تورط “إسلاميي” العدالة و التنمية في “التطبيع”: محاولة للفهم

الوطن 24/ بقلم: نورالدين الحاتمي

يمكن القول أن تورط “إسلاميي” العدالة والتنمية في المغرب، في “التطبيع” مع الكيان الصهيوني مادة صالحة، بل وجيدة، لتشريح حالة هؤلاء “الإسلاميين” وتناول مدى تأثير “التربية الإيمانية” التي أسرفوا في الحديث عنها، وتأطير الاتباع بها، وكذا، مدى تشبثهم بالمبادئ والاصول، التي كانوا يمارسون أدوارهم السياسية بها ومن خلالها، ولا شك أن هذه القضايا، وغيرها، تمت إثارتها عبر عدد من التساؤلات، التي ما فتئ المنتسبون إلى ذات المرجعية يطارحونها، ويساجلون حولها، ومن خلال الكتابات المنددة والمستنكرة لهذا التورط، والمتسائلة عما إذا كان هؤلاء” الإسلاميون” لا زالوا يحسبون انفسهم “إسلاميين” بعد هذا “المنكر”. فلماذا تورط هؤلاء في “جريمة التطبيع” وقد كانوا من قبل يؤكدون على موقفهم المناهض، والرافض له، شأنهم في ذلك شان باقي الفصائل “الإسلامية؟ ولماذا تفاجأ غيرهم بذلك التورط، واعتبروا أن الإسلامي، من حيث الاصل، لا يمكن أن يكون “مطبعا” أو مع “التطبيع”؟ ولماذا ينددون بهم ويسفهونهم؟ ما هي الرسالة التي يبعث بها أولئك المستنكرون؟ أعتقد أن الإجابة عن هذه الأسئلة، يمكن أن تسهم في تشريح الظاهرة وشرحها، وبيان حقيقتها. يمكن القول أن “الحركة الإسلامية” حركة معارضة أصيلة ومتجذرة، ولا يمكنها إلا ان تكون كذلك، فقد تأسست ردا على الانحدار الذي آلت إليه المجتمعات العربية والإسلامية على كافة المستويات والصعد، وأسست خطابها و رؤيتها على “أصالة” الأمة وهويتها. وإذا كانت الحركات تلك التي عرفها العالم العربي، إما جذرية و إما تلامس الجذرية، فإن نظيرتها في المغرب وأخص “إسلاميي العدالة والتمية” الذين ليسوا إلا “إسلاميي حركة التوحيد والإصلاح” ليسوا على ما عليه غيرهم من الصلابة والمتانة، وليسوا على ما عليه غيرهم من الشدة في الموقف من القضايا “المصيرية”، إذ يحكي بعض المطلعين أن جماعة “الإخوان” المصرية مثلا، لا تزال وفية لخط شهدائها الأُول، ولا تزال متأثرة “بالمعلم” سيد قطب على الرغم مما يبدو من تصريحات مخالفة لبعضهم، وإذا كانت جماعة “الإخوان” قد تكونت على النقيض من الدولة في أرض الكنانة وكبديل عنها، فإن حركة هؤلاء في المغرب، قد تأسست تحت عين النظام، وبالقرب منه، وبقدر من رضاه عليهم، و بخلاف باقي التنظيمات في المغرب، فإنهم يبالغون في موافقة المخزن وعدم مخالفته، إلى درجة أنهم عرفوا ب”الإسلاميين الملكيين” وصار يقال لهم “ملكيون أكثر من الملك” ولم يكن الباحثون، الذين تولوا دراستهم، يفترون عليهم، أو يبالغون في وصفهم، فقد كانوا كما قيل عنهم، وكانت قياداتهم لا تنكر ذلك. فإذا كان هذا الحزب كذلك، فإنه من الطبيعي جدا أن يسير اعضاؤه في موكب النظام وركبه، وإذا كان البعض يتساءل مستغربا التناقض، الذي بدا في مواقفهم قبل تولي حزبهم رئاسة الحكومة وبعد، فإن هذا التساؤل وهذا الاستغراب يبرزان تجاهل هؤلاء لمنطق التاريخ ومنطق السياسة. إن هؤلاء المستغربين يدركون تماما أن منطق المعارضة غير و منطق الدولة غير، ويدركون تماما أيضا أن المعارضة السافرة و المطلقة للدولة، لا يراد منها إلا رفع السقف عليها لتحسين شروط التفاوض معها، للففت انتباهها إليها، آية ذلك، أن جميع من تعاقب على معارضة الدولة و التنديد بها، وبمواقفها، ودون استثناء، بمجرد ما تسمح له أن يقتسم معها بعض المهام، ويشاركها فيها، تتغير مواقفه جذريا و يمسي أكثر إجادة لتفسير أعمالها وأكثر تبريرا لها، حتى إذا قلنا، مع القائلين، أن التفكير يتغير تبعا لتغير الطبقة التي ينتمي إليها الإنسان، وأن خطاب الجوع خطاب، و خطاب الشبع خطاب آخر، وأن للغضب من السلطة خطابا و للرضا بها، وعنها، خطابا. أقول لو قلنا ذلك، لكنا صادقين ولم نبالغ. و ربما كان وجه استغراب بعض الناقمين، أنهم يزعمون أن “الإسلامي” لا يكون إلا رافضا “للتطبيع” ومقاطعا لأهله، وهم على حق، ولكنهم يكونون على حق، فقط، إذا تعلق الأمر بالإسلاميين دون معقوفتين، والحال أن “الإسلاميين” اليوم لا يمكن النظر إليهم وإلى مشاريعهم، دون معقوفتين، أي بدون الشك والريبة، وهذا ما يفسر لنا الحذر الذي كان يطبع موقف عدد من المثقفين العرب، الذين كانوا يصرون على اعتبارهم “إسلامويين”، أي إسلاميين غير صادقين، واعتبار الإسلام الذي يبشرون به” إسلاما سياسيا” أي توجهه السياسة وتحدد مسلكه، ويبدو أن الزمن كان كفيلا ببيان نوع من صدق هذه الدعوى، التي كان يتمسك بها أولئك المثقفون الخصوم للإسلاميين، والذين كانوا يصرون على أن صراعهم معهم صراع سياسي، وسياسي فحسب، حتى وإن اجتهد “الإسلاميون” في التأكيد على كونه دينيا. ومما يزكي هذا الموقف أن تلك الجلسات “التربوية” التي ربي عليها أبناء التيار “الإسلامي” لم تثمر في بناء الشخصية الإسلامية، التي تتصلب في تبني مواقف الإسلام والدفاع عنها، يظهر ذلك ويتأكد في فشل هذه القيادات في ان تكون قدوة لغيرها من الأتباع والأنصار في التشبث بالشعارات والمبادئ. لقد كان الخطاب الإسلامي، كما دشنته عقول منظري الحركة “الإسلامية” على امتداد العالم الإسلامي، يعتبر أن النجاح في بناء الإنسان المسلم، مفتاح هام لإحداث التغيير المنشود، وأن جل التحديات التي يشكو منها العالم الإسلامي يمكن حلها بهذا الإنجاز، لقد كان المراد من تلك الجلسات “التربوية” هو ربط الإنسان “المسلم” بالله، وتحصينه بتقواه، واعتبار الإيمان بالله، والخوف منه، وازعا حقيقيا يمنع المسلم، الذي نشأ في تلك الحلقات والجلسات، من الانتهاء إلى ما انتهت إليه قياداته، ولكن إلى اي حد نجحت تلك الحركات في ذلك؟ الذي يبدو أن قواعد تلك الحركات، هي التي ظلت وفية لتلك الشعارات، وهي التي بقيت متمسكة بها، في حين أن الذين صنعوها، أو ورثوها وأسهموا في مزيد صياغتها وبنائها، قد صاروا إلى التخلي عنها، وهم يملكون القدرة على جعل تلك التحولات مقبولة ومبررة بقواعد الشرع وأصول فقهه، فتلك القيادات اكتسبت من الثقافة الشرعية ما يؤهلها للقيام بهذا النوع من المناورات، وبحوزتهم من الفتاوى الشرعية ما يناسب كل مرحلة.

إذا كان هذا واضحا بالنسبة لأولئك “الإسلاميين” فإن الذين ينتقدونهم ويسرفون في انتقادهم، يمارسون نفس الدور، ويقومون بنفس اللعبة، ويتبنون خطاب من يقع خارجها، أي اللعبة، ويرفعون شعارات من لا يتحملون أية مسؤولية، ولا يستفيدون من الريع كما استفاد اولئك، وإنهم إن تحملوا ما تحمل أولئك من المسؤوليات، فأغلب الظن، أن امتحانهم سيكون عسيرا عسرة امتحان أولئك، وأغلب الظن، أيضا، أنهم سيرسبون فيه كما رسب أولئك، إذ للدولة منطقها الذي يختلف عن منطق المعارضة والثورة.

بقي أن نشير أخيرا إلى الخسارة التي من الممكن أن يمنى بها هذا الحزب، فهل سيخسر هذا الحزب وينتهي؟ لا شك ان “إسلاميي هذا الحزب” سيخسرون قيمتهم في أعين المسلمين، وسيخسرون علاقاتهم مع التيارات والتنظيمات “الإسلامية” خارج حدود دولتهم، ولكن مكانتهم مع السلطة ستتعزز، وتقوى، وفرصهم في البقاء في مواقعهم، في الغالب، لن تتأثر.