حل النزاعات المالية بين الزوجين من خلال دعوى الكد والسعاية
الوطن 24/ * نزهة مسافر
تنص المادة 49 من مدونة الأسرة على أنه:
“لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية، الإتفاق على إستثمارها وتوزيعها. يضمن هذا الإتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج.
يقوم العدلان بإشعار الطرفين عند زواجهما بالأحكام السالفة الذكر.
إذا لم يكن هناك اتفاق فيرجع للقواعد العامة للإثبات، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة”.
لقد فسر العديد من الباحثين الفقرة الأخيرة من هذه المادة بكونها تحيل مباشرة على الكد والسعاية وهو عرف قديم موجود في العديد من المناطق الجبلية وبالأرياف، وبمقتضاه تأخذ المرأة نصيبا معينا من مال زوجها إن طلقها أو توفي عنها، متى أثبتت مساهمتها في تنمية ذلك المال، وقد اصطلح على تسمية هذا النصيب بسعاية الزوجة أو تامازلت حسب المصطلح الأمازيغي.
لكن، ما هي الأُسس والأركان التي يجب أن تنبني عليها دعوى الكد والسعاية حتى تكون سليمة سواء من حيث الشكل و الموضوع ؟ وهل لها من أثر أو حجية في حالة انصبابها على عقار محفظ ؟
1) الأركان الجوهرية لدعوى الكد والسعاية:
ويمكن إجمال هذه الأركان فيما يلي:
أ- تاريخ بداية العلاقة الزوجية وتاريخ انتهائها: سواء بوفاة أو طلاق.
ب- ممتلكات كل طرف ووضعيته المالية أثناء فترة الزواج.
ت- الصداق المقدم للزوجة: مقداره مآله (لأنه في بعض الأحيان قد تساهم به الزوجة في إقتناء ما يمكن أن يشكل بداية لتأسيس بيت الزوجية).
د- ما أحضرته الزوجة من متاع أو أثاث لبيت الزوجية: وهو المعروف لدينا بالشوار.
ذ- عمل كل طرف و مداخيله وكذا تحملاته ومصاريفه.
ث- نوع العمل ببيت الزوجيه وتدبير شؤونه: لأن العمل المنزلي في البادية يختلف عن مثيله في المدينة.
ج- التسلسل التاريخي للممتلكات التي تم اقتناؤها خلال الحياة الزوجية ومصدر ثمن شرائها.
ح- ضبط رأس المال ودوره في تكوين ثروة الأسرة أثناء قيام العلاقة.
و- ضبط دور العمل أو مقابله في تكوين أو المساهمة في ثروة الأسرة.
ه- ضبط وسائل الإثبات بشأن المدعى فيه، مع الأخذ بعين الاعتبار القواعد الخاصة للإثبات ومدى حجية كل وسيلة.
و إحترام هذه الأركان يكسب دعوى الكد والسعاية في حال ثبوتها شرعية و حجية لفائدة المدعي، إذا ما كان يرمي من ورائها إلى الحصول على مقابل أوتعويض عما بذله من كد في بناء وتنمية ثروة الأسرة، لكن ماذا سيكون الوضع حين يرمي من خلالها -وفي غالب الأحيان يكون المدعي هو الزوجة- إلى تسجيلها في الرسم العقاري للمدعى فيه ؟
2)مدى حجية دعوى الكد والسعاية حين تنصب على عقار محفظ بإسم المدعى عليه:
في قرار بارز لمحكمة النقض، مؤرخ في 05/3/1998 تحت عدد 1520، جاء فيه أن: “العقار المدعى فيه محفظ وأن المطلوب في النقض هو المسجل برسمه العقاري كمالك وحيد، وبذلك فلا أثر لما تدعيه طالبة النقض من حقوق عينية -أي نصف العقار المدعى فيه- مادامت غير مسجلة على الشياع في الرسم العقاري، إعمالا لمقتضيات الفصل 67 من قانون التحفيظ العقاري”.
لكن، وكما ذهب إليه ذ/الحسين الملكي في مؤلفه “نظام الكد والسعاية” في تعليقه على القرار أعلاه – والذي نشاطره نفس الرأي- فإنه يتعين التفرقة في إطار قواعد نظام التحفيظ العقاري بين مبدأين: مبدأ التحفيظ في حد ذاته والذي يطهر العقار من أية حقوق عينية مدعاة بشأنه قبل التحفيظ، وبين مبدأ حجية التقييد على الرسم العقاري التي تسمح بأن تكون للشخص حقوقا عينية على الرسم العقاري، ويمكنه تقييدها رضائيا مع المُقيد على الرسم العقاري، أو من خلال مقاضاته لإستصدار سند تنفيذي بذلك، وهي حقوق نظمها المشرع كما نظم الإجراءات المسطرية الخاصة بها، كحق إجراء تقييد إحتياطي مؤقت يصدره المحافظ على الأملاك العقارية نفسه، أو حق إجراء تقييد إحتياطي مؤقت ومحدد المدة بناء على أمر من رئيس المحكمة، أو كحق إجراء تقييد احتياطي بناء على مقال يرفع إلى قاضي الموضوع، وفي هذه الحالة الأخيرة، وبصدور حكم نهائي يقضي بثبوت الحق العيني في مواجهة المدعى عليه، فإنه يتم تسجيل ذلك الحق على الرسم العقاري، وعليه فإن حق الكد والسعاية يمكن أن يدخل في زمرة الحقوق القابلة للتقييد الإحتياطي وفق إحدى الصور سالفة الذكر.
كان حريا بالمشرع المغربي أن ينص وبفصل قانوني مستقل وصريح على حق الكد والسعاية، لا أن يضمنه بشكل مستتر في الفقرة الثانية من المادة 49 من مدونة الأسرة، وذلك بإعتباره من العادات الأصيلة المتجذرة في العديد من المناطق المغربية، على رأسها منطقة سوس، وأفتى به معظم فقهائها، وأقر به القضاء في العديد من أحكامه، خاصة وأنه يحقق ما أتت به روح الشريعة الإسلامية في تكريس المساواة الإجتماعية بين الرجل والمرأة، ونبذ فكرة دونية هذه الأخيرة في المجتمع، مشكلا بذلك حافزا مهما ومشجعا على مساهمتها في بناء أسرتها وهي مطمئنة على حقوقها وخاصة المالية منها، بعد أن تكون قد قضت أشواطا من عمرها في تنشئة أسرة تكون هي نواة مجتمع صالح وسليم.
كما أن إفراد هذا الحق بفصول قانونية صريحة سيعطي لا محالة للقضاة والمحامين أرضية صلبة لإعداد دعاوي منصفة، وبالتالي سيؤسس لعمل قضائي متواتر وملزم لكافة درجات التقاضي وفي مختلف المحاكم بدون إستثناء، خاصة إذا ما علمنا أن المادة 49 من المدونة في فقرتها الأولى قد بقيت حبيسة الورق ولم تجد تطبيقا عمليا لها إلا في حالات قليلة جدا، وهو ما تؤكده الإحصاءات المتحصل عليها من بعض المحاكم، بحيث لم تتجاوز حالات الزواج التي تم بشأنها تحرير وثيقة مستقلة تتعلق بتدبير الأموال الأسرية رؤوس الأصابع، وهو ما تؤيده آخر الإحصاءات الصادرة عن وزارة العدل بهذا الشأن، والتي تشير إلى أن 15.5 في المائة فقط من الأزواج الذين أبرموا عقود زواجهم سنة 2009 وقعوا هذه الوثيقة، بعد أن كانوا 22.2 في المائة سنة 2008، وهو أمر راجع بالأساس إلى ثقافة المجتمع المغربي وتقاليده، والتي تجعل طرفي العلاقة الزوجية يستحيان إن صح التعبير من الإتفاق على كيفية تدبير مال الأسرة عند إبرامهما للزواج، فيما يفسره البعض بأنه إنعدام ثقة منذ البداية من الطرف الذي يطالب بتطبيقه، ما لم نقل أنه يعتبر نذير شؤم لدى البعض الآخر، ويبقى تفعيل حق الكد والسعاية وإعطائه السند التشريعي اللائق به هو الحل لضمان حق كل طرف في العلاقة الزوجية في المال الأسري.
*عضو المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب
تعليق واحد