المشاركة السياسة لا تقتضي “الجهاد والشهادة” آسي بنكيران.
الوطن24/ بقلم: سعيد الكحل.
بعد عشر سنوات قضاها حزب العدالة والتنمية على رأس الحكومة المغربية، والمفروض أن تجعله يستخلص الدروس بأن تدبير الشأن العام يتطلب الخبرة والدراية والكفاءة، وأن يراجع أسسه الإيديولوجية والعقدية ليكون حزبا مدنيا صرفا يؤمن بقيم المواطنة وسمو الدستور، وأن الوطن لجميع أبنائه على اختلاف مشاربهم الفكرية وقناعاتهم الدينية. لكن يظهر أن حزب العدالة والتنمية وأمينه العام عبد الإله بنكيران لم يبدّلا تبديلا وظلا متمسكين بالأسس الإيديولوجية والعقيدة الإخوانية التي تشبعا بها منذ النشأة الأولى. ويأتي في مقدمة تلك الأسس: الاعتقاد بأن العمل السياسي “جهاد” بكل ما تحمله الكلمة من قدسية وما تحيل عليه من مآلات دنيوية وأخروية، والعمل على طلبه و”الاستشهاد” من أجل تحقيق غاياته. لهذا لم يستوعب بنكيران أنه يمارس السياسة والعمل الحزبي في إطار دولة مدنية يؤطرها الدستور والمواثيق الدولية، وأنه يخوض المنافسات الانتخابية، إلى جانب باقي الأحزاب السياسية، على أساس البرامج والمشاريع التنموية التي تساهم كفاءات وأطر الأحزاب في بلورتها وتقديمها للناخبين ليختاروا الأصلح منها بعيدا عن عقائد التكفير والجهاد. وتقتضي المنافسات الانتخابية الاحتكام إلى إرادة الناخبين والقبول بنتائج الاقتراع. إذ لا يترك السيد بنكيران مناسبة إلا وشدّد على أمرين اثنين:
1 ــ أنه وحزبه يعتبران العمل السياسي والمشاركة في الانتخابات “جهادا” في سبيل الله بما يقتضيه من تضحيات بالنفس. وهو بهذا الاعتقاد يتعامل مع الخصوم السياسيين كأعداء يتربصون بالحزب الذي يزعم قادته أنه وحده يمثل الإسلام. الأمر الذي يجعله لا يفرق بين الحقل السياسي المدني الذي من أسسه التنافس بين البرامج والتناوب على السلطة وتدبير الشأن العام، وبين الحقل الديني الذي جعلته تنظيمات الإسلامي السياسي أداة للتمييز بين “مؤمنين” يسعون لإقامة الدولة الدينية وتطبيق أحكام الشريعة، و”كفار” يناهضون الحكم الديني. ومن ثم فإن كل معركة انتخابية لحزب العدالة والتنمية هي معركة “مقدسة” تستوجب “الجهاد” والاستعداد الكامل للتضحية بالنفس، أي “الاستشهاد”. لهذا رفض بنكيران النتائج الانتخابية ليوم 8 شتنبر 2021 التي أنزلت حزبه من المرتبة الأولى بـ 125 مقعدا برلمانيا إلى المرتبة الثامنة بـ 13 مقعدا. فعلى مدى السنوات العشر الماضية التي قضاها على رأس الحكومة، ظل بنكيران يذكّر الفاعلين السياسيين والمدنيين بمرجعيته الإخوانية وتمسكه بأطرها المرجعية واستعداده للموت من أجلها. علما أن المشاركة السياسية ليست حربا دينية وإنما هي تنافس بين البرامج الانتخابية بطرق سلمية ومدنية يؤطرها القانون الذي يجرّم كل أشكال وأساليب العنف التي قد يلجأ إلى استعمالها المرشحون. هكذا، وفي نهاية يوليوز 2016، ترأس السيد بنكيران، بصفته أمينا عاما للحزب، لقاءا جماهيريا لشبيبة حزب العدالة والتنمية بمدينة أغادير، حيث استشهد بعبارة معروفة لابن تيمية ليؤكد للأعضاء أنهم يخوضون “جهادا”، كالتالي: “ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري أينما رحت لا تفارقني. أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة”. نفس العقيدة الجهادية أعاد التشديد عليها في كلمته أمام أعضاء حزبه عند إعادة انتخابه على رأس الحزب بعد نكسة 8 شتنبر كالتالي: (الدور ديالنا أيها الإخوان ما انتهاش. تبدلت الظروف خاصنا نبدلو المقاربة، خاصنا ما نتراجعوش، نوقفو ونباقو واقفين ونصبرو ولو أدى ذلك إلى أن نضحي إن اقتضى الأمر إما بأموالنا وإما بأي شيء يقتضيه، حنا ماشي أحسن من الناس لي ضحوا في التاريخ). الرسالة التي يرسلها لمنافسيه وللدولة هي: إما الفوز في الانتخابات أو الشهادة. فكلما أحس بنكيران بتراجع شعبية حزبه أو احتمال فقدانه صدارة الانتخابات إلا ولوّح بعقيدة “الجهاد” حتى “يرهب” خصومه. وآخر مناسبة لهذا التلويح، هي فاتح ماي 2022، حيث خطب في أعضاء المركزية النقابية التابعة للحزب ليذكّرهم بالدافع الرئيسي لعودته إلى قيادة التنظيم وخوض الانتخابات المقبلة، بالتالي (وخا السن ديالي وخا الظروف الصحية ديالي ما بقاتش بحال من قبل، قلت أنا غادي نزل لهذه المعركة بللي جاب الله وإلى كتّب علي الله سبحانه وتعالى نموت فيها غادي نكون سعيد لأنني غادي نكون مت شهيد. ولهذا ما تفاكوش). أنت لا تخوض حربا مقدسة ولا جهادا آسي بنكيران، أنت زعيم حزب يعمل في إطار القانون والدستور، وأي سلوك منك أو من حزبك يخرق القانون أو يتنافى مع الدستور لن تتعامل معك الدولة كأسير حرب أو تواجهك بالسيوف والرماح، بقدر ما تطبق عليك النصوص القانونية الجاري بها العمل مثلك مثل باقي المواطنين.
2 ــ إنه وحزبه أنقذا البلاد والوطن والدولة من خراب “الربيع العربي” ؛ وبالتالي على الدولة أن تكافئه بأن تضمن له الفوز في الانتخابات. ففي كلمته عند إعادة انتخابه على رأس الحزب بعد الهزيمة الانتخابية قال (حنا الإخوان خاصنا نستشعرو الدوافع الأصلية ولي كوْنت منا هذه المجموعة الخيرة المتميزة ولي قدْمت لبلادها خدمات جد جد محترمة وأقل شيء.. نحن ساهمنا في أن بلادنا تقضي عشر سنوات مضطربة في العالم العربي والإسلامي كله، أن تقضي عشر سنوات من الطمأنينة …ساهمنا في أن تمر بلادنا من مرحلة جد مضطربة جد خطيرة ليس على المواطن، خطيرة على الدولة.. في وقت الشدة لْقاتنا بلادنا، والحمد لله اعترفت بنا، وصوتت علينا في المرة الأولى وفي المرة الثانية). نفس الامتنان أعاد التأكيد عليه في فاتح ماي 2022، وهذه المرة بهدف وقف قرارات العزل في حق أعضائه الذين زرعهم بالمرافق الإدارية دون كفاءة أو استحقاق لغالبيتهم في المناصب “دابا كيتبعو الإدارة فين ما كان شي واحد فيه الريحة ديال العدالة والتنمية تيزولوه من المسؤولية ديالو علاش؟ آش دارت لكم العدالة والتنمية؟ حيث ساعداتكم في الظروف الصعبة، بقيتيو جالسين في الفيلات ديالكم وفي المتع ديالكم ما مسْكم حتى شي واحد.. وهاذ الشي النتيجة ديالو هي أنكم تتبعوهم واحد واحد، حتى النقابة ديالو حاولتهم تشطبو عليها”. إن لعب دور الضحية والتباكي بأن الحزب مستهدف أسلوب فقد صلاحيته. فجميع الموظفين بكل القطاعات الحكومية يدركون جيدا أن حزب العدالة والتنمية استغل رئاسته للحكومة ليزرع مئات من عناصره في مفاصل الإدارة وفق ما تنص عليه إستراتيجية “أخونة” الدولة التي وضعها تنظيم جماعة الإخوان المسلمين وحملتها رسالة المرشد إلى إسلاميي المغرب سنة 1996. وقد فضح هذه الممارسات عدد من المسؤولين الإداريين والنقابيين في القطاعات الحكومية التي كان يديرها وزراء البيجيدي في الحكومة على مدى عشر سنوات، حيث تم إقصاء الكفاءات وتعويضها بعناصر تفتقر إلى الخبرة والكفاءة والأهلية لتتولى تلك المناصب.
إن بنكيران، وهو يتحسر على إغلاق الحدود في وجه “المجاهدين” ضد إسرائيل، عليه أن يتذكر يوم رغب في الالتحاق بأرض أفغانستان للجهاد ضد السوفييت، إلى جانب عبد الله عزام الفلسطيني الذي هو واحد ممن تنكّروا للشعب الفلسطيني وقضيته، لكن خانته القناعة والشجاعة. واليوم يتظاهر باستعداده “للموت” وطلب الشهادة من أجل المنصب والمكسب. لم تجاهد في عز قوتك البدنية والدعوية المتحالفة مع أمريكا والمنخرطة في أجندتها، فكيف ستفعل اليوم وقد فقدتَ الجهد والحماية؟ لست وحدك من جعل كابول قبل غزة، بل كل شيوخ التطرف والإرهاب وقيادات تنظيمات الإسلام السياسي أداروا ظهورهم لفلسطين، بينما حرضوا على “الجهاد” ضد نظام بشار في مؤتمر جمع أقطابهم تحت رعاية الرئيس المعزول مرسي. لقد جعل الله الجهاد بالمال مقدما على الجهاد بالأنفس (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) التوبة:41. لا أعتقد أنك جاد في طلب “الجهاد” لتحرير فلسطين بعد أن خُنتها وتخلّيت عنها في عز الأزمة، مثلما تخلت عنها باقي مكونات الحركة الإسلامية ورموز الإرهاب أمثال بن لادن، الظواهري، عبد الله عزام، البغدادي، الزرقاوي وغيرهم. لقد دعوتَ إلى الجهاد وحرّضت عليه في أفغانستان والبوسنة والشيشان وسوريا، لكن لم تعط المثال لتيارك، فكنتُ ممن (رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ) التوبة:87.