عقوبات مادية تهدد أولياء الأمور في التعليم الفلامانكي!

الوطن24: بقلم/ التجاني بولعوالي

خرج وزير التعليم والتكوين الفلامنكي بان ويتس أثناء الأسبوع الجاري بخطة غريبة، وهي معاقبة أولياء الأمور الذين لا يبذلون جهدا لتعليم أطفالهم ما يكفي من اللغة الهولندية خارج ساعات الدوام المدرسي. وكان قد توصل بحث أجري على 400 مدرسة أولية إلى أن 14 بالمائة من الأطفال في الصف الثالث قبل ولوج المرحلة الابتدائية حصلوا على درجات غير كافية في مجال اللغة الهولندية.  

وتتمثل العقوبة التي طرحها الوزير في سحب المستحقات المالية التي تتلقاها الأسر شهريا على أبنائها. وتعرف بإعانة الطفل، وهي إعانة اجتماعية تخصصها الدولة لكل والد أو ولي أمر يوجد طفل أو أطفال تحت رعايته الأسرية. وقد تجاوزت مخصصات إعانات الأطفال لعام 2023 خمسة مليارات يورو على مستوى منطقة الفلاندر التي يصل عدد سكانها ستة ملايين ونصف مليون نسمة. وقد حددت إعانة كل طفل فيما يعادل 170 يورو شهريا لكل طفل مولود بعد 1 يناير 2019، بينما يخضع الأطفال المولودون قبل هذا التاريخ لنظام الإعانات القديم.

وقد تلقى الوزير انتقادات شديدة على هذه الخطة المقترجة، سواء من داخل التحالف الحكومي الذي ينتمي إليه أو من طرف المتابعين السياسيين ووسائل الإعلام والرأي العام الوطني. فيما يتعلق بالحزبين المسيحي والليبرالي الديمقراطي المشاركين في الحكومة الحالية فقد رفضا هذا المقترح الغريب، حيث اعتبر وزير الشباب بنيامين دال أن هذا الاقتراح ليس في مصلحة الطفل، وأن هذه العقوبات المالية سوف تقلل من فرص الأطفال في المدرسة. وعلى المنوال نفسه، لم توافق وزيرة الشؤون الاجتماعية هيلده كريفيتس، التي ترى أن معاقبة أولياء الأمور ليست فكرة جيدة، لأنها ستعمق من الضعف الدراسي والتأخر اللغوي، ولم تخصص هذه الإعانات العائلية في الأصل إلا لمنح الأسر والأطفال المزيد من الفرص.

ثم إنه باستثناء الحزب اليميني المتطرف “المصلحة الفلامانكية”، فإن الأغلبية الحزبية والسياسية اعتبرت ما صدر عن وزير التعليم بمثابة مناورة لتحريف المشاكل الحقيقية التي تواجه وزارته.

أما الأوساط التعليمية الفلامانكية، فقد شجبت رؤية الوزير بسخط وهي تردد: “أنت لا تساعدهم بأخذ أموالهم”. وعلى إثر هذا المستجد، سجلت وسائل الإعلام مختلف ردود الأفعال التي نددت بخطة وزير التعليم. تقول مدرسة في إحدى الثانويات بمدينة بروكسيل: “نواجه أيضا الكثير من الطلاب الذين يتحدثون لغة مختلفة للأسف. يتم تدريسهم باللغة الهولندية في المدرسة، وفي الشارع يتكلمون اللغة الفرنسية، وفي المنزل شيء آخر. هذا لا يحل بأخذ أموالهم، لا سيما إذا كان ذلك يرتبط بالوضعية الاجتماعية الفقيرة التي يوجدون فيها. عليك أن تدعم هؤلاء الأشخاص من خلال تلقي التعليم أو الدعم اللغوي الإضافي. إن أخذ أموالهم هو مجرد حماقة”.

وتذهب المتحدثة باسم مؤسسة الأسرة في بلجيكا إلى أن هذا الإجراء سوف لن يكون له أي تأثير محفز، لأنه لا يمكن حل التأخر المدرسي بحزمة عقوبة مالية، فالعديد من العائلات بحاجة ماسة إلى هذه الأموال، خاصة الآن بعد أن أصبح كل شيء أكثر تكلفة ومصاريف الحياة في ارتفاع متواصل.

وبعد رصدنا لهذا المستجد وقراءتنا لمختلف ملابساته وما ترتب عنه من مواقف وتداعيات، يمكن تسجيل ملاحظاتين، نلخصهما فيما يأتي:

الملاحظة الأولى: لا يخلو هذا الاقتراح من عنصرية مبطنة، لأن الأطفال الذين يعانون من التأخر اللغوي في المدرسة البلجيكية والفلامانكية هم بالدرجة الأولى أبناء الشرائح المجتمعية الأجنبية والمسلمة، ومع أن الوزير يعي هذه المسألة أيما وعي، ويدرك بعمق أسبابها الثقافية والتربوية والسوسيو- اقتصادية، فإنه قام بطرح هذه المبادرة الغريبة التي تتسق مع رؤية واستراتيجية الحزب الليبرالي الذي يمثله بخصوص الفئات المسلمة والأجنبية، في الوقت الذي كان عليه أن يعتمد مقاربة تربوية واقعية. وهذا تماما ما يعكسه التعاطي البلجيكي والفلامانكي مع أطفال اللاجئين الأكرانيين الذين يتم إدماجهم تعليميا وقانونيا اجتماعيا واقتصاديا بدون شروط من أول يوم يضعون فيه قدمهم على التراب البلجيكي. وهذا ما تؤكده التقارير الرسمية، التي تذكر أنه غالبا ما يتعرض الأطفال المسلمون للتمييز في المدرسة، وقد رصد 61 في المائة من المدرسين العام الماضي حالات عنصرية داخل الفصول الدراسية، وعادة ما تتمثل في الإهانات والإساءات اللفظية، ويتجاوز الأمر ذلك في التعليم الثانوي إلى أعمال العنف والتخريب.

الملاحظة الثانية: أمام تفاوت الفرص اللغوية والمعرفية والمادية في المجتمع الفلامانكي من شريحة إجتماعية إلى أخرى، لا يمكن التعاطي مع مختلف الإشكالات التعليمية بالمعايير التقييمية نفسها، وهذا ما ينطبق إلى حد كبير على مشكلة التأخر اللغوي. إن الطفل الفلامانكي الأصل تعتبر اللغة الفلامانكية/ الهولندية لغته الأم التي يتعلمها سليقة منذ الولادة، وتظل لغته المستعملة في التخاطب اليومي ومتابعة الإعلام والدراسة والشارع ومختلف الأنشطة الثقافية والرياضية الموازية. أما الطفل من أصل أجنبي، فيتلقى لغة أم مختلفة قد تكون التركية أو الأمازيغية أو إحدى العاميات العربية أو الإفريقية، وتأتي اللغة الفلامانكية في المرتبة الثانية أو الثالثة أحيانا إذا كان الوالدين من أصلين مختلفين (تركي/ عربي، أمازيغي/ عربي، إفريقي/ أسيوي، عربي/ أوروبي، إلخ). وما يزيد الطين بلة هو إشكالية الامتزاج اللغوي الهجين وغير المعقلن، حيث فئة مهمة من الأطفال والشباب من أصول أجنبية ومسلمة يأخذون من كل لسان بطرف دون أن يتقنوا لسانا معينا بشكل جيد وسليم. وهذا ناهيك عن التفاوت العميق في الفرص المادية والاجتماعية والمعرفية، حيث تساعد الرواتب العالية والتقاليد الاجتماعية الأسر الفلامانكية الأصلية من تهيئة مختلف الظروف المواتية للطفل (سكن، ملبس، رفاهية…)، بينما لا تُوفر هذه الظروف لأطفال الأجانب الذين يعيشون في ضيق وخصاص ولا استقرار.