بأسهم بينهم
الوطن 24/ بقلم: الدكتور إدريس الكنبوري
مسؤول إيطالي ومواطنون إيطاليون يحرقون علم الإتحاد الأوروبي على صوت النشيد الوطني الإيطالي. إنها بداية التصدع داخل الإتحاد ليتفرقوا ويذهب كل واحد إلى سبيله.
لعل ما بعد كورونا عالم جديد يناديكم. لكن متى كانت أوروبا موحدة؟.
نحن ولدنا فوجدنا سبعة أو ثمانية بلدان متجمعة في السوق الأوروبية المشتركة فاعتقدنا أن أوروبا كانت دائما موحدة. كلمة أوروبا كانت خادعة، كلما سمعناها اعتقدنا أن الأمر يتعلق بشيء واحد. وهذا غير صحيح.
أوروبا ليست ثقافة ولا حضارة ولا لغة ولا ديانة ولا أي شيء من هذا، أوروبا مجرد قارة، مكان. وفي هذا المكان كانت الحروب أكثر من السلام والدماء أكثر من اللبن والانقسام هو الأصل. طوال التاريخ اقتتل سكان تلك القارة حتى كاد بعضهم يفني البعض الآخر: جماعات دينية متعصبة متطرفة أين منهم الخوارج عندنا، عائلات ملكية، عصابات النبلاء، البابوات وجيوشهم. كانت أوروبا مثل جماعة في غرفة مظلمة، الكل يضرب الكل ولا أحد يعرف من يضرب ولماذا.
وتقاتل الأوروبيون في حروب دموية طويلة أين منها حرب البسوس عندنا، منها حرب المائة عام، وحرب الثلاثين عاما، ثم حرب الكاثوليك والبروتستانت، ثم حروب الهراطقة. مسلسلات مثل دالاس. وعندما جاء نابليون بونابرت أراد أن يوحد ويقضي على الخلافات فوضع أصهاره وأبناء عمومته على رأس الحكم في بعض الدول، لكن دون فائدة. وفي بداية القرن العشرين تقاتلوا مرتين قتالا عنيفا بين 1914-1918 و 1939-1945. بعد ذلك ارتاحوا قليلا لأول مرة منذ القديس بولس، ثم في الخمسينات فكروا فوجدوا أنهم متساوون، فلقد استفادوا كلهم تقريبا من الاستعمار، وكل دولة منهم لديها نفوذ سواء في إفريقيا غربها وشرقها وشمالها، أو في أمريكا اللاتينية، أو في آسيا.
ما ينساه الكثيرون ويجب الآن أن يتذكروه: أن الغنيمة توحد الأوروبيين فيتفقون، لكن ذلك لا يستمر طويلا، مثلما حصل في الحروب الصليبية وفي قمة الرخاء الرأسمالي في الخمسينات والستينات، بينما الضائقة والمصائب تفرق بينهم.
وظني أن العصر الذهبي للاتحاد الأوروبي انتهى، وستقوم اليوم الطوائف القديمة تحت أسماء أخرى جديدة مثل اليمين والمسيحيون الجدد. الإسم الوحيد الذي بقي من الأسماء القديمة ولن يتغير هو: البابا.