تعــــزيز حقـــــوق الإنســــان بالمــــغرب واقــــع وافـــاق

الوطن 24 / بقلم: مراد علوي .

تقديم :

تشكل الدساتير في إطارها العام، البناء الهندسي للنظام السياسي ، الذي يتضمن أساسا الحقوق والحريات العامة ، كما وتتجسد من خلالها الشرعية والمشروعية وأساس سيادة القانون التي تهدف في مضمونها إلى حماية حقوق الإنسان وحرياته، وبذلك نجد أن الدستور يعد الحامي والجسر الذي يربط حقوق الإنسان وحرياته بالضمانات التي يحتاجها الإنسان من خلال حماية الدستور له.

إن أغلبية الدساتير في الدول الديمقراطية، تشكل ضمانة أساسية لحقوق الإنسان، لأن هذه الدساتير تحتل أعلى مرتبة في القواعد القانونية في كل دولة، وهي تبين في موادها الدستورية، نظام الحكم، وحقوق الأفراد وواجباتهم، والقواعد التنظيمية للسلطات العامة من حيث التكوين والإختصاص، والعلاقة فيما بينها، والمبادئ الأساسية الضامنة لحقوق الإنسان أو المواطن ولا سيما مبدأ فصل السلطات، والرقابة على دستورية القوانين .

إن تبني سياسة حقوقية في بلد ما يعد مدخلا أساسيا لبناء صرح الديمقراطية ودولة الحق والقانون وحماية حقوق وحريات المواطنين والمواطنات، فلا يمكننا الحديث عن الديمقراطية وصيانة الحقوق والحريات دون نهج سياسية حقوقية واضحة المعالم تنص على الضمانات الأساسية لحقوق الإنسان وحرياته، وإعداد السياسة الحقوقية تنخرط في إعدادها جل مكونات المجتمع، من مؤسسات رسمية وأحزاب السياسية ومجتمع مدني ومنظمات حكومية وغير حكومية وهيئات وطنية .

وتعد حقوق الإنسان التي أقرتها معظم الدساتير في العالم في إطار يضيق أويتسع مداه بنسبة ديمقراطية النظام أوتسلطه، ولا تقتصر الدول على تضمين دساتيرها نصوصا بحقوق الإنسان فحسب وإنما تعمل على تقرير الضمانات التي تكفل ممارسة هذه الحقوق، ضمانات تحول قدر الإمكان من دون اهدارها.

إن الإنسان لا يكون إنسانا إلا بحقوقه، فإن إمتلكها كلها كان كامل الإنسانية وإن إنتقص من أحدها كان في ذلك إنتقاص من إنسانيته، وكلما زادت نسبة الحقوق المسلوبة منه كان الإنتقاص من إنسانيته بنسبة ذلك المقدار، ولعل البشرية بدأت مبكرا تدرك مدى ضرورة سمو الحقوق الإنسانية، مما جعلها تسعى دون إنقطاع إلى تحقيق كرامة الإنسان بإقرار حقوقه وحرياته .

أولا : تعزيز حقوق الإنسان في ضوء المستجدات التشريعية و المؤسساتية :

وقد عرف المغرب تطورا مماثلا منذ الاستقلال ومنذ اعتماد دساتيره المختلفة التي تنص على الحقوق الأساسية التي تشكل حقوق الإنسان ثم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية حتى الاعتراف بحقوق الإنسان في مقتضيات ديباجة الدستور الشهيرة التي تنص على أن المملكة المغربية: “تعيد التأكيد على تشبثها بحقوق الإنسان كما هي معترف بها عالميا”. وهذا هو التطور الذي سأقدم مراحله بإيجاز من خلال الإشارة إلى أهم عناصره .

في اعتقادي، يجب أن أستهل مراحل هذا التطور بتعريف حقوق الإنسان. يمكن أن يكون لحقوق الإنسان مفهوم واسع وعام يشمل حقوق الإنسان والحريات المعروفة، ويمكن أن نضيف إلى ذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكذا حقوق الجيل الثالث المتمثلة في الحق في التنمية والحق في البيئة السليمة.

ولكن يمكن أن يكون لحقوق الإنسان مفهوم محدود أو أكثر تطورا ينطبق في اعتقادي بشكل أفضل على التطور التاريخي للمجتمعات والأنظمة القانونية الوطنية. وهذا هو المفهوم الذي يسمح بشكل أفضل بفهم الظهور الزمني لحقوق الإنسان وخاصة بالفهم الذي يفيد بأن فعالية هذه الحقوق لا تدخل مطلقا في نطاق نفس الإشكالية ونفس المعالجة المؤسساتية، وهذا أمر لا ينطبق على حقوق الإنسان المعروفة.

ولهذا ودون استبعاد المفهوم الموسع سأستعمل المفهوم المحدود والمتطور من أجل تأطير أفضل لعرضي حول تسلسل زمني اعتقد أنه يستجيب بشكل أفضل للتطور السياسي والقانوني الذي عرفته المملكة المغربية منذ الاستقلال على الرغم من تداخل الفترتين معا:

ثــــانيـــا: الرقابة الدستورية على الحقوق الأساسية بالمغرب .

النظام القضائي في الدولة، أساسي لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، فالمحاكم لها دور رئيسي في حماية ضحايا انتهاك حقوق الإنسان، وضمان حصولهم على سبل الإنصاف الفعالة، وذلك بتقديم مرتكبي هذه الإنتهاكات إلى العدالة، فقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة: “سيادة القانون والنظام القضائي…يلعبان دورا مركزيا في تعزيز وحماية حقوق الإنسان،” 152 كما أكدت العديد من المواثيق الدولية والمبادئ التوجيهية الدولية على ذلك، فقد نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في مادته 29 “الناس جميعا سواء أمام القضاء. ومن حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أوفي حقوقه والتزاماته في أية دعوة مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشئة بحكم القانون…”

كما يعتبر الدستور في إطار الثقافة الديمقراطية الحديثة مصدرا أساسيا لتحديد معالم النظام القانوني في الدولة لما يتضمنه من مبادئ وأحكام تسود حياتها ومؤسساتها وشرعية سلطة القائمين عليها، كما يسموعلى جميع السلطات العامة في الدولة نظرا لما يتضمن من قواعد وحقوق تعتبر تابعة من إرادة الشعب غير أن هذا السمويغدومجرد لفظ أجوف غيرمضمون ولوكان بمقدور هيآت ومسؤلين الدولة انتهاكه دون أن يكون هنا كجزاء يتقرر على ذلك الانتهاك، إذ يجب أن تكون هناك العديد من الضمانات التي تكفل احترام هذه السلطات العامة للحقوق والحريات التي ينص عليها الدستور ، ومن أهم الضمانات التي عملت مختلف الأنظمة الدستورية على توفيرها لفرض احترام الدستور نجد القضاء الدستوري .

والمغرب بدوره لم يخرج عن هذا الإطار، حيث تم التنصيص في أول دستور عرفه على إنشاء الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى، لكن العراقيل  المغرب دستور التي واجهت هذه الغرفة سواء من حيث الهيكلة أوالتنظيم أومن حيث الاختصاص دفعت إلى، كما أن المستجدات القانونية  إنشاء المجلس الدستوري، وذلك وفق دستور الجديدة والمتجددة التي حملتها مقتضيات دستور  لفائدة القضاء الدستوري المغربي من شانها أن تمكنه من المساهمة في بناء دولة الحق والقانون وإقرار الحقوق الفردية   والجماعية للمواطن المغربي .

إن الحقوق والحريات العامة لم تكن تعرف الحماية اللازمة والكافية ضد السلطة التشريعية، بالرغم من بعض الانجازات المحققة في هذا الصدد منذ صدور دستور فقد كانت الإحالة على القضاء الدستوري محدودة، حيث لم يكن من حق الأفراد التقدم بدفوع لعدم تطبيق قانون يخالف الدستور، لقد عمل دستور فاتح يوليوز 2011  على إحلال الرقابة القضائية لدستورية القوانين محل الرقابة السياسية، وتم وفق أحكام الباب الثامن من الدستور الجديد تعويض المجلس الدستوري، بالمحكمة الدستورية، والتي أصبحت مؤسسة معهود إليها بالسهر على احترام سموالدستور، حيث يتم انتخاب نصف أعضائها من قبل مجلسي البرلمان، مع اختصاصات موسعة، تهم مراقبة دستورية الاتفاقيات، وفتح إمكانية الإحالة عليها من لدن جميع المواطنين .

فأهمية القضاء الدستوري، تكمن في الرقابة الممارسة من طرف هذا الجهاز في مراقبة القوانين وكذا حماية حقوق وحريات الأفراد وكذلك ضمان سمو الدستور وإحترامه إضافة إلى ما يعكسه من وجود النظام الديمقراطي وسيادة القانون داخل الدولة .

خـــــــلاصــــة:

 استهدف البحث التعرف على واقع حقوق الإنسان بالمغرب في ظل الظروف العربية الراهنة، ومعرفة سبل الإرتقاء بها في هذه المجتمعات تنمية الوعي بحقوق الإنسان بما تعنيه من تقوية للقدرات ومن تمكين للأفراد والجماعات من النفاذ إلى تلك الحقوق والتمتع بها كاملة، والمطالبة بها في حالة الخصاص، وحمايتها من كل أشكال الانتهاكات، والنهوض بها. وتشخيص أبرز المشاكل التي تقف عائقا أمام نشرها وتعزيز حقوق الإنسان بالمغرب .

هذا وقد توصل البحث إلى عدة استنتجات أهمها ما يـــــــــلي :

  • إن ثقافة حقوق الإنسان لدى المواطن العربي دون مستوى الطموح وإن معرفته بهذه حقوق شبه قليلة.
  • تبين مدى تأثير عوامل التخلف الجهل والأمية والظروف الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والثقافية والتربوية القاهرة في نشر وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان.
  • تبين أن المؤسسات الدستورية والقوانين الخاصة بحقوق الإنسان والمنظمات المعنية بهذا الخصوص في البلدان العربية بحاجة إلى مراجعة جدية بحيث تصون حقوق الإنسان في دول العالم المتحضر في هذا المجال. بالإضافة إلى ذلك فقد قدم البحث عدة مقترحات وتوصيات تفيد نشر ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع .