حميدو الديب… من بارون مخدرات في المغرب إلى رجل زاهد في الدنيا.

على رصيف أحد شوارع طنجة، يمشي حميدو الديب بخطى هادئة، مبتسماً للبعض، متجاهلاً نظرات الفضوليين، وكأنه لم يكن يوماً أحد أشهر رجال المخدرات في المغرب. كان اسمه يثير الرعب في أوساط المهربين، لكنه اليوم يعيش في الظل، بعيداً عن عالم النفوذ والثراء الذي صنعه ذات يوم.

ولد أحمد بونقوب، المعروف بحميدو الديب، في منطقة المنار شرق طنجة في بداية الخمسينيات، وسط بيئة متواضعة لم توحِ أبداً بأنه سيصبح أحد أباطرة المخدرات في المغرب خلال تسعينيات القرن الماضي. بدأ حياته في نقل البضائع، لكنه سرعان ما دخل عالم الحشيش، فبات حلقة وصل بين فلاحي كتامة والأسواق الأوروبية. في غضون سنوات قليلة، كوّن إمبراطورية مالية ضخمة قُدرت بمليارات السنتيمات، ووصل إلى مستويات غير مسبوقة من السلطة والنفوذ.

كان لحميدو الديب علاقات واسعة مع كبار تجار المخدرات في العالم، حتى أن بابلو إسكوبار، زعيم كارتل ميديلين، زاره في طنجة عام 1987، حيث أهداه فيلا فاخرة في حي مرشان، والتي أصبحت لاحقاً مقراً لاجتماعات كبار المهربين في المغرب.

ما ميز حميدو الديب لم يكن فقط تجارته في المخدرات، بل أيضاً شبكة نفوذه التي امتدت إلى مختلف الجهات، ما جعله فوق المحاسبة لسنوات. علاقته بالسلطات المغربية كانت معقدة، إذ لعب أدواراً مزدوجة وساهم في تقديم معلومات أمنية ساعدت في تفكيك بعض الشبكات الإجرامية.

لكن في منتصف التسعينيات، تغيرت المعادلة، إذ أطلق الملك الحسن الثاني حملة تطهير واسعة ضد أباطرة المخدرات في المغرب، وكلف وزير الداخلية إدريس البصري بالإشراف عليها. أصبحت ثروة الديب هدفاً للحجز، وبدأت عملية تصفية الحسابات. ووفقاً لما صرح به لاحقاً، فقد اضطر للاختباء لثلاثة أيام في وعاء نفايات، قبل أن يتم القبض عليه سنة 1996، ويُحكم عليه بالسجن عشر سنوات، مع مصادرة ممتلكاته التي بلغت حوالي 40 مليار سنتيم.

قضى حميدو الديب سبع سنوات في السجن قبل أن يحصل على عفو ملكي عام 2003. لكنه خرج شخصاً مختلفاً تماماً، بعيداً عن عالم المال والسلطة، واتجه نحو حياة أكثر هدوءاً. منذ الإفراج عنه، أصبح يكرس وقته للعبادة والأعمال الخيرية، حيث دعم تمويل دار القرآن في منطقة القصر الصغير، وساهم في تحسين ظروف العائلات المحتاجة.

خلال جائحة كورونا، انتشرت شائعات عن وفاته، لكن الحقيقة كانت أنه يعيش في عزلة شبه تامة، يحرص فقط على الذهاب إلى المسجد، وقراءة القرآن، مبتعداً تماماً عن ماضيه.

احميدو الديب رفقة مدير مكتب “الوطن24” في طنجة.

اليوم، أصبح حميدو الديب مجرد ذكرى في أذهان جيله، بينما يمر عليه الشباب في شوارع طنجة دون أن يعرفوا قصته. تحوّله من أحد أخطر تجار المخدرات في المغرب إلى رجل متدين يطرح تساؤلات عديدة عن مصير النفوذ والثراء عندما تنقلب الموازين. هل كان التغيير قناعة أم ضرورة؟ هل ترك الماضي وراءه فعلاً، أم أنه لا يزال يطارده؟

مهما كانت الإجابة، تبقى قصة حميدو الديب نموذجاً للصعود المدوي والسقوط المفاجئ في المغرب، لكنها أيضاً شهادة على أن الحياة قد تمنح فرصة ثانية، حتى لمن كانوا في قلب العاصفة.