حرب الإبادة التركية ضد الأكراد والموقف السوري
الوطن 24/ بقلم: سليمان الهواري
لقد فعلها أوردوغان حقا .. وهو يتصرف فعلا كخليفة للمسلمين ويستعمل كل البروباغاندا التي تليق بهذا المقام في اجتياحه لشمال وشرق سوريا ..
لقد أصبحت الحرب حقيقية في شمال سوريا والجيش المحمدي الذي ينطلق بتلاوته للقرآن يكتسح المدن والمناطق الكردية من الشمال إلى الشرق حتى الحدود مع العراق .. وحتى نحدد الموقف مما يقع نفكك المشهد إلى مكوناته الفاعلة في المنطقة وكل التفاعلات السياسية والعسكرية التي أفرزت هذا الوضع المعقد فعلا والذي يقترب من اقتراف جريمة كبرى تاريخية بمعيار الجينوسيد في حق مكون أساس هم الأكراد الذين يتعرضون لحرب إبادة حقيقية من طرف الجيش التركي ..
لقد كان اوردوغان واضحا من أول يوم أعلن ما سمي بالثورة السورية التي انحاز لها كليا ودعمها بكل ما يملك من المال والسلاح والتخطيط والجيش والمخابرات حتى تحولت تركيا إلى غرفة عمليات موسعة للإشراف على كل الفصائل التي تقاتل النظام السوري وفي مقدمتها الإخوان المسلمون وكل التنظيمات المتشددة التي سيطرت في البداية على أغلب المناطق والبادية السورية خاصة والمال السعودي القطري وضباطه مفتوح بلا حدود ودون حساب من أجل إنجاح مشروع العدالة والتنمية التركي كنموذج في كل المنطقة .. لقد تحولت خزائن قطر إلى ممون حقيقي لكل الثورات التي أعلنت هدف إسقاط الأنظمة الموجودة فيها من تونس وليبيا الى مصر واليمن والعراق واليمن وبالتأكيد ستكون سوريا بيضة القبان وفيها ينتصر كل المشروع أو يموت ..
حدثت أشياء كثيرة بين أحداث درعة وبداية مسلسل تفتيت الدولة السورية وتشتيت الشعب السوري ..
خلاصة ثماني سنوات من الحرب والإرهاب والموت في سوريا أن الجيش السوري وحلفاؤه تمكنوا من إفشال مخطط إسقاط الدولة وتقسيمها إلى كانطونات طائفية ومذهبية ..
من كان يسمع خطب القرضاوي في الدوحة ووعود أوردوغان بالصلاة في مسجد الأمويين الجمعة الموالية كان يعتقد أن سقوط النظام السوري وشيك لكنها السياسة والحرب والتحالفات الكبرى والمصالح الإستراتيجية من تحدد جغرافيا الحياة والموت في الأخير ..
فهل يمكن أن نقول أن النظام السوري انتصر .. جوابي لا فيكفي هذا الدمار الكارثي لكل الأرض السورية يكفي مئات آلاف القتلى من الشعب السوري تكفي ملايين النازحين بين مناطق سوريا تكفي ملايين المهجرين خارج سوريا إلى تركيا ولبنان وأوروبا .. كل هذا يكفي كي لا يكون النظام السوري منتصرا فلا يوجد نصر على الشعب مهما كانت الأسباب والدوافع التي تقود إلى الحرب الداخلية وخاصة إذا كانت بكل هذه الكارثية التي تجلت في جبال الحقد الطائفي التي كانت متجذرة في النفوس والتي ستعود للإقتتال ولو بعد قرن آخر مادامت جذور الأسباب باقية في النظام وفي الحزب القائد وفي الجماعات الدينية وفي المكونات الإثنية والدينية والعصبيات اللغوية المتعددة في سوريا ..
قدر الشعب الكردي شعب الجبال والقتال والشدة والجمال أن يعيش متشظيا بين حدود عدة دول لم تسعفه تاريخيا كي يؤسس دولته الواحدة ليظل فتيل اللااستقرار مشتعلا بما يقود إلى نزاعات وثورات بلا انقطاع غالبا ما قادت إلى مجازر ومذابح ذهب ضحيتها الآلاف من الأكراد في العراق وإيران وتركيا وسوريا أيضا .. ويمكن بوضوح الإشارة إلى ارتباط قيادات الأكراد تاريخيا بالمشروع الإسرائيلي الصهيوني الذي كانوا يستقوون به إلى أن تمكنوا من انتزاع شبه حكم ذاتي في شمال العراق انتهى باستفتاء للإستقلال انتهى بكارثة أجهضت كل مكتسبات الكرد في شمال العراق للخطء في الحسابات السياسية خاصة والجمهورية الاسلامية في إيران يستحيل أن تسمح بإسرائيل جديدة على حدودها ..
والأمر نفسه يتكرر في سوريا ففي خضم التنازع الدولي على سوريا ارتمى الأكراد كليا في الحضن الأمريكي الاسرائيلي في اتجاه انفصالي إلى أن سيطرت سوريا الديموقراطية وقواتها قسد على الشمال وشرق الفرات حتى وقت قريب بعد القرار الأمريكي بالتخلي عنهم كما تفعل أمريكا عادة مع كل من يثق فيها ويربط مصيره بمصيرها .. لقد استفاق الأكراد مؤخرا على هدير الدبابات التركية تجتاح معاقلهم ليعود الأكراد إلى مأساتهم التراجيدية الأزلية يحملون أطفالهم نحو مخيمات النزوح والشتات ..
هنا يأتي الحلم التركي الأوردوغاني الذي كان قد احتل مدينة حلب واستولى على مكونات مصانعها وأصبح يتحكم في كثير من المناطق السورية قبل أن تنقلب الكفة وتتدخل روسيا لمساندة النظام السوري وحلفائه الإيرانيين ومقاتلي حزب الله الذين يقاتلون جنبا مع بعضهم على طول خريطة الشام مما أدى إلى أفول حقيقي للحلم العثماني وفرض سيطرته على دمشق .. لكنها الحرب والتاريخ يقودان إلى اندحار حقيقي للأمريكيين في المنطقة بعد التطورات الكبيرة في العراق وظهور الحشد الشعبي الذي استطاع أن يحرر الموصل وتقريبا كل الجغرافيا العراقية من إرهابيي داعش المسنودين أمريكيا وخليجيا .. من كان يعتقد أن معبر البوكمال سيعود للنشاط العادي بين سوريا والعراق ؟ . . هنا تعيد أمريكا توزيع أوراقها وتعيد تشغيل بؤر فتنتها المستحكمة في كل عواصم المنطقة خاصة وأن من يحكمون في العراق مثلا لم يأتوا ببديل للشعب العراقي الغارق في الفقر والتخلف بينما الأحزاب والسياسيين والميليشيات والقبائل المسيطرة على الحكومة والبرلمان تغرق في الفساد وعائدات البترول اللامتناهية بما يقود إلى انتفاضات متكررة من البصرة إلى بغداد ولن تهدأ مهما جوبهت بعنف لأن أسبابها متوفرة وموجودة حقيقة والأمريكان جاهزون للدعم مادامت زعزعة العراق كي يظل ضعيفا و غير موحد هدف دائم للمحتل .. هنا تعيد أمريكا تدوير عساكرها لتنقل جنودها إلى السعودية للإبتزاز أكثر بداعي حماية نظام آل سعود المهدد في أرامكو والرياض وجيش الماريونيتات التي تسلم ألويتها للحوثيين في عملية نصر من الله .. أمريكا تقرر هنا التخلي عن الأكراد بمبرر أن الحرب عبثية ولا طائل من ورائها للأمريكان وكأنه مبرر للانسحاب من معركة سوريا الخاسرة وزرع فتنة أكبر فيها بعيدا عن أية خسائر مباشرة للجيش الأمريكي .. وعندما تتخلى أمريكا عن قوات سوريا الديموقراطية التي تحتجز الآلاف من معتقلي داعش عندها فإنما تخطط لتدير الإرهاب في المنطقة و تعميق المأساة السورية حقا ..
هل كان أوردوغان ليتجرأ على غزو الشمال السوري حقا لولا توافقات كبيرة مع الروس والأمريكان وحتى الإيرانيين وبرضى من دمشق حتى لو كانت التصريحات مناقضة لهذا الأمر ؟
ما معنى أن تتصرف الدولة السورية كشاهد على مجزرة لا تهمها و ثلاثين كيلومتر من الحدود التركية في سوريا يتم التهامها من طرف الجيش التركي وكل مكونات المقاتلين السوريين والأجانب المرتبطين به وتكتفي سوريا بالإدانة ورفع الشكاوي للأمم المتحدة تسجل خروقات الجيش التركي ؟..
هل يعقل أن تتصرف سوريا الدولة بمنطق التشفي والانتقام من الأكراد بدعوى أنهم لم ينسحبوا من مناطقهم لمصلحة الجيش السوري ؟ .. نعم هذا صحيح لكن سوريا هي الدولة الأم وهو الجيش الذي يفترض أن يحمي كل السوريين وكل الأرض السورية مهما كانت القيادات الكردية خائنة ومهما ارتكبت من جرائم في حق الدولة السورية ؟ هل يجوز هنا استعمال منطق فخار يكسر بعضو ؟؟ يقينا هذا لا يجوز في منطق الدول والشعوب الكبرى ..
والنتيجة مأساة حقيقية يمكن إجمالها في النقط التالية :
_ لقد شنت تركيا حربا حقيقية على سوريا وهي في طريق احتلال الشمال السوري وشرق الفرات التي تسيطر عليه قواتها بشكل كامل فهل الاحتلال للتركي أهون من الأمريكي كما يمكن أن تفكر إيران التي تعادي أمريكا أولا ويمكن لها نظريا أن تدخل في توافقات مع تركيا الأوردوغانية كما بينت كل مراحل الحرب السورية ..
_ رد الفعل العربي و الدولي ضعيف جدا بما يعني منح الضوء الأخضر لاستكمال العملية التركية في سوريا دون تبعات مكلفة ..
_ لحد.الساعة الدولة السورية تكتفي بالمتابعة والتنديد والبيانات رغم تواجد قواتها في المناطق التي تشهد معارك وقتل وذبح للأكراد ونزح جماعي للمقاتلين والمواطنين العاديين .. فما هو المنطق الذي يفترض أن السوريين يفكرون به ؟ هل هو إقرار بالدور التركي الذي لم يخف أبدا أطماعه في سوريا وهي لحظة المحاصصة فالتركي الذي يرى روسيا تتحكم في كثير من مفاصل الإقتصاد السوري وبواباته البحرية في طرطوس وحميحيم .. التركي الذي يرى النفوذ الايراني يتعاظم عسكريا واقتصاديا واستراتيجيا في سوريا هل يسلم بالأمر ويكتفي بمتابعة مشاريع أمريكا الفاشلة أم يوظف كل تشابكات علاقات تركيا من الحلف الأطلسي حتى صواريخ ايس 400الروسية إلى الاتفاقات التجارية الكبيرة مع طهران من أجل انتزاع نصيبه من الكعكة السورية .. وهنا يكون أوردوغان قدد حقق فعلا خطوة كبيرة واستراتيجية في عقلية الأتراك التوسعية في المنطقة وفي نفس الوقت يكون قد وجه ضربة قاتلة للمعارضة الكردية في الداخل ومعها يكون قد أنجز مهمة تخدم أيران والعراق وسوريا في موضوع الإنفصال الكردي في هذه البلدان ..
لا جدوى من القول الأن أن محرك أوردوغان الآن هو إعادة تطبيق معاهدة أظنة مع السوريين فالموضوع أخطر .. وتركيا العثمانية الآن تنجز للأتراك استكمال ما بدأته في منطقة الاسكندرون التي لازالت تحتلها منذ أيزيد من قرن .. وقبل أن يكون هناك شيء اسمه إسرائيل بالنسبة لمن يبررون جريمة الأتراك بمتع قيام دويلة كردية اسرائيلية على حدود تركيا وكأن تركيا لا تربطها علاقات ديبلوماسية متينة مع إسرائيل والعلم الصهيوني يرفرف في أنقرة واسطنمبول ..
فهل سينتظر النظام السوري قرنا آخر ليحرر الشمال السوري وشرق الفرات ومنطقة الاسكندرون التي تم تتريكها بالكامل ؟ ..
إنها جريمة إنسانية يقترفها الجيش العثماني التركي في حق الشعب الكردي المسلم الذي يعيش قدر خيانات قياداته التي باعته في مزادات الحدود بين الدول ..
وليس من حل إلا أن تتحمل سوريا الدولة والجيش والحلفاء كل المسؤولية في حماية جزء من الشعب السوري يتعرض للإستئصال والتصدي للهجمة الأتاتوركية التي ستكلف سوريا غاليا وزمنا طويلا قد يطول لقرون في استرجاع وحدة أراضيها وشعبها بكل مكوناته المذهبية والدينية واللغوية ؟؟
والبداية التي لا محيد عنها التأسيس لدولة سورية مدنية ديموقراطية علمانية تتسع للجميع ويحكمها القانون والدستور ..