“جار السوء” والاستثمار في الإرهاب والانفصال -(الجزء الأول)

الوطن24/ بقلم: سعيد الكحل.
ستون سنة تمر على استقلال الجزائر دون أن تتمكن من تحقيق إقلاع اقتصادي ورفاهية للشعب الجزائري وشبانه الذين يفرون، عبر قوارب الموت، نحو الضفة الأوربية. لا تنقص الجزائر الموارد الطبيعية ولا السواعد البشرية لبناء اقتصاد قوي وأسس تنمية مستدامة، بقدر ما هي بحاجة إلى نظام سياسي مدني يعيد العسكر إلى الثكنات وحراسة الحدود. ذلك أن عقيدة جنرالات الجزائر تقوم على الهيمنة ومعاداة دول الجوار، وخاصة المغرب. لهذا ظل سعي حكام الجزائر حثيثا نحو إضعاف المغرب وزعزعة استقراره بكل الوسائل التي يستطيعون إليها سبيلا. فعقيدة العداء والتآمر على المغرب متمكنة من الطغمة الحاكمة بالجزائر ولا أمل في الخلاص منها إلا بقيام نظام مدني يقطع مع حكم العسكر ويعيد القرار السياسي للشعب. وما دام هذا الأخير ليس صاحب السلطة والسيادة، فإن إستراتيجية الجزائر ستظل قائمة على الهيمنة والتآمر بدل التنمية والتعاون. لأجل هذا يرصد حكام الجزائر، وعلى مدى العقود الستة، عائدات النفط والغاز لزعزعة استقرار دول الجوار عبر دعم الحركات الانفصالية بالمال والسلاح والدبلوماسية، وكذا التواطؤ مع التنظيمات الإرهابية لنفس الأهداف. فإذا استثنينا عائدات النفط والغاز التي تمثل 98 % من الناتج الإجمالي، فإن باقي المواد المصدرة بالكاد وصلت إلى 2 مليار دولار، رغم كونها تشمل الأسمدة المعدنية والكيميائية الأزوتية (618 مليون دولار)، والحديد والصلب (370 مليون دولار)،و المواد الكيميائية غير العضوية (343 مليون دولار )؛ فيما بلغت صادرات المواد الغذائية 287 مليون دولار، والسكر 206 م.د. أما المصنوعات المعدنية فلم تتجاوز 141 مليون دولار حسب آخر المعطيات الجزائرية الرسمية(صادرات المغرب من المنتجات الغذائية الفلاحية والبحرية خلال عام 2021 بلغت 68.4 مليار درهم مغربية أي حوالي 7 مليارات دولار). بينما تحتل الجزائر المرتبة السادسة عالميا من حيث الإنفاق العسكري بما يفوق 10 مليارات دولار سنويا، حسب تقرير نشره معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام حول الإنفاق العسكري، رغم أنها ليست في حالة حرب، بل هي من تفرض الحرب على جيرانها. وباعتبار عقيدة الهيمنة تقوم على زعزعة استقرار الدولة ودعم الانفصال والإرهاب، فإن الجزائر لا تهتم بتقوية وتطوير علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الدول الإفريقية، خاصة دول الساحل والصحراء، مثلما تهتم بتقوية نفوذها العسكري. ذلك أن حجم المبادلات التجارية بين الجزائر والدول الإفريقية لم يتجاوز 3 مليارات دولار سنة 2018، حسب المدير العام للوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية، شفيق شتي، تشكل منها الصادرات 1.6 مليار دولار فيما تستورد الجزائر 1.4 مليار دولار. ووفق نفس المسؤول، فإن 96 بالمائة من المبادلات التجارية تتم بين الجزائر و5 دول إفريقية فقط. ومن مفارقات النظام الجزائري أنه يقدم الأموال والرشاوى لحكومات إفريقية لا تربطها بالجزائر علاقات تجارية من أجل الاعتراف بعصابة البوليساريو، بدل إقامة علاقات شراكة تستفيد منها كل الأطراف. وإذا كان المغرب يحرص على تطوير علاقاته الاقتصادية والتجارية مع الدول الإفريقية على قاعدة رابح – رابح، فإن حكام الجزائر يصرون على الاستثمار في “هشاشة” الدول بدعم الانفصال والإرهاب. وما تعانيه إفريقيا هو هذا النوع من الاستثمار الخبيث، سواء من طرف قوى خارجية أو من أنظمة إفريقية باتت تمثل “جيران السوء” بالنسبة لبقية الدول. فقد نشرت عدة تقارير دولية تقديرات أولية تشير إلى أن “نحو 80 بالمائة من تكاليف الهشاشة – في نمو الاقتصاد الضائع – تتحمله البلدان المجاورة التي تعاني كثيرا من تأثير “جار السوء”، حيث ينخفض معدل النمو لكل دولة مجاورة. فمن الممكن أن تصل الخسائر الناجمة عن تأثير “جار السوء” إلى حوالي 237 مليار دولار سنويا (التقرير الأوربي ص 37). ومن الأمثلة على “جيران السوء” دعم نظام تشارلز تايلور في ليبيريا للمرتزقة والمتمردين في سيراليون بهدف السيطرة على مناجم الماس، ثم دعم الجزائر لانفصاليي البوليساريو بالمال والسلاح لضرب استقرار المغرب والسيطرة على الأقاليم الجنوبية لأهميتها الطبيعية والإستراتيجية. فحكام الجزائر جعلوا على رأس أولوياتهم إضعاف المغرب بكل الوسائل، بحيث أنفقوا على فلول البوليساريو، على مدى 46 عاما أكثر من 375 مليار دولار، حسب ما سبق وأكده السيد عمر هلال، الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، خلال كلمته أمام الهيأة الأممية في نونبر 2021. بل إن الجزائر استقدمت عناصر من حزب الله ومن عصابة “فاغنر” لتدريب مرتزقة البوليساريو على حفر الخنادق واستعمال الأسلحة الحديثة التي زودتهم بها إيران لمهاجمة المغرب. إن الجزائر لم تكتف بتسليح وتمويل البوليساريو وإرشاء الدول للاعتراف به ودفع الإعلام المأجور والهيئات المتاجرة بحقوق الإنسان إلى التشويش على جهود المغرب الإنمائية والدبلوماسية، بل شاركت مباشرة في معركتي أمغالا 1 و2، سنوات السبعينيات من القرن الماضي، والتي تم فيها أسر عشرات الجنود الجزائريين من طرف القوات المسلحة الملكية. كما ظلت الجزائر تمول انفصاليي الداخل وتحرضهم على القيام بالأعمال الإجرامية في حق القوى الأمنية وعموم المواطنين، مثلما وقع في مخيم “اكديم إزيك” حيث قتل المجرمون 11 عنصرا من القوات العمومية غير المسلحة في نونبر 2010. ولم يعد تورط الجزائر في استهداف المغرب بالتواطؤ مع التنظيمات الإرهابية أمرا سريا، بل كشف عنه تقرير لسفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالجزائر، حيث يبلغ فيه السفيرُ وزارةَ الخارجية عن إقدام النظام الجزائري، على التنسيق مع عناصر من تنظيم القاعدة بالصحراء الكبرى ومنطقة الساحل والصحراء من أجل استهداف مصالح المملكة المغربية الشريفة في الأقاليم الجنوبية المغربية، وضرب مخططات التنمية التي يتم تنزيلها بمدن الصحراء المغربية. كما نشرت قناة “ميدي1 تيفي” وثيقة من أرشيف اللجنة الوطنية الجزائرية للتضامن مع ما يسمى ب«الشعب الصحراوي» مؤرخة في 16 أبريل 2013، هي عبارة عن رسالة موجهة إلى إبراهيم غالي الذي كان يمثل آنذاك « البوليساريو» في الجزائر، تؤكد تورط حكام الجزائر في تمويل انفصاليي الداخل لتنفيذ مخططات التخريب كالتالي: « ارتباطا بموضوع الدعم المالي للمناضلين الصحراويين تتقدم اللجنة الوطنية الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي بسامي تقديرها لكم وتتشرف بإخباركم أنه وعلى إثر الاجتماع المنعقد يوم 14 أبريل 2013 في الجزائر العاصمة مع مسؤولي حكومتكم حول الدعم المالي المطلوب لفائدة المناضلين الصحراويين في الأراضي المحتلة قررت اللجنة الموافقة على تحويل المبلغ المطلوب من أجل مواكبة حملة الاحتجاجات التي ستنظم خلال الأسابيع المقبلة من طرف المقاومة الصحراوية المرجو منكم إخبار مسؤولي القسم المعني بهذا القرار».
لا يمكن للجزائر إذن، أن تتخلى عن نزوع الهيمنة والعداء، الأمر الذي يفرض على المغرب تحديث وتطوير قدراته العسكرية ومؤهلاته الاقتصادية لمواجهة أطماع “جار السوء” الذي لم يخْفِ مخططه الذي عبر عنه أحد المسؤولين الجزائريين في فيديو يوثق لحظة التخطيط والقرار كالتالي “إن الجزائر لا بد أن تكون زعيمة الدول الإفريقية وتبقى لها هذه الزعامة. بدا في الأفق من ينافسها فوجب عليها اتخاذ كل التدابير لإضعاف هذا المنافس القوي. يجب إضعافه سياسيا واقتصاديا وعسكريا أخيرا. هذا المنافس هو المغرب طبعا”. لهذا تسعى الجزائر، يائسة، إلى تطويق المغرب وخنقه؛ إذ لم تكتف بطرد 350 ألف مغربية ومغربي، سنة 1975، بعد أن جردتهم من كل ممتلكاتهم وشتت شمل أسرهم، أو بفرض حرب استنزاف طيلة خمسة عقود، أو بتسليح البوليساريو وتدريب عناصره وتمويلهم لمهاجمة المغرب، بل انتهى بها المطاف إلى وقف إمدادات الغاز عبر أنبوب المغرب العربي بهدف تفجير أزمة الطاقة بالمغرب، وقطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق أجوائها أمام الطائرات المغربية. بعدها لجأت إلى الضغط على إسبانيا قصد التراجع عن موقفها الداعم لمقترح الحكم الذاتي. وحين فشلت، لجأت إلى وقف العلاقات الجارية معها. لم يكف الجزائر المليارات التي حرمت الشعب الجزائري من منافعها بعد أن بذرتها في التسلح وإرشاء الحكومات ولوبيات الضغط للاعتراف بالكيان الوهمي للبوليساريو، بل دفعت الخسة حكامها إلى استغلال الوضع التونسي المنهار اقتصاديا واجتماعيا لضرب الروابط القوية بين المغرب وتونس وذلك بالضغط على الرئيس قيس سعيد قصد تخصيص استقبال رسمي لزعيم البوليساريو خلال منتدى “تيكاد8”.