عرقلة “الفكر الظلامي الديني” للنهضة المغربية!
الوطن24/الدكتور محمد وراضي
إن كانت الأمة المغربية ترنو إلى احتلال مكانة ممتازة متميزة بين أمم عالم اليوم، فإن ما يلزم متنوروها هو الإصرار على عمليات انتقادية، من شأنها أولا تحديد مختلف العوامل التي شكلت في الواقع عقبات في وجه الحداثة، ولم لا في وجه تحقيق المزيد من إثبات الذات وترسيخ الهوية. ومن شأنها ثانيا دراسة تلك العوامل دراسة واعية موضوعية معمقة. ومن شأنها ثالثا وضع خطوات ممنهجة عقلانية للتخلص من أخطارها التي طالما جسدت رجعيتنا وترددنا في إحداث قطيعة عميقة بيننا وبينها لأكثر من دافع ولأكثر من باعث.
وليس من باب الصدفة أن أهتم بالفكر الظلامي وحده، مع صرف النظر عن بقية عوامل تخلفنا المعروفة لدى الكثيرين غيري، إذ الفكر الظلامي بالنسبة لي عبارة عن قناعات وممارسات موسومة بالخداع والتدليس والمكر والافتراء والاحتماء بجدران مملكة اللامنطق!
أقول: إن الفكر الظلامي الذي يشكل عندنا أكبر خطر محدق قاتل فتاك، هو في الجملة أنواع أبرزها ثلاثة: فكر ظلامي ديني – وهو موضوع مؤلفي هذا – وفكر ظلامي سلطوي مخزني، وفكر ظلامي حزبي سياسي.
فإن أمكن حصر النوع الأول باختصار في مسمى “المبتدعات” المتمثلة في “المغالاة” و”التطرف” و”الأوهام” و”الشعوذة” و”الخرافات” أو”الأساطير”. فإن النوع الثاني فكر هدام خادع ماكر. هدف الحكام من ورائه كسب ود الجماهير بأي ثمن! وفرض السياسات التي يرون ضرورة اتباعها في مختلف الميادين ولو كانت تتناقض مع الدين والعقل والتجربة! وضمان الاستمرار في الإمساك بزمام السلطة. أما الفكر الظلامي الحزبي السياسي فعبارة عن رغبة مؤكدة في فرض الإيديولوجيات أولا، وفي الوصول إلى سدة الحكم ثانيا، وفي الأساليب المتبعة لتفعيل تلك الإيديولوجيات في الميادين المختلفة ثالثا. مع ما يرافق الخطوات الثلاث من حيل قد لا تخلو من ركوب متن التدليس والكذب والخداع!
وبما أن الكتاب الذي أضعه بين يدي القراء، لا يتناول غير الفكر الظلامي الديني، فلا بد من الإشارة هنا إلى العلاقة الملحوظة بين هذا الفكر وبين النظام من جهة، وبينه وبين الأحزاب من جهة ثانية.
فإن كانت علاقة النظام بالأضرحة والزوايا، وبأنواع من المحدثات والأضاليل، علاقة مضامينها وأهدافها غير خافية إلا على المغفلين الذين يتعرضون لحملات دعائية، ملؤها البهتان وتزوير الحقائق، فإن علاقته بالأحزاب في أمس الحاجة إلى التوضيحات الآتية:
يشاع لدى المغاربة أن حزب الاستقلال حزب ذو مرجعية إسلامية، إلا أن هذا الذي يشاع مجرد أكذوبة لسنوات طوال يعتقد المغفلون مثلي بأنها حقيقة واقعية!
فإن ادعى الزعيم محمد علال الفاسي أن جده يتكلم من قبره، حسب ما أخبرنا به صاحب كتاب “التاريخ المفترى عليه في المغرب”[1] فإن هذا الذي ادعاه يؤكده لنا بكل وضوح محتوى كتابه: “التصوف الإسلامي في المغرب” الذي أعده للطبع عام 1998م عبد الرحمان بن العربي الحرشي. إذ في الكتاب من الأضاليل والأباطيل ما تنفر منه المرجعية الإسلامية المجردة من “المبتدعات” أيما نفور!
فأثناء حديثه عن نماذج من المتصوفة يقول: “في مقدمة هؤلاء الذين أحيوا تصوف الحقائق الإمام العارف الصوفي الكبير أبو محمد عبد القادر بن أبي جيدة أحمد بن محمد “فتحا” بن عبد القادر بن علي بن أبي المحاسن يوسف الفاسي. ذكره جلالة السلطان مولانا سليمان في كتابه الذي ألفه في مفاخر الفاسيين وسماه “عناية أولي المجد بذكر آل الفاسي ابن الجد”[2]!
و”عناية أولي المجد” هذا هو محور كتاب “التاريخ المفترى عليه في المغرب” المذكور قبله. فقد نسبه أحد أفراد عائلة آل الفاسي التي ينتمي إليها الزعيم الاستقلالي إلى الملك المجتهد الصالح سليمان بن محمد العلوي! يعني أن هذا الملك المعروف بتسننه الشديد الصادق، تفرغ لشهور، وربما لسنوات، قصد الإشادة بالإنجازات الصوفية لكبار مشايخ “الزاوية الفاسية” التي أسسها أبو المحاسن يوسف بن محمد (937 – 1013ه) بعد استقراره بفاس سنة 988ه قادما إليها من القصر الكبير حيث ولد وتربى وترعرع[3].
ولما كانت رغبة آل الفاسي في الشهرة والتباهي طاغية عليهم منذ أربعة قرون! فإن أحدهم كمجهول العين والصفة، نسب زورا وبهتانا كتابا لملك عالم يطيل فيه الكلام عما لآل الفاسي من مفاخر! غيرهم من العائلات الفاسية الأصلية عاجز عن أن يحقق منها ولو النزر القليل!
غير أن الملك المفترى عليه، هيأ قبل وفاته ردا قاسيا على المفترين، ولو أن الكتاب المنسوب إليه بهتانا لم يظهر بعد إلى الوجود! والرد القاسي الذي نعنيه هو رسالته التاريخية القيمة التي سوف نورد فقرات منها قبيل خاتمة مؤلفنا هذا الذي نكشف فيه الحجاب ونرفع فيه النقاب عن ظلاميات وعن ظلاميين، إساءتهم إلى الإسلام عامة! وإلى النبي الخاتم خاصة! إساءة تستدعي من المخلصين لله وللرسول إدانتهم بأصوات مرتفعة ناقدة مستنكرة مستهجنة بدون ما شفقة وبدون ما رحمة! حتى وهم أصبحوا من الأموات منذ أزمان وأزمان!
فإن افتخر زعيم حزب الاستقلال بكرامات جده الذي يتكلم من قبره! وإن عانق الفكر الظلامي عندما انساق وراء امتداح أهله، مع أن من ضمنهم أغبياء أميين، وأشباه علماء جاهلين بالدين، بل وزنادقة أفاكون كما سنوضح في حينه، عندما تكلم – على سبيل المثال لا الحصر – عن عبد السلام بن مشيش! وأبي شعيب الدكالي! وأبي يعزى يلنور! وعن غير هؤلاء من المنتمين إلى الفرق الضالة المضلة بدون ما تحفظ منهم يذكر! فإنه لم يبرهن صراحة على أنه سلفي حقيقي مخلص لنهج أستاذه العلامة محمد بن العربي العلوي!
فكيف إذن يدعي المدعون بأن مرجعية الاستقلاليين مرجعية دينية؟ وعن أية مرجعية دينية يتحدثون؟ فهل الخليط أو المعجون الفاسد المتعفن الناجم عن المزج بين المسنونات والمبتدعات هو المرجعية التي يدعي الاستقلاليون بأنهم عليها يعتمدون؟ وأنهم إليها يستندون؟ ومتى تم اعتمادهم عليها وفي أي مجال؟
هل قام علال الفاسي – وهو وزير للأوقاف والشؤون الإسلامية – بمحاولات من نوع ما لتحويل الفكر السلفي الذي يزعم أنه يحمله ويتسلح به إلى ممارسات عملية في الواقع؟ هل عرفنا له كتابات وأحاديث يدعو فيها إلى مواجهة الفكر الظلامي بصرامة لتحرير الإنسان المغربي من الوهم والضلال وأساطير الأولين؟ أم إنه تخلى عن دور العالم للقيام بدور السياسي الذي لا عليه، إن هو ترك الجماهير المغربية في الحواضر والبوادي ضحية الجهل والتعاسة والفقرالمعرفي؟
وهل عرفنا لخلفه من قادة حزبه حتى الآن ما يدل على اهتمامهم بتطهير الإسلام من الرجس الذي ألصقه به، أو أضافه إليه ضلاليون ظلاميون من الطرقيين والقبوريين والمشعوذين الرجعيين والمتخلفين؟
إن كانت الأحزاب اليمينية على نهج الاستقلاليين من حيث تعاملهم مع الفكر الظلامي تسير، فهل نتوقع منها احتجاجات واستنكارات صارمة على استمرار الضلاليات المعيقة لتقدمنا من ناحية، والمعينة على تفشي الجهل والغباوة من ناحية ثانية؟
فهل نتوقع منها فعلا يوما ما تلك الاحتجاجات التي لا شك عندنا بأنها لا تملك الشجاعة المطلوبة للقيام بها! إما لأنها تضرب ألف حساب وحساب لغضبة النظام وسطوته! إن هي دعت الجماهير إلى قطع كل صلة لها بأصنام خطرها على الإيمان والعمل في المجالين: الديني والتربوي خطر قائم! وإما لأنها لا تدرك حقيقة الفكر الظلامي وخطورته! وإما لاعتقادها الراسخ بأن الضلاليات البدعية من تجليات الدين الحق الموروثة في الواقع أبا عن جد! وإما لأنها تدرك خطر الخرافات المنسوبة فعلا إلى الدين، ولكنها غير راغبة في التضحية بما نالته، وبما تتوقع نيله من مكاسب أو من مصالح مادية ومعنوية!!!
ثم نضيف متسائلين: أو لم يكن لهذه الأحزاب وزراء ومدراء الدواوين وكتاب الدولة في الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال حتى الآن؟ أو لم تسند إلى عناصرها وزارة الأوقاف والداخلية والإعلام، والثقافة والتعليم، وهي كلها وزارات لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالفكر الظلامي الذي كان علينا منذ فجر الاستقلال واجب قطع دابره؟ أو واجب القضاء عليه؟ والحال أن الغربيين قطعوا إلى حد بعيد صلتهم ب”الكهنوت” الذي كان يجسد عندهم أوهام وظلاميات وأكاذيب وضلاليات الرهبان والقسيسين والأساقفة والكهنة ورجال الإكليروس والبابوات في العصور الوسطى؟
ثم ماذا عن أحزاب اليسار الذين يتحدثون بكثير من الاعتزاز عن “الحداثة” و”العصرنة” و”التقدمية” و”العقلانية” وذلك في مقابل “الرجعية” و”التخلف” و”الخرافة” و”الوهم”، وبالتالي في العقدين الأخيرين عن “الفكر الظلامي الديني” الذي يقصدون به غير ما نقصد به نحن؟
أو لا تتشكل طليعة هذه الأحزاب من مثقفين متفتحين أذكياء عقلانيين مرموقين؟ أو ليس من ضمن هؤلاء المثقفين علماء وصحفيون وفلاسفة ومتفلسفون وأطباء وصيادلة وأساتذة ومعلمون، ورؤساء الجمعيات والهيئات وقادة أحزاب، وعمداء الكليات والجامعات؟
إن كانت الإجابة بالإثبات، فهل يقبل المهمومون بإحراز النصيب الأوفر من الحداثة والوعي والثقافة المتقدمة الراقية أن تكون لدينا بؤر للظلام الذي يجعل الدهماء من فرط جهلها تذهب بفلذات أكبادها المصابين بأمراض نفسية أو عقلية ما إلى المسمى “بويا عمر” لتربطهم بالسلاسل هناك في انتظار الشفاء؟ والدولة ترى وتراقب وتبارك! وكأنها سعيدة بمشاركتها في تعميم المزيد من الفكر الظلامي! وفي تعميم المزيد من الجهل بالدين وغيره! بل وفي الإساءة إلى الإسلام كله عن قصد!
أو ليس من العار أن تساهم الأحزاب اليمينية واليسارية جميعها في نشر الجهل المركب لدى المواطنين في المدن والقرى، مشاركة بذلك النظام الذي نعرف مدى استفادته من انتشار الفكر الظلامي وتعميمه وتشجيعه وترسيخ جذوره في الوجدان المغربي؟ أو لا يصح القول بأنها متواطئة معه. إن لم نقل بأنها مدعمة ومساندة له؟ دون أن تجني هي من وراء سكوتها عنه نفس ما يجنيه! بغض النظر عن ثمن سكوتها هذا المتمثل في المصالح التي تحرص على عدم فقدانها أو الحرمان منها؟ مما يؤكد بأنها كعلماء السوء الذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة! أو الذين يبيعون – إن شئنا – آخرتهم بدنيا الآخرين! مع أنه تعالى يقول: “إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم”[4]!
نعم لدعم النظام لأننا كمواطنين جزء منه، لكن دعمنا له ودعمه لنا يجب أن يكون بالمعروف لا بالمناكر! مما يفيد بأن الإسلام لم يترك للمواطنين حرية القيام بكل ما يريدون! كما أنه لم يترك للحكام حرية القيام بكل ما يحلو لهم القيام به! فالمواطنون مدعوون صراحة بنصوص قرآنية وحديثية إلى حماية الدين والدفاع عنه والعمل به. ونفس الشيء يجري على الحكام الذين هم في الحقيقة قدوة للمحكومين إن صح هذا التعبير!
وماذا عن الأحزاب والتيارات والاتجاهات الإسلامية؟ أو ليس من واجبها – وفي صفوفها علماء – أن تتصدر المناداة بوجوب تطهير الملة والدين من ظلاميات، زعماؤها ومشايخها عاكفون ليل نهار على الاشتغال بالمبتدعات! وعلى أكل أموال الناس بالباطل! مع صدهم لملايين المغاربة بالتحديد عن سبيل الله المستقيم ممثلا تطبيقيا في المنهاج النبوي الحقيقي الذي هو سنته، لا في المنهاج الصوفي الضلالي المزيف المبتدع؟
وإلا فهل وصل إلى علم أي كان بأن ديننا أباح بناء الأضرحة ورفع القباب عليها، والذبح عندها، والتوسل بأصحابها وكأنهم في قبورهم أحياء يسمعون ويتكلمون ويقضون حوائج من يتقدم إليهم بطلب قضائها، ويرسلون السماء مدرارا على من توسلوا إليهم بتقديم قربان عندما يصابون بالجفاف أو بالقحط؟
أو ليس الساكتون عن الضلاليات والظلاميات التي عمت بلدنا من أدناه إلى أقصاه، من جملة المساهمين في الإساءة إلى الدين؟ ثم متى أمر الله ورسوله بتأسيس الزوايا أو التكايا كتجسيد للتفرقة بين المؤمنين! أو كتقليد أعمى للأديرة لدى المسيحيين الذين تعلمنا منهم – مخالفين لتوجيهات نبينا – كثيرا من الطقوس كالرهبنة والدعاء والذكر الجماعي وقراءة القرآن نفسه جماعة كأفضل ذكر؟
أو لا يدرك الإسلاميون بعد – والأطفال المتعلمون يدركون – كيف أن قول الرسول وفعله وتقريره في الدين، أفضل من قول، ومن فعل، ومن تقرير غيره؟ أو لا يدركون بأنه ص لم يعقد ولو مرة واحدة حلقات للذكر الجماعي مع الشطح المصاحب المرافق له أثناء ترديد الشاطحين لاسم الجلالة “الله” أو حتى لترديد “هو هو” كضمير غائب لا معنى له، ولا فائدة ترجى من ورائه؟ أو لا يدركون بأنه ص لم يكن يقرأ القرآن جماعة مع أصحابه في أي وقت من الأوقات؟
لنترك الضلاليين والظلاميين من الجماعات الدينية المتمثلة عندنا في أكثر من فرقة صوفية كالحمدوشية، والعيساوية، والدرقاوية، والتجانية، والكتانية، والبودشيشية، وهي كلها فرق فاسدة مفسدة. ولنترك معها من تخرجوا من مدارسها مفتخرين مبتهجين بما أدركوه من حق يعتقدون أن غيرهم من المسلمين لا يتوفر عليه!
ولنوجه الأنظار إلى حزب إسلامي منذ سنوات أصبح له أعضاء في البرلمان! إلا أنه رغم ادعائه بأن مرجعيته إسلامية، لم يكشف خارج مجلس النواب، ولا كشف داخله عن هموم من أزعجهم الابتداع في الدين وغضبوا لله كما يغضب له رسوله! والحال أن الابتداع تشويه مباشر للمرجعية الأساسية التي لا يرى المتدينون المخلصون ولا المتدينات المخلصات الصادقات أي بديل عنها يصلح لمواجهة الفكر الظلامي السلطوي والفكر الظلامي الحزبي!
فهل استفسر عضو من أعضائه ولو مرة واحدة وزير الثقافة التقدمي العقلاني الحداثي عن المبالغ الطائلة التي يتم بها ترميم أضرحة نهى الإسلام صراحة عن بنائها، وكيف بجعلها مزارات بدعية تقصدها العامة كما تقصدها الخاصة لتعميق ولترسيخ الاتجاه إلى الشرك بالحق سبحانه؟ أو تم له استفسار وزير الداخلية عن واقع المواسم التي تقام عند أضرحة رجال من ضمنهم كذابون أميون جاهلون! والتي يحضر فيها رجال السلطة والعلماء والمنتخبون؟ أو تم له استفسار وزير الأوقاف الذي تعرف وزارته ملفات تتصل بالزوايا والأضرحة الموجودة في كل جهات المغرب المسلم؟ أو تم له استفسار وزير الإعلام الذي تنقل الأجهزة التي يشرف على تسييرها لقاءات وتجمعات أو مجالس لفرق يقال بأن أصحابها من الذاكرين، بحيث إنهم يغدقون البركات على الوطن والمواطنين! وعلى الوافدين عليهم من خارج المغرب كالأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين في كل وقت وحين؟
وإذا لم تصدر استنكارات ولا احتجاجات ولا تنديدات عن حزب إسلامي له عناصره المنتخبة في البرلمان بالفكر الظلامي الذي ترعاه الدولة بامتياز! أو لا يكون على خطى الأحزاب العلمانية التي يحاربها يسير؟ يعني أنه إما خائف مثلها من غضبة النظام! وإما أنه لم يقف بعد على خطورة الضلاليات وامتداداتها الأفقية والعمودية! وإما أنه مقتنع بها تمام الاقتناع كموروث ثمين عن الأجداد الهالكين من باب قوله تعالى: “إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون”[5]! وإما أنه غير مستعد للتنازل عن المكتسبات التي حققها، أو عن المصالح التي يرغب في أن يعض عليها بالنواجد!
بعد استماعي إلى الدرس الرمضاني الذي دشن به الوزير البودشيشي للأوقاف: أحمد التوفيق دخوله في دائرة الولاء المطلق، وبعد وقوفي على زلقاته الدينية التي يظهر كيف أنه استقاها من انتمائه الصوفي لطريقة ضلالية! كتبت مقالة محورها الفكر الظلامي الضارب بجذوره في الأوساط المغربية منذ عهد بعيد، وحملتها إلى مكتب جريدة “التجديد” لنشرها نظرا لعاملين اثنين:
أولهما أنني كنت قد نشرت في “الراية” مقالات متعددة. وهي نفسها “التجديد” بعد تغيير الاسم أو استبداله.
وثانيهما أن مدير الجريدة صديق لي منذ أزيد من عقدين زمنيين. غير أنني فوجئت – للأسف الشديد – بامتناع الأستاذ محمد يتيم – وهو حينها مدير الجريدة – عن نشر المقالة تلك! وحينما استفسرته قال لي ما معناه: إن سياسة حزبنا تحرص أشد الحرص على تجنب أي صدام مع جماعات إسلامية من أسرة واحدة! فضلا عن كونه يحرص على مواجهة العلمانيين كخصوم حقيقيين للدين! فاستنتجت بعد اللقاء ذاك، كيف أن حزب الرجل كبقية الأحزاب، يتقي ما أمكنه غضبة النظام، إن هو تجاسر على التنديد بالفكر الظلامي وبتعامل المخزن معه من جهة! إضافة إلى حرصه على اكتساب ود الظلاميين كأصوات يجدها إلى جانبه أثناء العمليات الانتخابية من جهة ثانية! مما يعني أن الدنيا عنده متقدمة على الآخرة! وإلا متى كان الضلاليون المبتدعون إخوة حقيقيين للمتنورين المتسننين؟
أو لم يطلع الحزب من خلال عناصره من العلماء والمتفقهين على قوله ص في حديث مشهور: “لعن الله من ذبح لغير الله! ولعن الله من آوى محدثا”[6]! يعني أن الملعونين من قبله سبحانه لا يستحقون صحبة المرضي عنهم من المؤمنين المخلصين الصادقين! فالملعونون إلهيا في واد والمرضيون إلهيا في واد آخر! فضلا عن قوله ص: “من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام”[7]! فكيف إذن يساهم الحزب المذكور على ضرب الإسلام في الصميم؟ أو لم يوصف أتباعه بالتجديديين؟ وأي تجديد يمكن تصوره في المجال الديني إن لم يقم على أساس من إحياء السنن وإماتة المبتدعات؟
ثم نتساءل: أو لم يصل إلى العلماء في صفوف الحزب قوله ص: “من أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة”[8]؟ وقوله عليه السلام: “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه انتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وتحريف الغالين”[9]؟
أو لم يصل إلى علمهم قول عبد الرحمان الأوزاعي إمام أهل الشام ودفين بيروت: “كان بعض أهل العلم يقول: لا يقبل الله من ذي بدعة صلاة ولا صياما ولا صدقة ولا جهادا ولا حجا ولا عمرة ولا صرفا ولا عدلا. وكانت أسلافكم تشتد عليهم ألسنتهم، وتشمئز منهم قلوبهم، ويحذرون الناس بدعتهم. قال: ولو كانوا مستترين ببدعتهم دون الناس، ما كان لأحد أن يهتك عليهم سترا، ولا يظهر منهم عورة أولى بالأخذ بها وبالتوبة عليها. فإذا ما جهروا بها وكثرت دعوتهم ودعاتهم إليها، فنشر العلم حياة والبلاغ عن رسول الله ص رحمة يعتصم بها على مصر ملحد”[10]؟
ولما كان هذا هو واقعنا المغربي الحالي، فأي عذر يمكن للإسلاميين التجديديين التذرع به لتبرير تعايشهم مع الظلاميات والظلاميين من جهة! ولتبرير سكوتهم المفضوح عما يجري العمل به من ترويج لمبتدعات يدركون بأن الإسلام رفضها ويدينها بصفة مطلقة من جهة ثانية؟
أو لم يصل إلى علمهم – كتشجيع رسمي للفكر الظلامي – تلك الزيارة التي قادتها الدولة نفسها إلى كل من رباط شاكر وأرض الشياظمة التي تحوي أضرحة سبعة رجال مخترعين وهميين. حولهم نسجت أكاذيب وأضاليل وترهات كما سوف نرى؟
أو لم تصل إلى علمهم أخبار ملتقى “دلائل الخيرات” الذي احتضنته مدينة فاس أيام 26/27/28/ 5-2005م لتكريم صاحبه الضلالي الظلامي محمد بن سليمان الجزولي هذا الذي سنتولى فضحه بكشف عواره أمام القراء وأمام القارءات؟
وتلك المشاذاة التي نشبت بين أحفاد عبد السلام بن مشيش، بخصوص الهبات أو الفتوح التي يتلقونها صباح مساء! والتي هي في الحقيقة من صميم الحرام الواضح البين! أو لم تصلهم أخبارها كي يتدخلوا – وهم المصلحون التجديديون – ليوجهوا الناس المغفلين المخدوعين إلى الحق المبين! لا أن يسكتوا عن الباطل الذي يجب عليهم فضحه. وفضح المحتمين به! والمروجين له وحماته من حكام ومن غير حكام!!! ؟؟؟
أو لم يسترع انتباههم اهتمام الدولة الزائد بالزوايا وبشيوخ الزوايا، وبالقيمين على الأضرحة المواظبين على أكل أموال الناس بالباطل! فضلا عن فتح القناة الأولى والثانية لتسويق ظلاميات، رغبة الحكام في تسويقها تتسم بالإصرار وبالإلحاح؟
فهل كانت عليهم – كإصلاحيين تجديديين منافحين عن الدين – مجاراة من يعملون ليل نهار على إخراج جماهير أمتنا من النور إلى الظلمات؟
وحتى لا نبخس الناس ما لهم من حقوق! وحتى نعطي لكل ذي حق حقه! نشير إلى أن عددا من كتابنا المناضلين – وإن لم يتبجحوا بكونهم إسلاميين – قاموا بإنجازات صحفية رائعة لفضح ما يجري من تأييد رسمي لظلاميات وراءها يختفي إصرار المسؤولين وجلاوزتهم والسائرين في ركابهم على نشر الجهل في الأوساط الشعبية، عن طريق تسخير كل الإمكانيات المتاحة لهم! في حين أنه كان يلزمهم تسخيرها للقضاء على الفقر والبطالة، ومخاطر المخدرات والإدمان على الكحول، ومخاطر الدعارة أو الزنا بلفظ القرآن الكريم المقدس؟
ففي الخامس عشر من يونيو سنة 2005م كتبت “الجريدة” المغربية تقول: “أسرار الحسن الثاني مع الفقهاء والأولياء والسحر”!
وفي السادس من مايو سنة 2005م. حملت الصفحة الأولي من جريدة “الأسبوع الصحفي” هذا العنوان المثير مرفقا بصورة المعنيين بالأمر: “أول حلقة من حلقات جامع الفنا”!
وقبلها بأسبوع، أي في التاسع والعشرين من مايو عام 2005م. قدمت نفس الجريدة في نفس الصفحة الأولى هذا العنوان مرفقا كذلك بصورة شخصين معنيين جالسين: “عباس الفاسي ومحمد اليازغي في ضريح مولاي إدريس”!
ونفس الجريدة قدمت صورة تحمل أكثر من دلالة في الصفحة الأولى تحت عنوان: “السفير الأمريكي في الحضرة البودشيشية”! وذلك في اليوم الواحد والعشرين من أبريل سنة 2006م!
وفي اليوم السادس من مارس 2006م تصدر واجهة “الجريدة” المغربية هذا العنوان اللافت حقا للأنظار: “البودشيشية دين الدولة الجديد”!!! مع صورة مكبرة للبودشيشي حمزة بن العباس، شيخ عبد السلام ياسين وخصمه في الآن ذاته! وشيخ وزير الأوقاف أحمد التوفيق. وشيخ الدكتور طه عبد الرحمان!
بينما نجد في واجهة جريدة “الأيام” المغربية ليوم 21 يوليوز 2007م هذا العنوان الذي يخفي من ورائه تساؤلات بعضها سوف نتناوله باختصار في كتابنا هذا. يقول العنوان المصحوب بصورة مركبة للرئيس الجزائري: عبد العزيز بوتفليقة: “الجزائر تعرقل مبايعة 350 مليون تيجاني لمحمد السادس”! والتيجاني للتذكير، أكبر زنديق جزائري – مغربي!!!
وفي واجهة مجلة “نيشان” المغربية ليوم 7 أبريل 2007م نقرأ هذا العنوان المرفق بصورة حمزة البودشيشي: “صوفية أم عبودية؟ رحلة في “دولة” الشيخ حمزة”!!!
ولا نملك بعد الاطلاع على العدد 103 من مجلة “نيشان” الأسبوعية غير الإشادة الصادقة الصادرة من صميم القلب بالأخ الكريم الكاتب الصحفي المقتدر رضوان الرمضاني على التحقيق القيم الذي أنجزه حول المقدس المجهول العين والصفة! والمدعو “بويا عمر”!
فكان من جملة ما ورد في التحقيق قول كاتبه: “الغرفة الصغيرة والقبة البيضاء. الطلاء الأخضر وأعشاش العنكبوت. الزليج التقليدي والأرضية المتسخة… إلى هنا يحج الباحثون عن الشفاء من أمراض “الجن”! بعض الحجاج يجلسون ساندين ظهورهم إلى القبر! وبعضهم يطوف حوله بهدوء! والبعض يفعل ذلك بحركات هستيرية! فيما يجلس آخرون إلى الباب مع “الشرفا” يستمعون إلى دعواتهم! وإلى دقات “البندير”! ويشربون الشاي. وتتعالى صرخات النزلاء في غرفة مجاورة! منهم من يظهر. ومنهم من يقبع في الزنازين السرية ل”محكمة الجن” الموجودة خارج الضريح! ما يظهر فظيع ومريب! وما خفي كان أعظم”!
“بويا عمر بحال شي مزبلة! ولكن اللي كيتلاح فيها مشي الزبل! وإنما بنادم! فيه الناس كيتربطو بالسلاسل بحال البهايم! كيكولو أن هذا “الولي الصالح” كيداوي عباد الله من “أمراض الجن”! ولكن القضية ولات غير تبزنيس! الآلاف ديال الناس غابرين تما! كلهم مراض! وشادينهم بحال العبيد! شي مربوط! شي كيطلب! وكاين شي وحدين مدخلين الفلوس… والمخزن داير عين ميكا”!!!
والإسلاميون الذين لهم – كما قلنا – نواب في البرلمان “دايرين حتى هما عين ميكا”! مثلهم مثل المخزن سواء بسواء! وهذا ما يفسر ويبرر ويعلل كونهم هبة من السماء للدولة المغربية كما قال عبد الإله بنكيران! وإلا فهل تجد الدولة هبة أروع وأجمل وأجدى من الحاملين للإسلام البارد (وهو الإسلام الذي تريده أمريكا) مقابل الإسلام الساخن الذي تتعاون مع الحكام العرب والمسلمين للقضاء عليه!
ثم هل تجد الدولة هبة ممثلوها على أرض الواقع لا يستطيعون توجيه الرأي العام والخاص إلى خطر ظلاميات مفادها أن المقدس المزور حي في قبره! بحيث إنه يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء عن المستغيثين به! نيابة عن الله! أو مشاركا له في الربوبية! ولم لا في الألوهية التي تجعل منه معبودا مثله منافسا ومزاحما له!
وإذا كان الكتاب الصحفيون الجادون كما رأينا، قلقين على دور الفكر الظلامي بتأثيره السلبي الهدام في القلوب والعقول، فماذا عند الطرف الآخر الذي لا يرى لمواجهة قضايا الأمة سوى الحل الإسلامي بدل الحلول المستوردة التي أبانت عن فشلها تحت مسويات عدة كالليبرالاوية والرأسمالاوية والاشتراكاوية والشيوعاوية؟
في واجهة جريدة “الوطن الآن” ليوم 22 شتنبر 2007م صورة لعبد الإله بنكيران القائل بكل اعتزاز وبكل افتخار: “نحن هبة من السماء للدولة المغربية”! دون أن نعرف – على وجه التحديد – ما المقصود عنده ب”نحن”؟ فهل يعني نفسه؟ أم يقصد الحزب ذا الجذور الخطيبية الذي ينتمي إليه كواحد من مؤسسيه. وهو حزب للتذكير صلتي بولادته لم يحن بعد أوان التعبير عنها بكل صراحة وبكل وضوح!
ثم إننا لا ندرك، لا بالإطلاق ولا بالتقييد، كيف أن حزبه هبة من السماء للدولة المغربية؟ والهبة كما نعلم، ليس من ورائها مطالب أو طموحات! لكن السماء كما يعلم أو كما لا يعلم بنكيران لا تعطي ولا تمنع! ولا تضر ولا تنفع! إنها مخلوقة كبقية المخلوقات! مفتقرة لا غنية! محدثة لا قديمة بنصوص قرآنية ثابتة! أم إن صديقي القديم يريد الدخول في الخط هنا مع الظلاميين؟ خاصة مع من يعتقدون أن الصلحاء المفترضين المزورين يمدون زوارهم بالمطلوب من الحاجات؟ إذ عندها يمكن للقائل أن يقول: نحن هبة من سيدي أحمد التجاني للدولة المغربية! غير أن قوله هذا لن يكون إلا مرفوضا مدانا مستنكرا مثل سابقه! مما يقتضي من صاحبنا طلب شيخ عالم حتى تتعمق معرفته بالمعتقدات الإسلامية على وجه الخصوص وفي مقدمتها. ومن بديهياتها أن المخلوقات ليس لديها ما تهبه للدول! ولا للأفراد ولا الجماعات؟
بقي الاستفسار عن مفهوم الدولة المقصود في كلام الرجل؟ هل يعني بها الحكام؟ أم يعني بها الأمة أو الشعب؟ فإن عني بها الحكام فلنؤكد فورا بأنه صادق كل الصدق! إذ الدولة حينها (أي حين ظهور حزبه) كانت في أمس الحاجة إليه كهدية! لا لأنها نزلت عليها من السماء! وإنما لأنها حصلت عليها بعد ترتيبات ومقدمات ناضجة سياسيا! بعض من فصولها شاركت فيه كوسيط ناجح. جزاؤه بعد ذلك “جزاء سنمار”[11]! أما إن عني بها الشعب، فلنؤكد فورا بأنه أبدا غير صادق! لكن لماذا؟
على متن جريدة مغربية غير حاضرة الآن بين يدي، صورة له داخل مجلس النواب وفي يده سبحة لعد الأذكار، وكأنه لا يلقي أي بال إلى ما به يشتغل الحضور! ولم لا؟ أو ليس من مقتضيات الزهد الإدبار عن الدنيوي والإقبال على الأخروي؟ مع أنه سبحانه “ما جعل لرجل من قلبين في جوفه”[12]؟ يعني أن صاحبنا بين “إما” و”إما”؟ فإن جعل من مجلس النواب مقرا من مقرات العبادة كالزاوية فلينزو في ركن من أركانه حتى لا يشوش عليه المتدخلون ما هو بصدده؟ بل ونقول: لم إذن حضوره إلى حيث يضيع وقته! والحال أنه كان عليه أن يتجنب أيما تجنب كل ما يفسد مناجاته لربه؟ وإن هو حضر إلى المجلس كنائب لأداء ما من أجله يتقاضى ستة وثلاثين ألف درهم في الشهر. فكيف إذن يدير ظهره لما من أجله تم انتخابه؟ كيف يدير له ظهره للاشتغال بتحريك حبات سبحته بعيدا عن التركيز على ما تجري مناقشته إذ من المفروض أن يشارك فيها الجميع؟
لن أعاتب صديقي القديم أكثر من اللازم. غير أنني أهمس في إحدى أذنيه تجنبا لمعرفة أي كان لما سوف أنصحه به: “إذا كانت معلوماتك في فقه المعتقدات غير ذات بال. فحاول تصحيح معلوماتك في فقه العبادات لأنها كذلك مهزوزة لديك”!
ولتدرك – إن لم تدرك بعد – بأن أداء المفروضات في العلن، أفضل شرعا من أدائها في السر. وأن أداء التطوعات شرعا في السر أفضل من أدائها في العلن.
قال تعالى: “إن تبدوا الصدقات فنعما هي، وإن تخفوها وتوتوها الفقراء فهو خير لكم ونكفر عنكم سيئاتكم والله بما تعملون خبير”[13]!
ويقول “المؤيد المنصور” ص: “أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة”[14] يقصد العبادات التطوعية بصفة عامة ونوافل الصلاة بصفة خاصة!
ثم يقول عليه السلام: “من صام يوما تطوعا لم يطلع عليه أحد، لم يرض الله له بتواب دون الجنة”[15]!
فضلا عن كون استعمال السبحة لعد الأذكار بدعة! وكل بدعة كما يقول أئمة المساجد باستمرار في خطبة الجمعة ضلالة! وكل ضلالة في النار كما يقولون! أصابوا أم أخطئوا! إذ ما صح عن نبينا قط أنه استعان بها لعد الأذكار التي كان يواظب على أدائها بالليل والنهار!
وفي “البدع والنهي عنها” لمحمد بن وضاح الأندلسي، تلميذ سحنون القيرواني، نقف على هذه الآثار الذهبية الثمينة الصادرة عن أول من جاهر بالقرآن الكريم داخل المسجد الحرام بمكة المكرمة عبد الله بن مسعود.
أ- عن يسار أبي الحكم أن عبد الله بن مسعود حدث أن أناسا بالكوفة يسبحون بالحصا في المسجد، فأتاهم وقد كوم كل رجل منهم بين يديه كومة حصا. قال: فلم يزل يحصبهم (= يرميهم) بالحصا حتى أخرجهم من المسجد ويقول: لقد أحدثتم بدعة ظلما، أو قد فضلتم أصحاب محمد ص علما”[16]!
ب- بلغنا عن عبد الله بن مسعود أنه رأى أناسا يسبحون بالحصا فقال: على الله تحصون (= تعدون حسناتكم)؟ لقد سبقتم أصحاب محمد علما، أو لقد أحدثتم بدعة ظلما”[17]؟
ج- مر ابن مسعود بامرأة معها تسبيح تسبح به. فقطعه وألقاه. ثم مر برجل يسبح بحصا فضربه برجله ثم قال: لقد سبقتم. ركبتم بدعة ظلما. أو لقد غلبتم أصحاب محمد ص علما”[18]!
وما أقدم عليه ابن مسعود من استنكار استعمال الحصا أو السبحة لعد الأذكار، هو في الواقع انتصار للسنة التي تشبع بها طوال مصاحبته لسيد الناس ص. ثم إن ما أقدم عليه إشارة إلى رفض الإسلام للاقتداء بالذين كانوا يستعملون السبحة من أصحاب الملل والأهواء والنحل مثل البوذيين واليهود والنصارى! مما يعني أن استعمالها مجرد تقليد لخصوم ديننا الحنيف الذين نهينا عن تقليدهم كتمييز لنا عنهم بمنهاج نبينا أو بسننه ص.
فإن فضل الحق تعالى أداء الأعمال التطوعية في الخفاء. وأيد المختار بسنته ما فضله ربه ودعا إليه وحث المؤمنين عليه! وإن كان طوال حياته لم يستعمل السبحة لعد الأذكار – كما قلنا – وكأنه يمن عليه سبحانه بأعداد ما يردده من ثناء وتمجيد وتسبيح وتهليل! وإن كان عمل أي مؤمن مشروطا بشرطين اثنين كي يقبله ربه ويثيبه عليه: أن يكون خالصا بعيدا عن الرياء والتظاهر! وأن يكون صائبا يؤديه صاحبه وفق أدائه ص لعباداته كلها! فإن حمل السبحة أمام الناس في أي محفل، مع العبث بحباتها عمل هو الرياء والتظاهر ذاته! وكأن حاملها يقول لمن ينظرون إليه “أنا من العباد الذين لا ينون عن ذكر الله طرفة عين”! فلا هو أخلص لربه! ولا هو اقتدى بسنة مصطفاه وصفيه ومجتباه! مما يعني أن صاحبنا كبعض الحكام، أو كبعض الأثرياء الخليجيين الذين يصحبون معهم السبحة أينما حلوا وأينما ارتحلوا! ومما يعني من جهة أخرى أن صاحبنا غارق في نوعين من الظلام: ظلام ديني، وظلام حزبي سياسي وراءه هدف جلب الأنظار وكسب الأتباع وخداع المشاهدين!!!
فأي مرجعية إسلامية إذن يتحدث عنها صاحبنا ومن يحومون حوله؟ أو ليس من بينهم من يرشده إلى الصواب بعيدا عن الأخطاء القاتلة في المجالين المتداخلين: مجال المعتقدات ومجال العبادات؟
إن كان على المغاربة جميعهم واجب التصدي للفكر الظلامي كخطوة مشروعة من خطوات مواجهة أخطار الجهل! وكخطوة من خطوات التحرر من عالم الوهم والخرافة! وكخطوة من خطوات التسلح بالمنطق العقلاني الذي تحت على التسلح به جملة من الآيات القرآنية المحكمات! أو ليس من المفروض أن يكون العلماء هم القادة المرشحون لحمل معول تخريب وهدم منازل الضلال البدعي الديني القائمة منذ عهود في العقول وفي المشاعر والأحاسيس؟
وإذا لم يقم العلماء بالواجب المفروض عليهم القيام به لدحر الفكر الظلامي وإقباره ورفع راية النصر على مدافنه. فهل يتأخر الإسلاميون – كما تأخروا الآن – في القيام بنفس الواجب الذي تأخر العلماء عن القيام به؟ حتى وأن الادعاءات العريضة لهؤلاء الإسلاميين بكونهم عن الاحتكام إلى شرع الله يدافعون؟ وبالكتاب والسنة يحتمون؟ وعلى مواجهة العلمانيين – كما يقولون – يواظبون؟
[1] – التاريخ المفترى عليه في المغرب. ص 30. عبد الكريم الفلالي. طبع بمطبعة الصومعة بالرباط عام 1969م.
[2] – التصوف الإسلامي بالمغرب. ص 55. علال الفاسي.
[3] – مدرسة الإمام البخاري في المغرب. 2/495-496.
[4] – سورة آل عمران: 76.
[5] – سورة الزخرف: 22.
[6] – فتح المجيد شرح كتاب التوحيد. ص 150.
[7] – الجامع الصغير. 2/545. رقم الحديث 9082.
[8] – ن.م. 2/509. رقم الحديث 8346.
[9] – البدع والنهي عنها. ص 1-2. محمد بن وضاح الأندلسي. عن دار الرائد. طبعة ثانية . بيروت لبنان. 1402ه – 1982م.
[10] – ن.م. ص 4-5.
[11] – مثل يضرب لمن يجزى على الإحسان بالإساءة!
[12] – سورة الأحزاب: 3.
[13] – سورة البقرة: 270.
[14] – الجامع الصغير. 1/8. رقم الحديث 1276.
[15] – ن.م. 2/53. رقم الحديث 8783.
[16] – البدع والنهي عنها. ص 11.
[17] – ن.م. ص 11.
[18] – ن.م. ص 12.