دورالمشاريع الكبرى في إنجاح الجهوية المتقدمة وتحقيق العدالة المجالية
الوطن24/ بقلم: محمد أهيري
لا يستقيم الحديث عن إنجاح مشروع الجهوية المتقدمة دون تحقيق الإنصاف أوالعدالة الترابية، وحتى يتم تحقيق ذلك لا بد من تفعيل ما جاءت به المنظومة القانونية والتدبيرية والسياسية بالمغرب، وبالتالي الوصول إلى نموذج تنموي عماده العدالة الإجتماعية كما جاء في جل الخطب الملكية.
وتكتسي العدالة المجالية أهمية في توطيد المسارالديمقراطي وتحقيق التنمية المستدامة، إذ تعتبر مدخلا أساسيا لإحقاق العدالة الإجتماعية بما يكرسه من توزيع متوازن للإستثمار، وتوزيع عادل لكل ما تزخر به بلادنا من ثروات طبيعية وطاقات بشرية، وأيضا الإستفادة من الخدمات العمومية، وما تتطلبه من تغطية عادلة للمرافق العمومية.
أولا : أسس نجاح الجهوية المتقدمة وتحقيق العدالة المجالية
من أولى الأسس التي ستساعد في إنجاح الجهوية المتقدمة والعدالة المجالية، ما جاء في الوثيقة الدستورية خاصة الفصل الأول »التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة« حيث جعل من التنظيم الإداري والسياسي للمملكة يقوم على المجال الترابي، وكذلك دسترة الجماعات الترابية في الباب التاسع المخصص للجماعات الترابية جعل الجهة في صدارة.
بالإضافة إلى تفعيل الأليات التدبيرية الدستورية المتعلقة بتدبير الشأن العام الوطني، خاصة ما جاء في الفصل 154 بشأن المساواة بين المواطنين في الإستفادة من خدمات المرفق العمومي الوطني، وبين المجالات الترابية من خلال التغطية الشاملة لنشاطها كما هوالحال لقطاع السكك الحديدية الذي يعتبرمرفقا مهما في الحياة الإقتصادية والإجتماعية لكل المواطنين، وإخضاعها لمعاييرتدبيرية تتحلى بالجودة والشفافية، وتفعيل المراقبة والمحاسبة على النتائج.
فضلا عن ما جاء في القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية خاصة الفصل 137 من الدستور حيث تساهم الجهات والجماعات الترابية الأخرى في تفعيل السياسة العامة للدولة، وفي إعداد السياسات الترابية، وكل البرامج والخطط التنموية بواسطة مجموعة من الوسائل سواء كانت قانونية أو تدبيرية أو مؤسساتية.
وهناك آلية أخرى مهمة نصت عليها كل القوانين التنظيمية المتعلقة بالتدبير الترابي، وهي المقاربة التشاركية في تدبير شؤون المواطنين، وهي شكل جد متطور من نظام اللامركزية، ووسيلة ديمقراطية مثلى لإشراك الساكنة في تدبير شؤونهم من خلال مؤسسات جهوية ومحلية تحظى بصلاحيات واسعة وإمكانيات بشرية ومادية هامة دون المس بسيادة وكيان الدولة.
فالمقاربة التنموية الجديدة التي دخل المغرب غمارها أصبحت تتطلب الإنتقال من تنظيم مركزي مفرط مبني على البيروقراطية إلى نظام قائم على الحكامة الجيدة والمقاربة التشاركية وتدعيم سياسة القرب مع المواطن والمجتمع المدني، وقد سبق للملك مرارا أن عبر في خطاباته العديدة عن ضرورة جعل الجهوية المتقدمة قاطرة للعدالة التنموية.
بالإضافة إلى الأسس السابقة هناك أهم مؤسسة مؤثرة في تدبير الشأن العام الوطني وهي المؤسسة الملكية التي ما فتئت تنادي بالإهتمام بالتنمية البشرية والعدالة بين مختلف المجالات الترابية بالمملكة، وآخرهاته النداءات خطاب المسيرة الخضراء. إن التفكير الإستراتيجي للملك ينم عن الإهتمام البالغ في ضمان وتأمين وحدة البلاد سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا وثقافيا…وللوصول إلى نتيجة فعالة لابد من توفر موارد مالية وبشرية لتطبيق هذه الإستراتيجية.
وتعتبرالعدالة المجالية مدخلا أساسيا لتفعيل وترسيخ دولة الحق والقانون كما جاء في تصدير الدستور »…دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص… « فالديموقراطية ودولة القانون تساهم في تحقيق الأمن والإستقرار، وتفعيل التنمية المستدامة. والعدالة المجالية والاجتماعية تتحقق انطلاقا من الاستثمار الفعال والتوزيع العادل والمتوازن للثروات وثمارالنمو بالتساوي بين المجالات الترابية، ومن مقومات التوزيع العادل والمتكافئ للتنمية هو الإستغلال الإمثل للثروات الطبيعية والطاقات البشرية، وطرق الوصول إليها.
ثانيا: مظاهر نجاح العدالة المجالية والإجتماعية:
تتجلى أهمية الإستراتيجية الملكية في الربط السككي بين مختلف المناطق والأقاليم الجنوبية، فضلا عن التجهيزات والبنيات التحتية الأخرى التي ستغطي كل هذه المناطق في عدة مظاهر:
من حيث التنمية الإقتصادية، فإن السكك الحديدية ومختلف البنيات التحتية تعد بمثابة الشرايين الرئيسية للنشاط الإقتصادي في أي منطقة أو إقليم، وقد ساهمت منذ القدم، وبدرجة ليس لها مثيل في القرن 21 في خلق ثورات في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة، بل وفي كل انجاز ونشاط بشري. كما تتجسد أهمية هذه المشاريع في تقليص المسافة الموجودة بين مناطق، وتمكينها من إستغلال الموارد والثروات التي تتوفرعليها بشكل أفضل يتيح تأهيل هذه المناطق لتصبح منتجة.
وبالتالي فان هذه المشاريع ستمكن من تنمية المناطق التي تعبرها شبكة السكك الحديدية والتي سيتم ربطها بباقي الجهات والمناطق، وإعطاء فرصة المنافسة والإستفادة لبعض المناطق المهمشة أوما يطلق عليه بالمغرب الغيرالنافع. ثم تمكين هذه المناطق من الإنفتاح على أسواق محلية ووطنية، وحتى دولية خاصة في إفريقيا من أجل تصريف كل المنتوجات المحلية والمساهمة في الرفع من الإنتاجية والموارد المالية، وكذلك المساهمة في تحريك عجلة التنمية البشرية خاصة فيما يتعلق بخلق فرص للشغل ومشاريع مدرة للدخل، ومواكبة النموذج التنموي الذي أشار إليه الملك.
ومن بين المجالات التي ستستفيد من هذه المشاريع هو مجال السياحة الذي يعتبر عصب الإقتصاد المغربي، ولكن بصفة أقل على مستوى الأقاليم الجنوبية، وبهذا فإن هذا التفكيرالمنطقي للملك سيعمل على تطوير المنتوج السياحي والتعريف به محليا وعالميا وإقليميا بشرط إستغلال القرب الجغرافي للأقاليم الجنوبية بافريقيا، والمكتسبات السابقة للمملكة.
ولا يقف الأمرعند التنمية الإقتصادية فقط بل يتعداها إلى ما هو أهم وهو ربط وصلة الرحم بين المواطنين بالأقاليم الداخلية والشمالية وأبناء الاقاليم الجنوبية، اذ تساهم شبكة السكك الحديدية في تحسين جودة التنقل ونقل الأشخاص والسلع بين جميع المناطق، وخلق الترابط السهل والسريع، وتقريب المسافة وربط الإتصال والتواصل بين جهات ومدن ومختلف المناطق المتباعدة في المملكة.
فالمرتكزات البشرية والسياسية هي المسؤولة عن تحديد مسارات البنيات التحتية، وكثافتها وحجم الحركة، وهي تمثل مرآة لتقدم الأمم أو تخلفها على مستوى مختلف المجالات، وأمام باقي دول العالم والمنظمات الدولية، فالسكان والنظام السياسي والإداري وكل الإستراتيجيات الوطنية كلها محددات اساسية تسهم إسهاما فاعلا في تحديد وتطوير وتحديث هياكل الدولة.
هذه الشبكة السككية ستساهم في تقليص الفارق الزمني وتجعل من الرحلة سهلة وتساعد على ربح الوقت والجهد، والنتيجة من تطوير شبكة السكك الحديدية هي مساعدة السكان على الإستقرار وازدياد أعدادهم بشكل واضح في مناطق مختلفة، لأن الطلب على هذه المشاريع تزداد بازدياد كثافة وتكاثر السكان، وازدياد حاجاتهم إلى وسائل النقل، وبذلك تساهم في خلق عملية الترابط الإجتماعي وزيادة التطور الحضاري فيها من خلال الإتصال بين المناطق المختلفة.
أما على المستوى السياسي والذي يهمنا كمغاربة فان هذه المشاريع التي نادى بها الملك تعد من الركائز الأساسية في نشأة الدول ووحدتها وتماسكها، وصيانة وتلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية كما جاء في تصديرالوثيقة الدستورية، وشغلها لنطاقها الإقليمي في شكل متوازن مع باقي الدول. فالسكك الحديدية كجزء مهم من البنية التحتية تعتبر عاملا من العوامل الموحدة للدولة، وهذا ما يسعى إليه المغرب بقيادة الملك من خلال العمل على ربط كل أجزاء المملكة من الشمال إلى الجنوب كما جاء في المخطط الوطني المتعلق بالطرق السيارة في أفق 2030 ولما لا في مجال السكة الحديدية حيث ستتصل مدن الجنوب بالشمال، وبالتالي مواجهة أعداء الوحدة الترابية وتفعيل الجهوية المتقدمة التي انخرط فيها المغرب منذ سنوات.
ويمكن القول أن البنيات التحتية تقدم وظائف إستراتيجية وسياسية مهمة فمن جهة تعمل شبكة النقل بمختلف انواعها على تقديم تسهيلات لفائدة السلطات المركزية أو الدولة من اجل إحكام السيطرة على كل أجزاء الوحدة السياسية للبلاد، وبالتالي تعزيز وبسط نفوذها، وتطبيق القانون والعدالة بانتظام. ومن جهة ثانية فإن شبكة النقل والنقل السككي خاصة توفر تنسيق واسع المدى لهذه الشبكة في تأثيرها على الأنشطة الإقتصادية والحضارية في اطار الوحدة السياسية.
ولكن تدبير الشأن العام ليس بالأمر الهين خاصة في وجود نخب مهترأة على المستوى الترابي لا تساهم الى جانب فواعل أخرين في النهوض والرقي بالمجال الترابي، إضافة الى ندرة الموارد خاصة المالية والتي تتطلب تدبيرا حكيما يساير متطلبات وحاجيات المواطنين من خلال البرامج التنموية التي انيط بالجماعات الترابية انجازها والتي تتضمن البنيات والتجهيزات الأساسية المرتبطة مباشرة بالتنمية كالسكك الحديدية. والدليل على هذا هو كل النداءات التي قدمها الملك ولكن بدون جدوى إذ لا أحد يساهم من جهته في مواكبة المطالب والحاجيات المتزايدة والمستجدة.
وبالرغم من وجود نصوص قانونية تؤكد على استقلالية الجماعات الترابية والمدبرالترابي في تدبير شؤونه في إطارالتدبيرالحر، هناك إشكالية الكفاءة والمهنية، وتحمل المسؤولية في تدبيرالمطالب والحاجيات، وهو ما يسمى بتخليق المسؤولية الترابية كما يصفه الأستاذ إدمينو عبد الحافظ، إذ لا وجود للفعالية والنجاعة بدون توفر ضمير أخلاقي وتدبيري يتوخى الإستجابة للمطالب المحلية، وتفيعل القانون، ومواكبة العولمة والمنافسة العالمية، ويتصدى لمقوضات السلم والأمن المجتمعي الذي قد يتسبب فيه أحيانا المسؤول العمومي عبر سوء التدبير والتخطيط والتنفيذ والتقييم.
الهوامش:
- الدستور المغربي لسنة 2011، الصادر الأمر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432ه، الموافق ل 29 يوليوز 2011، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، 28 شعبان 1432ه، 30 يوليوز 2011.
- القوانين التنظيمية للجماعات الترابية: القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات؛ القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم؛ القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات.
- محمد ازهر السماك واحمد حامد العبيدي وحامد هاشم الحيالي: جغرافية النقل بين المنهجية والتطبيق، دار اليازوري العلمية للنشروالتوزيع، عمان، الطبعة العربية، 2011.
*باحث في التدبير العمومي – جامعة محمد الخامس- الرباط