمة. وهنا ينبغي طرح سؤال أساسي، فبعد مرور قرابة 6 سنوات على مناظرة الإصلاح الضريبي الثانية، ماذا تحقق وماذا تغير في نظامنا الضريبي؟ وما الهدف من عقد مناظرة ثالثة إذا لم يتم بسط محاور المناظرات السابقة وتوجيهاتها وتوصياتها على أرض الواقع؟

* كاتب وباحث في سلك الدكتوراه