تدبير الذمة المالية للزوجين وفق مبادئ العدالة الإجتماعية محور ندوة دولية لحقوق وعدالة

الواطن24/ متابعة
نظمت جمعية حقوق وعدالة بدعم مشترك من الإتحاد الأوروبي والسفارة السويسرية بالمغرب ندوة دولية حول موضوع “تدبير الذمة المالية للزوجين وفق مبادئ العدالة الإجتماعية”، وذلك بمدينة الدار البيضاء تزامنا مع تخليد الذكرى الخامسة عشرة لصدور مدونة الأسرة، وقد عرفت الندوة مشاركة قضاة ومحامين من المغرب وتونس وفرنسا، وفعاليات واسعة من المجتمع المدني ومن الجامعة.
استهلت أشغال الندوة بكلمة المحامي مراد فوزي رئيس جمعية حقوق وعدالة أكد فيها على أهمية تنظيم هذا اللقاء الذي يندرج ضمن برنامج شراكة بهدف تعزيز نظام المساواة بين الجنسين في النظام القضائي بالمغرب، وتكريس مبدأ المساواة بين الجنسين أمام القانون لضمان إحترام أكبر لحقوق المرأة، مؤكدا أن إختيار موضوع المسؤولية المشتركة بين الزوجين في تدبير الشؤون الأسرية، يأتي في وقت تزايدت فيه الأصوات المنادية بضرورة مراجعة مقتضيات مدونة الأسرة بعدما كشف التطبيق العملي عن عدة ثغرات في إقرار الحماية اللازمة للنساء وضمان حقوقهم الإقتصادية، ولاسيما الحق في الأموال المكتسبة بعد الزواج، وأضاف أنه قد تم إختيار التجربتين التونسية والفرنسية كمجال للمقارنة من أجل الإستفادة من الحصيلة التي تم تحقيقها في البلدين اللذان يتوفران على إطار قانوني مفصل لتنظيم الأموال المكتسبة بعد الزواج.

وقدم السيد محمد زيتونة القاضي بدائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة الابتدائية بتونس مداخلة تناول فيها بالدرس والتحليل إشكالية “أثر الطلاق على نظام الإشتراك في الملكية بين الزوجين في التجربة التونسية”، أكد من خلالها على أن القانون عدد 94 لسنة 1998 المتعلق بنظام الإشتراك في الأملاك بين الزوجين بتونس، يعد أول تشريع في المنطقة العربية ينظم هذا الموضوع، حيث يشمل من حيث المبدأ العقارات المخصصة للسكن العائلي، مشيرا إلى الصبغة الإختيارية لهذا القانون إذ أن للزوجين إمكانية الأخذ به أو تركه، سواء ساعة إبرام عقد الزواج، أو بصفة لاحقة بموجب عقد مستقل، وكما أن من مميزاته أن المشرع التونسي أفرد تشريعا خاصا ومستقلا لتنظيم الإشكاليات التي يطرحها نظام الإشتراك في الأموال، عكس القانون المغربي، الذي إقتصر على مادة فريدة في صلب مدونة الأسرة.

وأضاف أن الفصل 18 من القانون عدد 94 لسنة 1998 حدد الحالات الني ينتهي بها هذا النظام، ومنها الطلاق حيث تتجلى أهم آثاره على نظام الإشتراك في الأملاك في خروج الأموال المشتركة من الذمة المالية للزوجين، ودخولها في الذمة المالية المستقلة لكل واحد منهما، مستعرضا عدة إشكاليات عملية في تطبيق النص المذكور سواء عند مرحلة التصفية أو القسمة القضائية.
أما السيدة كلوي كرنادو المحامية بهيئة باريس فقد تطرقت في كلمتها لنظام تقسيم الممتلكات في القانون الفرنسي حيث أكدت أن المشرع الفرنسي منح الإختيار للزوجين في تحديد النظام المالي الذي يوافق مصالحهما المالية، حيث يجوز لهما الإختيار بين نظام فصل الأموال، أو نظام الأموال المشتركة، أو نظام المشاركة في المكتسبات، لكن في حالة غياب نظام إتفاقي تخضع العلاقات المالية حتما لنظام الإشتراك القانوني الذي يفرضه القانون المدني.

وأضافت المتدخلة إلى أنه وبالرغم من تراجع معدلات الزواج يبقى عقد الزواج النظام الأكثر إنتشارا في فرنسا، مؤكدة أن غياب النظام الإتفاقي في غالبية حالات الزواج، تجعل النظام الشائع هو نظام الأموال المشتركة، وأضافت أنه وحتى في حالة إتفاق الزوجين على فصل الأموال، فإن ذلك لا يحول دون ضرورة تحمل كل واحد منهما لجزء من نفقات تسيير الأسرة.
وبعد إستعراض التجربتين التونسية والفرنسية، قدم السيد محمد بوكرمان المحامي بهيئة فاس مداخلة تمحور موضوعها حول “النظام المالي للزوجين بين إعادة إنتاج واقع التمييز وضرورة مأسسة الطابع الفعلي للحق في الثروة الزوجية”، أكد من خلالها أن المادة 49 من مدونة الأسرة التي أجازت للزوجين الإتفاق في عقد مستقل على تدبير الأموال المشتركة للزوجين لم تقدم إضافة نوعية من أجل إنصاف النساء، نظرا لأن عدد العقود المبرمة مند دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ تبقى جد منخفضة، كما أن الأزواج الجدد يحجمون عن مناقشة هذا الموضوع عند بداية دخولهما في الحياة الزوجية نظرا لخلفيات ثقافية ومجتمعية، مما يجعل غالبية النزاعات التي تثار بعد إنحلال العلاقة الزوجية تعالج في إطار القواعد العامة للإثبات في غياب عقود مستقلة تبين طريقة تدبير الأموال المشتركة، مشيرا إلى أن الكثير من الزوجات اللواتي يعملن ويساهمن في تكوين ثروة الأسرة يسقطن ضحايا حسن النوايا والثقة العمياء في الأزواج حيث يؤدي تسجيل الأملاك في إسم الأزواج إلى حرمانهن من حقهم في هذه الثروة عند الطلاق، مؤكدا أن عبئ الإثبات يبقى أهم العراقل التي تواجه الزوجات، كما أن الإجتهاد القضائي المغربي ما يزال محافظا وغير متواثر في إقرار نصيب الزوجة من الثروة المستفادة أثناء الزواج في حالة وقوع الطلاق أو التطليق .

وتناول الباحث في الدراسات الاسلامية محمد عبد الوهاب رفيقي في مداخلته إشكالية “الكد والسعاية بين العرف والفقه والقانون”، منطلقا من مفارقة مفادها أن إستمرار إخضاع المجال الأسري لمنطق الفقه والفتوى يبقى موقفا متجاوزا على إعتبار أن هذا المجال ينبغي إخضاعه للقانون المدني، لأنه يدخل في إطار المعاملات، لافتا الإنتباه إلى حجم التطورات الكبيرة التي عرفتها الأسرة المعاصرة والتي لا يمكن إخضاعها وتقييدها بإجتهادات فقهية مرتبطة بالأساس بسياق تاريخي معين أضحت متجاوزة في الوقت الراهن.

وأشار في هذا الصدد إلى حق الكد والسعاية الذي إبتدعه الفقه المالكي من أجل حق المرأة العاملة خاصة في البوادي في الأموال المكتسبة بعد الزواج، علما بأن الفقه المالكي يعتبر من أكثر المذاهب تشددا في فرض قيود على حرية المرأة المتزوجة في التصرف في أموالها، ليستنتج إمكانية إخضاع هذا الموضوع للإجتهاد مع تطور العصر والمجتمعات.
و عند فتح باب المناقشة أمام الحضور خلصت المناقشات إلى عدة توصيات أهمها:
– ملائمة المقتضيات القانونية المنظمة لتدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين بعد إبرام علاقة الزواج، مع المعايير الدولية وعلى رأسها إتفاقية سيداو فضلا عن دستور 2011 الذي أسس لمبادئ المساواة والمناصفة؛
– مراجعة مقتضيات المادة 49 من مدونة الأسرة بالشكل الذي يسمح بتقييم العمل غير المأجور الذي تقوم به المرأة سواء في البيت أو خارجه، وأخذه بعين الإعتبار عند تحديد مساهمة المرأة في تكوين الثروة المكتسبة بعد الزواج؛
– تقنين عرف الكد والسعاية ليصبح قانون يطبق في كل أنحاء المغرب عوض إعتباره مجرد عرف محلي؛
– الإستفادة من التجربتين التونسية والفرنسية و إقرار نظام قانوني شامل ومتكامل لتدبير الأموال المكتسبة أثناء الزواج؛
– إلزامية إشهار الإتفاق على تدبير الممتلكات المكتسبة أثناء الزواج ليعلم به الأغيار ويقيد بسجلات الحالة المدنية؛
– إستمرار الحملات التحسيسية قبل الزواج بأهمية إختيار الزوجين لنظام مالي لتدبير الأموال المشتركة يمكن الإحتكام عليه في حالة الطلاق لحل الإشكاليات المالية وضمان حق كل أحد من الزوجين في نصيبه من هذه الأموال بقدر مساهمته في تكوينها.
– نشر الأحكام القضائية كوسيلة للتحسيس بمستجدات مدونة الأسرة.