ترسيم اللغة الأمازيغية أم تنمية الانسان أم هما معا؟

الوطن24/ بقلم: محمد أهيري*

لا يستقيم الحديث عن ترسيم اللغة الأمازيغية، بمعزل عن الإنسان الذي يحملها، فاللغة وإن شكلت إحدى المداخل الأساسية للنهوض بالتنوع الثقافي واللغوي للمغرب، إلا أن الأمازيغية لا تنفصل عن المشروع التنموي والديمقراطي لبلادنا، فهي تنهض بتحققه وتنتكس بانتكاسته، فقد أكد جلالة الملك محمد السادس في خطابه الملكي لسنة 2001 قائلا “بدون تنمية اقتصادية مستدامة في الأوساط الناطقة بالأمازيغية، فإن الحديث عن النهوض بالأمازيغية يبقى «هشا». لذلك، فالأهمية التي يجب أن تمنح للأمازيغ، باعتبارهم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي المغربي، يجب أن تنطلق من الاهتمام بتنمية الإنسان المعزول والمهمش في المناطق النائية، الذي لم ينل الاهتمام اللازم والمستحق رغم توفر المغرب على كل مقومات التطور والازدهار حضاريا واقتصاديا واجتماعيا. فالتنمية المنشودة للإنسان الامازيغي مرتبطة بإدماجه في مسار العيش الكريم، وانخراطه في مسار التنمية المجتمعية وفي السياسات العمومية والمشاريع والبرامج التنموية، واستفادته من الدينامية التي يعرفها المغرب في كل المجالات.

لا يمكن إنكار جهود المملكة المغربية بقيادة جلالة الملك محمد السادس في تفعيل وترسيم اللغة الأمازيغية كمكون أساسي في بناء المغرب الحديث، بدءا بالخطاب الملكي لسنة 2001 بأجدير حول تعميم اللغة الامازيغية وتدريسها باعتبارها مسؤولية وطنية، ليتم في نفس السنة تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وتفعيلها أكاديميا بتأسيس أول مسلك للدراسات الأمازيغية بجامعة أكادير سنة 2007، و بعدها جامعات أخرى كفاس، ثم  انطلاق بث القناة الأمازيغية سنة 2008، على أن يتم الارتقاء بها دستوريا سنة 2011 كلغة رسمية الى جانب اللغة العربية. ورغم هذا الوضع المتقدم للأمازيغية دستوريا وتشريعيا ومؤسساتيا وتنظيميا، وكذا التوجيهات الملكية الدائمة، إلا أن هذه اللغة والثقافة لم تجد الطريق بعد الى التفعيل التام.

والقول بحتمية ترسيم الامازيغية شيء ايجابي يعترف بمكون الامازيغية كما أشار الى ذلك الخطاب الملكي، وكما جاء في الدستور كجزء من الثوابت والعناصر المكونة للهوية المغربية، ولكن السؤال الاهم الذي يثار هو من سيعمل على حماية الامازيغية او تيفيناغ إذا كان الانسان الامازيغي مهمش ولا تسعفه ظروف العيش للاهتمام بهذه الحروف او اللغة؟ أي أنه من الاجدى اعطاء الاهتمام اللازم للإنسان الذي يحمل مشعل استمرارية الامازيغية وحروفها، وهو ما سيحقق ترسيمها تلقائيا اما بشكل رسمي او غير رسمي.

ان الاهتمام بالإنسان كيفما كان، يجد سنده في الكتاب والسنة، وفي القوانين الوضعية من اتفاقيات ومعاهدات دولية، ناهيك عن القوانين الوطنية والمحلية. والاهم هو ما وضعته الخطب الملكية من مرجعيات، خاصة خطاب الملك في يوليوز 2014 بمناسبة الذكرى الخامسة عشرة لاعتلائه العرش، حول الرأسمال اللامادي واهداف التنمية المستدامة، وغيرها من المرجعيات…

ان القول بأسبقية الثقافة عن الانسان هو شيء من الدغمائية والأنانية الطوباوية، وينم كذلك عن نوع من اللامبالاة من قبل الفاعلين سواء كانت عن قصد او غير قصد… ومن الجيد ان تثار مسالة الهوية والثقافة لكن لا يجب ان تكون بمعزل عن تنمية الانسان، فعندما يتم الحديث عن ضرورة إخراج قوانين تُعنى بتيفيناغ، فانه يجب كذلك ان تثار مسألة تفعيل قوانين وإجراءات اخرى من قبيل المساواة الاجتماعية والاقتصادية وتفعيل المحاسبة والعدالة المجالية، وحماية الحقوق كالحق في الثروة كما نادى به جلالة الملك، ثم الحق في التنمية والاستفادة من جميع  الخدمات العمومية.

لا أحد يجادل ويشكك في هوية وثقافة الأمازيغي، ولكن في المقابل يجب العمل على ارساء اسس متينة ووسائل حقيقية وفعالة تجعل من الانسان نقطة الانطلاق نحو تفعيل نقاش او قضية معينة، والقصد، هو ضرورة ربط كل القضايا والمواضيع ذات الأبعاد الثقافية واللغوية بأولوية ورفاهية الانسان حتى لا يكون الانسان الامازيغي ورقة بيد افكار ونوايا تسبح في الاتجاه المعاكس، او جعلها أداة للتوظيف السياسي والايديولوجي من هذا او ذاك.

ان الذي يهتم بمثل هذه الأولويات على حساب الانسان نفسه، إنما يعمل على تقييد وحصر الانسان الامازيغي في خندق الحروف والثقافة، وثنيه وإبعاده عن الاولويات التي تضمن استمراره ووجوده الأبدي، فلا يجب إغفال إشكالية القضاء على ثنائية المغرب النافع وغير النافع، فهو السبيل الذي سيساهم في اخراج المناطق والانسان الامازيغي من عزلته وتهميشه، ثم مأسسة لغته وثقافته وهويته. فما يحز في النفس معاناة ومأساة الأطفال والنساء والشيوخ في القرى النائية والجبال العالية حيث الفقر والثلوج، وتنعدم أدنى شروط العيش الكريم، والعبرة من الفيديو المثير المنتشر عبر الوسائط الاجتماعية للطفل الذي يعبر وبكل حرقة عن حلمه في الحصول على جورب “تقشيرة” لا غير، وللأسف حين يصبح الحلم مجرد جورب في مغرب القرن 21.

إذا لم تتم تنمية مناطق الانسان الامازيغي فكيف سيُحافظ على الامازيغية حروفا ولغة وثقافة ويدمجها مع الوطنية المغربية؟ فالطريق يوصل الى المدرسة للاستفادة من التربية والتكوين والحفاظ على تيفيناغ، والتربية على حب الوطن، كما يوصل الى المستشفيات لإنقاذ النساء الحوامل، والتزود بالمواد الاساسية لإطعام الأطفال وتأهيلهم كمواطنين صالحين، وانقاذ الماشية التي تعتبر رأسمال أغلب الامازيغ، وإيصال الكهرباء الى المناطق المعزولة لاستماع الى الأخبار بتيفيناغ، والوصول الى المحكمة للتقاضي بالأمازيغية، وهي كلها آليات للتواصل وترسيخ الثقافة والاندماج…

ولنا في تجارب العديد من الدول القدوة الحسنة حيث عملت على الاهتمام بالإنسان من أجل بناء الاوطان وتحديثها وتماسكها والحفاظ على مختلف الهويات، ومن هذه التجارب ما قامت به ماليزيا في جعل الانسان الماليزي متلاحم ومتراص رغم اختلافه العرقي والديني البعيد، وبالتالي المساهمة في الارتقاء بماليزيا الى مصاف الدول المتقدمة، حيث عملت على التوازي بين ترسيخ المساواة بين ابناء الشعب ثقافيا وسياسيا واقتصاديا، وبين تنميته من خلال التعليم والتجهيز وحق الولوج الى كل الخدمات كما نص عليها دستورنا.

وهنا وجب التذكير، أن البرنامج الحكومي نص على احداث صندوق خاص بالأمازيغية بميزانية تصل لمليار درهم بحلول عام 2025، من اجل إدماج الأمازيغية في مجالات التعليم والتشريع والمعلومات والاتصال والإبداع الثقافي والفني، فضلا عن استعمالها في الإدارات وفي مجموع المرافق العمومية، ولكن هل تم ذلك بموازاة احداث صناديق للتنمية أو تفعيلها في المناطق الأكثر هشاشة؟ حيث يغيب الفعل العمومي ويضعف دور الجماعات الترابية، ولا وجود للقطاع الخاص لتوطين الاستثمارات وتثمين المنتوج المحلي… إن الخطط التنموية تظل الرافعة الاساسية للإدماج في سيرورة السياسات العمومية وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية.

وختام القول يتعين أن يكون مطلب إدماج الأمازيغي الانسان في مسار التنمية في كفة متوازية مع مطلب ترسيم الامازيغية للقطع مع السياسات البعيدة عن طموحات المواطن والشعب للحفاظ على استمرارية المكون الامازيغي، فتطوير وتأهيل الانسان يمثل دعامة لخلق مغرب منسجم ومتطور دون الاخلال بالتوازن المجتمعي، سواء من حيث الثقافة والهوية، او من حيث الاندماج في التنمية وسيرورة التطور والتحديث.

* باحث في السياسات العمومية والتدبير العمومي جامعة محمد الخامس الرباط