تدريب وتأهيل الناشط الجمعوي الحقوقي خيار إستراتيجي لربح رهان معركة الحقوق والحريات الأساسية
الوطن 24/ بقلم /محمد ناعم
ساهمت حالة الإنفراج السياسي التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة في خلق وعي حقوقي عند شريحة هامة من الشباب، بالرغم ما تعيشه من توترات وتأرجح صعودا وهبوطا، ومدا وجزرا، وشدا وجذبا بين الأجهزة الحكومية وجمعيات ومنظمات ناشطة في مجال الحقوق والحريات الأساسية، وهذا ما يضع هذه الجمعيات والمنظمات أمام أنساق وأشكال جديدة من العمل والنشاط الحقوقي، الأمر الذي أصبح مطلوب معه إستخدام أدوات ومقاربات ومنهجيات جديدة في التعامل مع مجموعة من القضايا القائمة أو العالقة أو المستحدثة بفعل مجموعة من التراكمات السلبية عن سنوات الرصاص والتضييق على الحريات، وبفعل تأثيرات السياقات السياسية والإجتماعية والإقتصادية محليا وإقليميا ودوليا.
ومطلب التجديد في الأدوات والمنهجيات والمقاربات كان ولا يزال حاضرا في عمق النقاشات بين جمعيات ومنظمات الناشطة في مجال الحقوق والحريات الأساسية، وكذا لدى الباحثين والمهتمين في هذا المجال، مما فتح وأتاح تناول وطرح مجموعة من القضايا الإشكالية التي أضحت تستدعي التفكير المتجدد، والتحليل الدقيق، والإقتراح المبدع من طرف الجميع في التعاطي مع هذه القضايا، ومن أبرزها البحث عن التدابير التي يمكن الركون إليها في بناء وتعزيز قدرات الموارد البشرية الحقوقية في الجمعيات والمنظمات الناشطة في مجال الحقوق والحريات الأساسية وتطوير أدائها، خاصة المتعلقة بفئة نشطائها الجمعويين.
وإذا كانت فئة النشطاء الأداة التي إستطاعت بواسطتها التنظيمات الجمعوية الحقوقية في السنوات السابقة من تحقيق بعض المكاسب المهمة وعلى رأسها التأسيس لمسلسل المصالحة والانتقال الديمقراطي في البلاد، فإنها في نفس الوقت، لا زالت الأداة القادرة أيضا اليوم، وفي المستقبل، على إنجاز ما يطالب به الإنسان المغربي، في كل أبعاده الجغرافية والفئوية والقطاعية، سواء في مدينة الحسيمة أو مدينة جرادة أو باقي المدن الأخرى، وخصوصا ما يتعلق بالحقوق السوسيوـ إقتصادية والثقافية، والتمتع بالإنصاف والكرامة الإنسانية، وتحسين الظروف المعيشية، والإسراع بوتيرة إنجاز المشاريع التنموية، ومحاربة كل أشكال الريع والفساد المنتشر في مختلف الأقاليم والجهات.
وبالإعتماد هذه الفئة أيضا، يمكن تحقيق مطالب ومكاسب جديدة إلى جانب المكاسب السابقة، دون إرتكاب أخطاء وهفوات وإنحرافات تتجاوز الطريقة والشكل الذي وقع به مع غيرها، إذا ما تم تعهدها بالتدريب والتأهيل الجيد، اللذان يفضيان إلى تحويل حماسها وإيمانها بقيم الحقوق والحريات الأساسية وبالعمل التطوعي الإنساني إلى طاقات متجددة، تصبح معه موارد بشرية إيجابية نشيطة ومنتجة، قادرة على الأداء الأفضل، وعلى الإنتاجية والمردودية بالعلمية والاحترافية المطلوبتين في التربية والنهوض بحقوق الإنسان، وبانتهاج وإستخدام الأدوات والمقاربات الحقوقية الصرفة في معالجة الإشكالات والإنتهاكات.
وبما أن التدريب والتأهيل الجيد أصبح اليوم خيارا إستراتيجيا لكل المؤسسات والجمعيات القوية في العالم، أملته ضرورات تلبية حاجات التغيرات السريعة التي تحدث في مجالات العمل، وفي محيطه وسياقاته الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، هذه التغيرات السريعة التي أصبحت السمة المميزة لعصرنا الحالي في جميع مجالات الحياة. فإن الجمعيات والمنظمات الناشطة في مجال الحقوق والحريات الأساسية بدون إعتماد الخيار المذكور يمكن أن تفقد قوة الدفع والصمود والإستمرار، وبوصلة الطريق المساعدة في تحديد الإتجاهات والمسارات والدروب المؤدية إلى تحقيق أهدافها الإنسانية النبيلة المبنية على الكرامة والعدالة والإنصاف.
وإذا كان الحديث في الآونة الأخيرة قد كثر عن أهمية أدوار الناشط الجمعوي في مجال الحقوق والحريات الأساسية في لقاءات ومؤتمرات وتجمعات ومنتديات التنظيمات الجمعوية والمؤسساتية، وغدا الإهتمام به واضحا من خلال ما يتم تكريسه من أنشطة التدريب والتأهيل المختلفة المنظمة لفائدته، فإنه أصبح من اللازم مقاربة موضوع ونوع التدريب والأنشطة التدريبية والتأهيلية التي تستهدفه، ببرامجها ومناهجها ومحتوياتها ومضامينها وأساليب وأدوات عرضها وتقديمها وتقييم وقياس أثرها ومردوديتها، لمعرفة إذا ما كانت فعلا ستطور أداءه وستساعده على القيام بمهامه المركبة والمعقدة في مجالات التربية والنهوض بقيم حقوق الإنسان.
وموضوع تدريب وتأهيل الناشط الجمعوي في مجال الحقوق والحريات الأساسية يعد من المواضيع التي لم تحظ بالقسط الوافر من البحث العلمي الرصين، ومن الإهتمام والإدراج، أو الإعتماد ضمن أولويات خطط وإستراتيجيات بناء ودعم القدرات في التنظيمات الجمعوية الحقوقية المغربية، بالرغم من الأهمية الكبرى لأدوار هذا الناشط المتمثلة في تواجده الفعلي في المعارك اليومية التي تخوضها الحركة الحقوقية على عدة واجهات ذات العلاقة بالتربية والتكوين ونشر قيم الحقوق والحريات الأساسية، وفي التعامل المتجدد مع المشكلات الحقوقية المعروضة عليه، وفي التعاطي ومواجهة انتهاكات حقوق الإنسان القائمة أو المرصودة ضمن مجتمعه وغيرها من الأدوار الأخرى.
وعلى هذا الأساس يصبح الإهتمام بتدريب وتأهيل الناشط الجمعوي في مجال الحقوق والحريات الأساسية أمرا مهما وأولوية الأولويات في سياسات ومخططات الحركة الحقوقية لتطوير أدائه، ولمساعدته على القيام بتلك الأدوار المركبة والمعقدة المطلوبة منه.
ومن أهم الأدوار التي يمكن أن يقوم بها الناشط هو دور المدافع والمربي على قيم حقوق الإنسان، الدور القائم على مقاربة التمكين للناس بمعرفة كافة حقوقهم، وتعليمهم كيفية المطالبة بها، وبسيادة القانون وبالعدالة كحق، وليس كصدقة فمتى تأسس الحق قانوناً، أضحى نفس الحق هو الأداة القانونية التي يمكن لحاملي الحقوق إستخدامها للمطالبة أمام حاملي الواجبات (أولئك الذين يتحملون الإلتزام والمسؤولية) في حالات الحرمان من هذا الحق أو إنتهاكه. والتأكيد على مفاهيم إلزام ومحاسبة حاملي الواجبات بتلبية المطالب المبررة التي يتوجه بها إليهم حاملو الحقوق.
وعملية تطوير أداء الناشط الجمعوي في مجال الحقوق والحريات الأساسية من خلال آلية التدريب ليست بالعملية السهلة، فهي تحتاج إلى الإرتكاز على مجموعة من الدعامات الأساسية، من بينها أن يقوم التدريب ويؤسس على الإحتياجات الحقيقية للناشط، وأن يرتبط التدريب في مضامينه ومحتوياته المعرفية والعلمية والحقوقية بالمهارات الأدائية المطلوب منه التمرس والتدرب على تقنياتها وكيفيات تنفيذها، في إطار تفهم وتمثل وإتقان للأدوار والمهام التي سيضطلع بها. مع مراعاة شكل تقديمها وعرضها في أن يكون مشوقا ومحفزا للناشط على التركيز والإستمتاع بالتدريب في شقيه: المعرفي الحقوقي والتطبيقي. بالإضافة إلى وضع نظام لمتابعة الناشط ومؤشرات ومحكات ومعايير ووصف للمهام والأدوار يمكن أن يتم الاحتكام إليها في قياس أثر التدريب على أدائه، الأمر الذي يكون دائما مغيبا عند الكثير من جمعيات ومنظمات ومراكز الحركة الحقوقية ، وفي كل مراحل التدريب وقبله وبعده.