إن العالم أصبح اليوم ما بعد كورونا يعيش حالة من الترقب والذعر، في بناء
العلاقات الدولية والتعاون الدولي على قواعد ستختلف عما كانت عليه قبل هذا الوباء،
فيستوجب منا منظورا جديدا للعالم هذا ما علمنا التاريخ عندما عانت المجتمعات
البشرية عبرالعصورمن الأوبئة الفتاكة، فان كل شيئ يطاله التغير، فالنظام المالي
العالمي جزء من هذا التغير، فهو الآن يمر بفترة عصيبة لان حركية المؤسسات المالية
أصبحت شبه مشلولة بسبب هذا الوباء، لم يعد تداول العملات في العالم يتم بشكل الذي
كان، كما أن برصات العالم تعيش إنخفاضا مهولا لم يسبق لها في التاريخ، بل إن هذا
الوباء جعل الدولار واليورو لم تعد لها تلك القوة التعامل بهما أمام إنكماش إقتصادي
الذي يعيشه العالم، ويظهر ذلك من خلال القرارات التي اتخذت مثلا على صعيد الإتحاد
الأوربي منع بيع اي أدوات الطبية واللوازم الطبية لدول أخرى كما أن الإتحاد الأوربي
بسبب كورونا تخلت عن إيطاليا وإسبانيا لم يقدم لهما آي دعم مالي أو آلي أوبشري (الأطباء)
في الوقت الذي طفحت على السطح الصين على مستوى العالم لتمد بيد المساعدة المادية
والبشرية للجميع دون تحقيق أي ربح سوى بعد إنساني محض، في الوقت الذي نجد أمريكا غائبة عن مسرح عمليات تقديم
الدعم لحلفائها التقليديين، إذن العالم سيعيش مرحلة جديدة ما بعد كورونا في
العلاقات الدولية نتوقعها في إنهيارالإتحاد الأوربي ومن ثم إنهيارعملة الأورو
وستحدو إيطاليا حدو بريطانيا من الخروج من الإتحاد الأوربي، كما ان الدولار الأمريكي
سيفقد نوعا ما مكانته المرموقة التي يتبوؤها، وستعرف الصين الشعبية توسعا في
العالم على المستوى العلاقات المالية والتجارية وأن ما يساعدها في ذلك تقدمها
المهول في جميع المجالات الإقتصادية والإجتماعية والتجارية والتكنلوجية الإتصالاتية
أوالتقنية .
فالصين الآن أصبحت الدولة الوحيدة التي فتحت أبوابها للدول التي اجتاحها
وباء كورونا في العالم بشكل بليغ حتى تساعدها لتجاوز هذه المحنة،وأن من بين هذه
الدول ايطاليا واسبانيا وإيران وصربيا، فمن تجليات هذه الخطوات أن الصين أصبحت تحل
محل أمريكا في رعاية الدول والتدخل بشكل سريع لفك وحل مشاكلها المالية والإقتصادية،
فهذا الدوركانت الدولة الوحيدة التي تضطلع به وتقوم به هي أمريكا لما تتوفرعليه من
الإمكانيات الهائلة في كافة المجالات، وتراجعت الآن عن هذا الدور بإجتياح كورونا
العالم إذ هي بدورها من المتوقع أن تعرف خصاصا في الأدوات والآلات الطبية واللوازم
اللجستيكية لمحاربة هذا الوباء مما جعلها تنطوي على نفسها ولم تقدم أي عرض للعالم
من أجل طمانتهم سوى ما يتعلق بعرض العضلات حول إيجاد الدواء للوباء، ولكنها بالرغم
من اللعب على وترالإعلام إلا أن شعوب العالم لم يعد لها الوقت للاستماع إلى الكلام
دون ترجمتها إلى أفعال ملموسة، سيما ما وقع من تبادل الإتهامات بينها وبين ألمانيا
حول إبتكار دواء كورونا.
إن العالم سوف يعيش مرحلة جديدة، ونظام عالمي جديد رائدته الصين الشعبية،
وسيبرزهذا النظام الجديد على أنقاض قضايا النظام الليبرالي، ويظهرفي علم الإقتصاد
الليبرالية الجديدة ما بعد كورونا، لن تعتمد على معايير الليبرالية الكلاسيكية
المبنية على التوحش في إستغلال وإستعباد الإقتصاديات الضعيفة، يكون مركزها الصين
التي هي بدورها سيعرف نظامها السياسي والإقتصادي تحولا جذريا، تفرضه عليه قواعد
الانفتاح على العالم تمهيدا لقيادته، وبعد إزاحة هيمنة الدولارعلى العملات الأخرى،
كما أن العالم سيعيش مرحلة جديدة من مراحل العولمة التي ستكون الصين محورها
الرئيسي حول العالم.