خراب الدول بين التاريخ والسياسة
الوطن 24/ بقلم: عبد القادر العفسي
يبدو من تنظيرات “ابن خلدون” للدولة بقوله: “الملك بالجُند، والجُند بالمال، والمال بالخراج، والخراج بالعِمارة، والعِمارة بالعدل، والعدل بإصلاح العامل، وإصلاح العامل باستقامة الوزراء”، ثم نعاود تفكيك الكتابات مرة أخرى حيث يخبرنا أن للدول زمنا دائريا كحالة الصبا والشيخوخة بالتالي النهاية الحتمية أي الخروج من دائرة هذا الزمن، خاصة حين يُشير ويزاوج الدولة بين “جيل التأسيس وجيل الانهيار والخراب”، ومن خلال هذا التشخيص والتوصيف يمكن لنا أن نركز على الزمن الأخير ونهايته الدائرية لتبرز لنا مؤشرات الخراب والدمار والنهاية من خلال مرآة المجتمع بوقعنا الملموس من تمظهراتها:
اغتراب العقل والمنطق، سمو الباطل عن الحق، موت الأمل يُقابله انعدام الحلم، موت الإنسان وتلبس المؤامرات والدسائس وجعلها كطبيعة إنسانية، سيادة الظلم واختفاء الحاكم، بروز النشاز من شواذ وشعراء الوهم والصعاليك والانتهازيون والمداحون وماسحي الأحذية وسماسرة الفاحشة، سقوط الأقنعة وتغيير الدين للتشبث بالسحرة وضاربوا المندل وقارئو الطالع، بروز القوّلين وسيادة الإشاعة والعمالة، يتاجرون بالنفط الروسي الرخيص فيُباع للمواطن كما يُباع نفسه للاروبي، تُصبح كلمة الوطن مضحكة ووهن هي فقط للمزايدات لسرقة والنهب والفساد يختص بها أبناء الدولة بل محطة بنزين للهرب والسفر والامتصاص، يضيع الحق ويصبح الخطيب ومسؤولي الدين عبارة عن نصابين وتجار المخدرات والعقار والإفساد، تعسف المسؤول والحاكم بالابتعاد عن الاستظلال بالله وشرائعه والقانون المتعاقد علية …
بالتالي، أن كل حركة أو إشارة أو توجيه أو قانون يصدر عن المسؤولين يُعتبر في مهام تدبير الدولة وكل تطبيق لكل هذه الأشياء هو ممارسة لسياسة معينة …ويُخبرنا التاريخ دائما أن الدول لا تسقط فقط نتيجة ضُعفها الاقتصادي أو نتيجة هجوم استعماري كيفما كان لونه .. إلا إذا توفرت شروط وبنية تساعد على ذلك ف :
– الدولة العباسية: سقطت أمام قبائل البدو التتارية رغم أنها إمبراطورية منظمة، بل لأن ساستها والقائمين على أمرها تركوا أمرها لنخب كان يهمها الاغتراف من أموال الدولة ونهب الشعوب بالخرجات والمكوس والضرائب تحسبا للغد، حتى تطورت كرة الثلج من غد إلى غد ليقف التتار على أبواب بغداد !
– الاتحاد السوفيتي: سقطت ليست لكونها ضعيفة عسكريا أو تهالكت اقتصاديا، بل فقط حين تسربت أوليغارشية جديدة و عملاء للغرب (وعلى رأسهم عميل “المخابرات المركزية الأمريكية” كوزير القوى العاملة المقيم حاليا بواشنطن) والذي بقي في مركزه لمدة 18 سنة، فقد كان يُعين العناصر الغير الكفوئين من الموظفين في وحدات الإنتاج السوفيتية حيث يقوم بتغير التخصصات ويُبعد كل فكرة تجديدية أو كفاءة إلى مناطق أو تخصصات ليست لهم !
إن المغرب بهذا الهيكل السياسي الهزيل و سوء الإدارة بدا يأخذ هذا الطريق، هناك الفشل و قلة الخبرة في إدارة الدولة هناك تلاشت الأمل و هناك محاولات لتخريب ممنهج لثقة الدولة، هناك أوليغارشية مرتبطة بالغرب وبالخارج لا هم لها إلا جمع الأموال ونهب الخيرات بلاد، هناك تعيينات لأشخاص لا كفاءة لهم، هناك تأهيلات لأشخاص بدبلومات وشواهد من الخارج دون تحصيل علمي حقيقي مقابل الأموال للتأهيل السياسي، هناك إقصاء لأبناء الوطن الحقيقيون … هناك استمرار وعودة لأبناء عملاء الاستعمار، هناك تقسيم مغلق للثروة الوطنية، هنالك انفصام بين مؤسسات تحمي الوطن (الجيش، الأمن، الدرك) وبين المستوى السياسي بل هناك نيات لتخريب حتى هذه المؤسسات الثابتة لحد الآن ( حملة أقطاب أحد الأحزاب على مؤسسات الدرك للتغاضي تنسيقهم – أي الأقطاب السياسية – مع أباطرة المخدرات في الشمال مثلا) .
هناك وهناك أشياء كثيرة من الصعب أن تمر من تحت القنطرة… لن أتحدث عن الحكومة ورئيسها ولا عن المحروقات وغلاء الأسعار ولن أتحدث عن القدرة الشرائية للمغاربة وإعدام الطبقة الوسطى التي هي صمام الأمان للدول، لن أتحدث عن المحاصصة في مؤسسات الدولة ولا عن كثرة الثقوب لتفريغ أموال الدولة وأموال عمومية بدون لازم ..
لن أتحدث عن الفساد (الجماعات، والعمالات، الجهات) ولن أتحدث عن بلد فلاحي بدون خضر وفواكه في المتناول! ولا عن تهجير الثروة السمكية، ولن أتحدث عن النهب المنظم للأراضي السلالية وأراضي الدولة… بل سأتحدث فقط عن أمل في وطن مستقر وقوي يضم الجميع عن التوزيع العادل للثروة عن الحماية الاجتماعية عن الصحة عن الأرامل عن الأيتام عن الأمهات العازبات عن التعليم عن هجرة الأدمغة والخيرات والخبرات الوطنية… وعن ضرب مقومات السيادة والأمن الاقتصادي للبلاد، عن تفريغ المجهودات الجبارة وللاستثمار العمومية من أي انعكاس اجتماعي…
سأتحدث عن معنى “تمغربيت” …