“جار السوء” والاستثمار في الإرهاب والانفصال -(الجزء الثاني)

الوطن24/ بقلم: سعيد الكحل.

إن الجزائر لا تمثل “جار سوء” فقط بالنسبة للمغرب، بل لكل جيرانها. لهذا نجدها تتواطأ مع التنظيمات الإرهابية وتوظفها في تغذية نزعات الهيمنة على دول المنطقة. ذلك أن الجزائر لا تريد القضاء على الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء بدليل أنها رفضت توظيف قدراتها العسكرية ضد تنظيم القاعدة للقضاء عليه في مهده. الأمر الذي مكّن التنظيمات الإرهابية من إرساء قواعدها، خاصة في شمال مالي. بل إن التواطؤ الجزائري لم ينحصر فقط في رفض استعمال السلاح الهجومي الذي تكدسه ضد التنظيمات الإرهابية خارج الحدود، وإنما تجسد كذلك في معارضة تأسيس فرع قاعدة “أفريكوم” بالجزائر، أو استهداف الطائرات الفرنسية والأمريكية للعناصر الإرهابية على الحدود مع مالي أو داخل الجزائر. كما عملت الجزائر على تعطيل عمل لجنة عمليات الأركان المشتركة لدول الساحل CEMOC ومقرها تمنراست، والتي قال عنها وزير خارجية النيجر، في يونيو 2012، إنها “كانت في سبات منذ تأسيسها في أبريل 2010″. ومعلوم أن الوظيفة الأساسية لهذه اللجنة هي تعزيز التعاون العسكري والأمني، والتنسيق الاستخباراتي واللوجستي بين أعضائها (الجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر) وحشد الدعم لقوة مشتركة قوامها 75 ألفاً. وقد أدرك الأوربيون المناورات الجزائرية. لهذا، كما جاء في التقرير ” فقد تجاهل العديد من مسؤولي الاتحاد الأوروبي لجنة عمليات الأركان المشتركة لدول الساحل ولجنة الدمج والاتصال بوصفها قذائف فارغة تهدف إلى التصدّي للمنافسين الإقليميين (المغرب)، وتقوّض جهود الاتحاد الأوروبي في منطقة الساحل”. كما كشف تقرير مركز مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط لسنة 2012، عن وجود علاقات بين الجزائر وبين تنظيم القاعدة الذي أنشأته المخابرات الجزائرية وعيّنت على رأسه جزائريين. فالسياسة الجزائرية، كما ورد في التقرير” تبدو ممزّقة بين رغبة البلاد في اعتبارها والاعتراف بها كدولة إقليمية قائدة، وبين تردّدها أو عدم قدرتها على استخدام الأدوات المؤثّرة والفعّالة المتاحة لها للحفاظ على الاستقرار في فنائها الخلفي، والمساعدة على استعادة السلام عندما تندلع الصراعات”.  إن الجزائر، حسب التقرير، تدعم إياد أغ غالي زعيم جماعة أنصار الدين الإرهابية التي باتت موالية لداعش، لإضعاف حركة تحرير أزواد ومشروعها الانفصالي، لارتباطها بحركة القوميين الأمازيغ الجزائريين المطالبين باستقلال منطقة القبائل. ولا يخفي آغ غالي افتخاره، وفق نفس التقرير “بتوفرّه على مجموعة هائلة من مصادر المعلومات في باماكو والعاصمة الإقليمية الأكثر تأثيراً (الجزائر)، ويُعتقَد أن لديه تأثيراً كبيراً على الجماعات المسلحة. وقد استخدم هذه الشبكة من النفوذ، خصوصاً في الجزائر العاصمة، في صراعات سابقة وحقق نجاحات كبيرة”.

خلاصة القول، لا يمكن الرهان على تغيير جدري في مواقف الجزائر وإستراتيجيتها العدائية للمغرب طالما تقاطعت مصالح حكام الجزائر مع القوى الدولية الطامعة في خيرات الدول الإفريقية، خاصة منطقة الساحل والصحراء. فالجزائر، بتواطؤها مع التنظيمات الإرهابية تخدم أجندات تلك الدول التي تبرر تدخلاتها العسكرية في المنطقة بمحاربة الإرهاب. وهذا ما سبق وأكد عليه، في شهر نوفمبر 2009، عضو فريق رصد تنظيم القاعدة وحركة طالبان التابع للأمم المتحدة ريتشارد باريت بـ” إن إطلاق جبهة الصحراء والساحل ضمن ما تسمى بالحرب العالمية على الإرهاب وما تبع ذلك من توطيد تنظيم القاعدة وجوده في المنطقة، أمران مفتعلان. وثمة عامل مشترك بين كلتا المغالطتين وهو أن كلتيهما من صنيعة وتنفيذ جهاز المخابرات العسكرية الجزائرية (دائرة الأمن والاستعلام DRS) بمعرفة وتواطؤ الولايات المتحدة”. ويستدل السيد باريت على هذا التواطؤ بسرد بعض المعطيات كالتالي: “لقد تم التخطيط لجبهة صحراوية ضمن ما تسمى الحرب على الإرهاب، من قبل الجزائر وواشنطن في العام 2002، وبدأت عملياتها في أوائل العام 2003. ومثل خطف 32 سائحا في الصحراء الجزائرية في فبراير ومارس 2003 الحادث المحوري الذي برر إطلاق هذه الجبهة الجديدة. وبدت العملية في ظاهرها كما لو كانت من فعل المتطرفين الإسلاميين التابعين للجماعة السلفية للدعوة والقتال تحت قيادة عماري صيفي (الذي يعرف أيضا باسم البارا). غير أنه تبين لاحقا أن البارا كان عميلا لجهاز المخابرات العسكرية الجزائرية، وأن عملية “الراية المزيفة” التي نفذها تمت بالتواطؤ مع وزارة الدفاع الأميركية”. ويوضح السيد باريت تقاطع مصالح حكام الجزائر مع المصالح الأمريكية كالتالي:” أما كيفية ودواعي تطور هذه العلاقة المعقدة بين الولايات المتحدة وأجهزة الأمن الجزائرية فيمكن تلخيصها فيما يلي: بالنسبة للولايات المتحدة يمثل وجود الإرهاب، ملفقا كان أو حقيقيا، في منطقة الصحراء والساحل غطاء شرعيا لإطلاق جبهة جديدة في الحرب العالمية على الإرهاب في أفريقيا. وهذا بدوره، كما أوضح العديد من المسؤولين الأميركيين في وقت لاحق، من شأنه أن يبرر “عسكرة” أفريقيا (وهو ما تجلى في السماح بإنشاء قوة أفريكوم في العام 2006 وتأسيسها في العام 2008) كما يفتح الباب أمام التدخل الأميركي لتأمين مصادر النفط الأفريقية، أما بالنسبة للجزائريين فإنهم يأملون أن تمكنهم هذه العلاقة من الحصول على معدات عسكرية حديثة ذات تقنية عالية لتعزيز قدرات جيشهم المنهك، كما أن هذا يعيد الجزائر إلى مكانتها الدولية كحليف رئيسي لواشنطن في الحرب العالمية على الإرهاب”. وبالفعل تم التنسيق بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية على إثارة “الإرهابيين المفترضين” حيث لعبت الشرطة الجزائرية، حسب السيد باريت، “دور “وكلاء محرضين” وتسببت في أعمال شغب بمدينة تمنراست وتم تلفيق تهمة قتل ضد وزير من الطوارق بالنيجر لإثارة تمرد للطوارق هناك، بينما عبَر عناصر من المخابرات العسكرية الجزائرية مصحوبين بمائة من القوات الخاصة الأميركية، نقلوا سرا في رحلة جوية من شتوتغارت إلى تمنراست، إلى شمال مالي لدعم حركة تمرد للطوارق هناك لكنها لم تعمر طويلا”. إذن تنظيم القاعدة هو صناعة جزائرية بمباركة أمريكية، بدليل، كما جاء في تقرير السيد باريت “فجميع قادة إمارة الصحراء أي عبد الحميد أبو زيد، ويحيى جوادي ومختار بلمختار (بلعور)، مرتبطون بدائرة الاستعلام والأمن الجزائري. وقد كان عبد الحميد أبو زيد الرجلَ الثاني في الجماعة السلفية للدعوة والقتال عندما نفذت عملية 2003 بقيادة البارا (قتل أبو زيد من قبل القوات الفرنسية والتشادية في 25 فبراير 2013 في القتال شمال مالي). كما كان جوادي هو الآخر عضوا في فريق البارا، في حين تميزت علاقة بلعور بهذه الدائرة بـ “استقلالية أكبر”. “وباختصار، فإن إمارة الصحراء ليست إلا مظهرا جديدا يتجلى من خلاله نجاح هذه الدائرة الاستخباراتية في إنشاء الجماعات الإسلامية “الإرهابية” والتسلل إلى صفوفها”.