رابطة علماء المغرب العربي تحذر من خطورة تعديلات قانونية مخالفة للشريعة

الوطن24/ بقلم: الحيداوي عبد الفتاح 

أصدرت الأمانة العامة لرابطة علماء المغرب العربي بياناً تعبر فيه عن رفضها للتعديلات القانونية التي صرح بها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، معتبرة أنها تتعارض مع الشريعة الإسلامية وإجماع العلماء، ومخالفة لتوجيهات الملك محمد السادس الداعية إلى احترام الثوابت الدينية.

وتناول البيان أبرز المخالفات، ومنها: إسقاط شرط الشهود في عقد الزواج، حرمان الأب من ولايته على أبنائه، تقاسم أموال الزوج عند الطلاق بدعوى عمل الزوجة المنزلي، واستثناء بيت الزوجية من الميراث. كما انتقد البيان هذه التعديلات لكونها مستوحاة من ضغوط دولية، مما يضر بالأسرة والمجتمع ويزيد من عزوف الشباب عن الزواج.

ودعت الرابطة العلماء والقضاة والمحامين والمجتمع المدني إلى التصدي لهذه التعديلات بالوسائل المشروعة، مؤكدة أن القوانين المخالفة للشريعة لا تُلزم المسلمين شرعياً. كما طالبت بإيجاد مدونة خاصة بالمذهب المالكي لضمان احترام أحكام الشريعة، معتبرة أن التمسك بالثوابت الدينية والاجتماعية هو السبيل الوحيد لحماية المجتمع من التفكك.

البيان كــــاملا

الحمد لله القائل في محكم التنزيل {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون} والقائل في محكم التنزيل {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} والصلاة والسلام على رسول الله القائل “تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك” والقائل “فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ” وبعد:
فقد ذهلت الرابطة لما اطلعت عليه من تعديلات صرح بها وزير الأوقاف والشؤون اﻹسلامية زاعما صدورها عن المجلس العلمي اﻷعلى في المغرب، والتي تضمنت مخالفات صريحة للمجمع عليه من شريعة رب العالمين، في مخالفة صريحة لما أعلنه الملك محمد السادس حفظه الله من حد واضح للاجتهاد المطلوب، الذي لا يمس ثوابت الدين وإجماعات الفقهاء والمعتمد من مهذب الإمام مالك رحمه الله، خصوصا في مسائل يعتبر المخالف لها مخالفا ﻹجماع المسلمين.
وإننا إذ نصدر هذا البيان بناء على ما تم تداوله في اﻹعلام، نوضح للناس ما يلي:
١- لا يجوز الخروج عن أحكام الشريعة اﻹسلامية حتى لا يصبح القانون مصادما للشريعة وموقعا الناس في الحرج الشديد، وهنا سيضطر الناس إلى اللجوء للإفتاء الشرعي بدل التقاضي إلى المحاكم.
٢- إن ما جاء في هذه التعديلات مخالف ﻹجماع المسلمين، ومن تلك المسائل:
أ- عقد الزواج لا يتم إلا بشهادة شاهدين مسلمين، وإسقاط هذا الشرط بعد أن أسقطوا الولي في النكاح يجعل هذا الزواج مخالفا ﻷركان الزواج في اﻹسلام، فلا ينعقد النكاح وإن صدر عن المحاكم ودوّن في الوثائق، فالانعقاد الشرعي لا يقع إلا بما أقرته الشريعة اﻹسلامية.
ب- ولاية الأب ثابتة على أبنائه بعد الطلاق وقبله، وتخويل اﻷم الحاضنة النيابة القانونية ظلم للزوج وحرمان له من حق من حقوقه الثابتة، لا نعرف في ذلك خلافا بين المسلمين.
ج- ديون الزوجة منفصلة الذمة عن ديون الزوج، ولا يجوز تحميل أحد الزوجين ديون اﻵخر إلا إن قبل بذلك، وإلزام أحد الزوجين بدين الآخر واستخلاصه من اﻹرث مخالف لإجماع المسلمين، وفيه إجحاف كبير بالورثة، وأولهم أم الزوجة التي هي امرأة أيضا.
د- اعتبار عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية أموال الزوج من أجل تقاسم أمواله في حال الطلاق، قول علماني غربي لم يقل به أحد من الفقهاء، وهو مخالف ﻷصل الزواج في اﻹسلام.
هـ- إيقاف بيت الزوجية عن الدخول في التركة مخالفة صريحة لكتاب الله، واقتطاع من أموال الورثة بغير حق، وظلم لأم الزوج وسائر ورثته الذين سيحرمون من حقهم في هذا البيت مع أن أمه قد تكون أشد حاجة لهذا البيت من زوجته، وهو اجتراء على أحكام اﻹرث التي تعد من المحكمات في دين الله.

٣- كلنا يعلم أن ما جاء في هذه التعديلات لم ينبع من نقاش فقهي أو اجتماعي، وإنما هي ضغوط دولية فرضت على المغرب وعلى غيره من البلدان اﻹسلامية، وأن نتائج هذه التعديلات لن تخدم اﻷسرة ولا المجتمع ولا المرأة نفسها، بل سيزيد عزوف الشباب عن الزواج، ويتصاعد الشقاق والنزاع داخل اﻷسرة، فتكون المرأة أول المتضررين، وهذا ما ظهر من جراء التعديلات الأولى التي خالفت الشريعة في مسائل أقل من هذه، فكان ما نراه اليوم من الصدع الكبير.
٤- إذا كان اليهود المغاربة يتمتعون بمدونة خاصة بهم، فإنه لمن المؤسف حقا أن يحرم المسلم من شريعة ربه في بلاده، ولا ندري لماذا لم يقترح العلماء إيجاد مدونة خاصة بالمذهب المالكي، يتحاكم إليها من يريد تطبيق شرع الله في نفسه وأهله وأبنائه، بدل إلزامهم بهذه اﻷحكام العلمانية التي لن يقبل بها مسلم.
٥- إن التحاكم إلى هذا القانون في -حال تطبيقه- يعتبر من التحاكم إلى الطاغوت الذي حرمه الله عز وجل في كتابه، وإن أحكامه لن يكون لها النفاذ الشرعي، فالقانون متى خالف الشريعة بطلت أحكامه، ولا يجوز للناس التقاضي به ولا قبوله ولا العمل بما جاء فيه، فالقاضي لا يحل حلالا ولا يحرم حراما.
٦- على العلماء اليوم مسؤولية تاريخية تجاه دينهم وشريعة ربهم، ولا يسعهم اليوم إلا أن يقولوا كلمة الحق، ﻷن هذه أعراض المسلمين وأموالهم، فمن سكت عن الحق الذي علمه، فقد أسقط عقده مع الله عز وجل إذ يقول في كتابه {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه، فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون}.
٧- على القضاة والمحامين رفض هذه التعديلات والوقوف في وجهها بكل الوسائل المتاحة، حتى لا يتحملوا وزر تنفيذ هذه القوانين الجائرة على الناس، فيكونوا شركاء في الوزر، وقد رأينا تآزر المحامين في قضاياهم الخاصة، فتآزرهم في مثل هذه القضايا أهم وأشد، فلا يقبل من القاضي أو المحامي أن يحكم بغير شرع الله بدعوى أنه مجرد موظف، بل يتحمل الوزر أمام الله عن كل ما ينتج عن هذه اﻷحكام من طلاق وتشتيت للأسر وتدمير للمجتمع.
٨- على المجتمع المدني بكل شرائحه أن يقف وقفة صادقة لله ثم للتاريخ، فإن ثمن هذه الأخطاء يدفعها المجتمع جيلا بعد جيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إن أخطر ما يقع اليوم في بلاد المغرب هو استبعاد المذهب المالكي في أهم مناحي حياة المجتمع، وإن إزالة الثوابت الاجتماعية مؤذن بزوال ما بعدها من ثوابت أخلاقية ودينية وسياسية، وعليه فإننا نطالب المجتمع المسلم بالرجوع إلى شريعة ربه الغراء، فهي النجاة من هذه الفتن المدلهمة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

اﻷمانة العامة لرابطة علماء المغرب العربي
الأربعاء 23 جمادى اﻵخرة 1446 هـ
الموافق 25 ديسمبر 2024 م