علي جمعة وسؤال المشروعية

الوطن 24/ الدكتور عبد الله الجباري

علي جمعة، شيخ مصري، بدأ حياته متخصصا في الأموال والمحاسبات، وبعدها توجه نحو العلوم الشرعية، فاشتهر بها، وتسلق درجات في المشيخة إلى أن تقلد منصب الإفتاء في الجمهورية المصرية، وكانت له مواقف تحسب له، منها على سبيل المثال حين حلّ ساركوزي إلى مشيخة الأزهر لنيل المشروعية في حربه ضد الحجاب، واستصدر قرار الموافقة من شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي رحمه الله، وبعد رفع الجلسة، بقي علي جمعة مشدوها في كرسيه، وصرح لوسائل الإعلام أن تصريح شيخ الأزهر تصريح شخصي يلزمه ولا يلزم الأزهر.

بعد مدة، توفي شيخ الأزهر، وآثر محمد حسني مبارك تعيين الشيخ أحمد الطيب في منصب رئاسة المشيخة، لما له من سابقة “نضالية” في لجنة السياسات في الحزب الوطني التي يرأسها نجل الرئيس جمال مبارك، مع العلم أن علي جمعة أعلم منه بمراحل.

أثناء الثورة المضادة التي قادتها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بدعم من المسؤولة الخارجية للاتحاد الأوربي وبغطاء من أوباما، كان لا بد من دعم طبقة الإكليروس (علماء السلطان)، فتولى علماء الدين مسؤولية تبييض صحيفة الانقلاب، ودعم الانقلابيين، فظهر ثلاثة أقطاب:

الأول: الشيخ أحمد الطيب، وخلفه مشيخة الأزهر الرسمي، وعامة الطرق الصوفية، ولهم ولاء رئيس للإمارات حيث يرتع علي الجفري وغيره، مع ولاء لأجنحة في السعودية.

الثاني: الشيخ ياسر برهامي، وخلفه جزء مهم من السلفيين في حزب النور وغيره، ولهم ولاء رئيس للمملكة العربية السعودية. مع علاقات في الإمارات.

الثالث: البابا تواضروس، بابا الإسكندرية، وخلفه الأقباط الأورثدكس.

ويبقى السؤال: أين علي جمعة في هذه الخارطة؟
من الطبيعي ألا يجد موقعا مع السلفيين والأقباط، لذا كان لزاما عليه سلوك واحد من ثلاثة سبل:
** إما التواري عن الأنظار، وهذا لا يروقه، لأن الرجل يحب الظهور والتصدر.
** إما التموقع في قطب الشيخ أحمد الطيب، وهذا لا يروقه أيضا للعلة السابقة أولا، ولأنه أعلم من الطيب ثانيا.
** إما اتخاذ مواقف مشرفة، وأنا لا أستبعد هذا الخيار، ولعله ووجه ببعض الملفات، خصوصا المرتبطة بالنساء، وما تصريحات كريمة الشيخ محمود شلتوت منا ببعيد.

وبما أن الخيارات السابقة كلها لا ترضيه، فكان لزاما عليه أن يختار الاحتمال الثاني، وأن يدعم شيخ الأزهر، إلى أن يستوعب الصدمة، وبعدها يضع لنفسه خطة ترجعه إلى التصدر.

في هذا الإطار، أكثر رفقة مجموعة من المشايخ من إلقاء دروس علمية في الأزهر، تولى خلالها شرح كتابين في أصول الفقه، بحضور جماعة لا يستهان بها من طلبة الأزهر وأتباعه، ونشر ذلك على اليوتيوب، ليظهر كفاءته العلمية للناس.

وبالموازاة مع ذلك، كثف من حضوره الإعلامي، مع ما له من مكنة في الكلام (له تفوق في هذا الجانب على أحمد الطيب)، وقدرة على الحفظ والاستظهار، إضافة إلى ضبطه للغريب غير المفيد، مثل معرفة اسم نملة سليمان، وأن أبا الهول هو نبي الله إدريس عليه السلام…، هذه المعلومات يُدهش بها العوام وصغار الطلبة، فيُسَوّق لنفسه بينهم بواسطتها. أضف إليها بعض العجائبيات، كقوله بأن ملكة بريطانيا إيليزابيث من نسل النبي صلى الله عليه وسلم، وأن عبد الحليم حافظ غنى “أبو عيون جريئة” مدحا للنبي صلى الله عليه وسلم.

والأمران السابقان لا يمَكّنانه من الحصول على الحظوة والمكانة اللائقة لدى سلطات الإنقلاب، إلا إذا أضاف إليهما بعض التوابل، منها:

** الكلام السيء عن الإخوان، والرمي بهم في ساح الزندقة والهرطقة، فقال كلاما عن سيد قطب لا يصدر عن إنسان يحترم نفسه، وسلب حسن البنا كل فضيلة …

** الكلام عن بعض القضايا الفقهية بمنطق (ما يطلبه المشاهدون)، كقبوله تقليد من جوز المعاملات الربوية، وجواز بيع الخمور في بلاد غير المسلمين، قياسا على موقف الحنفية من العقود الفاسدة في ديار الكفار، وجواز النظر إلى المتبرجة، لأنها أسقطت حقها في الحشمة والوقار، أما المحتجبة فلا يجوز النظر إليها إلا بإذنها. وغير ذلك من الآراء والفتاوى التي يتقن بها صناعة البوز!!

** الحديث في قضايا ذات ارتباط بالسياسة، مثل قوله بعدم جواز الخوض في فساد رموز نظام مبارك، وأن طاعة السيسي من طاعة الله، أما الرئيس الشرعي محمد مرسي فمحجور عليه، وأنه بذهابه إلى القضاء سقطت شرعيته إن كانت عنده شبهة شرعية، دون أن ننسى خطابه الشهير أمام القوات المسلحة، والذي تضمن رعونات كثيرة، كقوله: اضرب في المليان… طوبى لمن قتلهم وقتلوه… إنهم لا يستحقون مصريتنا…

رغم ما أثمرت هذه المواقف من حظوة عند الفراعنة الجدد، إلا أن علي جمعة بقي يعاني من نقص، لا يجبره إلا تمشيخه على رأس طريقة صوفية، تمكنه من الظهور أكثر، وتمنحه لقبا لم يُكتَب بعد في سيرته الذاتية، ففكر في إنشاء طريقة صوفية، وكذلك كان.

للشيخ علي جمعة دروس ومحاضرات في التصوف، وشروح على كلام القوم، لكنه قد يكون مقبولا في كلامه في الفقه والأصول، لأنه خريج المشيخة الأزهرية، أما كلامه في التصوف، فلا يقبله كثير من المتتبعين لأنهم يعتبرون الرجل زنيما منقطع الأصل بدون سند يربطه مع السلف من الصوفية، ففكر في إثبات نسبه في هذا الميدان، بحيلة ذكية، حيث رجع إلى علاقته بالإمام العلامة سيدي عبد الله بن الصديق الغماري المغربي رضي الله عنه، وادعى أن له إجازة منه تخوله إنشاء الطريقة الصديقية هناك، فأسس الطريقة الصديقية العلية، (الصديقية: نسبة إلى ابن الصديق- العلية: نسبة إلى علي جمعة)
وما أن حصل على الترخيص الرسمي لطريقته [الصوفية]، حتى أسس موقعا على النت، وأعلن ذلك للعموم، وبدل أن يكون الانتساب إلى الطريقة الجديدة عبر الإتيان إلى الشيخ، والسماع عنه، وتلقين الوظيفة والأوراد، فإنه -عملا بمبدأ التيسير وعدم التعسير- أتاح لأنصاره أن ينتسبوا إلى طريقته بالتسجيل الإلكتروني، وما هي إلا ساعات حتى كان منتسبو طريقته بالآلاف، وعيّن مقدمين لها عبر التراب المصري، ينثرون على العوام كرامات مولاهم وعلومه ومواهبه، ويكثرون من ذكر اسمه، كما يحرصون على تذييله بعبارة (رضي الله عنه).

وأخيرا، عمدت قناة الناس إلى إنجاز برامج تلفزيوينة حول مجموعة من المشايخ، بدأتها بحلقة عن مولانا عبد الله بن الصديق، واستدعت لها مقدمَيْ طريقة علي جمعة، وكانت تقنيتهما المعتمدة في البرنامج هي الكلام عن ابن الصديق من طريق جمعة، أو الكلام عن ابن الصديق من أجل الوصول إلى جمعة، وكأن البرنامج عن علي جمعة وليس عن شيخه. ووعد مقدم البرنامج بحلقات أخرى عن علماء آخرين، كلهم يدعي علي جمعة الارتباط بهم والانتساب إليهم، كل هذا من أجل إظهار مشروعيته في المجال التداولي الصوفي، وأنه ليس زنيما في الميدان.

هذه بإختصار قصة الطريقة الصوفية المبتدَعة في بلاد النيل، ويبقى السؤال عن نسبته إلى الشيخ عبد الله بن الصديق الغماري.

أولا: مما لا شك فيه أن علي جمعة من تلاميذ الإمام ابن الصديق، مثله مثل العلامة محمود سعيد بمصر والسيد حسن السقاف بالأردن وغيرهما.

ثانيا: التتلمذ للإمام ابن الصديق لا يعني نيل المشروعية، لأنه فتح ذراعيه للجميع، وتلقى عنه الموافق والمخالف، بل كثير من الوهابية جثوا على ركبهم أمامه للنهل من علومه الفياضة.

ثالثا: مما لا شك فيه أن علي جمعة قد نال إجازة من العلامة ابن الصديق، وهذه الورقة لا تفيد سوى ارتباط سلسلة الإسناد، والإجازة يعطيها العلماء، ويعطيها العوام أيضا، وتُعطى بدون مقابل، وتعطى بمقابل، وكان بعض العلماء يحتفلون بها ويشدون الرحال لأجلها، مثل عبد الحي الكتاني المغربي الذي سماه –بسبب ذلك الاهتبال- محمد البشير الإبراهيمي: مجنون الرواية.

رابعا: هل تلك الورقة التي في حوزة علي جمعة تفيده في رتق الفتق الذي يعانيه؟ إن الانتساب إلى العلماء الربانيين هو انتساب قلبي وجداني، انتساب محبة، انتساب أذواق لا انتساب أوراق.

خامسا: بإعتبار سابقتي في معرفة الإمام ابن الصديق وأشقائه، ولقائي بهم، وقراءة كتبهم وعلومهم، وباعتباري باحثا يسر الله لي نشر دراسات وأبحاث عن تراث الأسرة الصديقية الكريمة، منها كتابَا “الاجتهاد الفقهي عند الحافظ عبد الله بن الصديق الغماري” و”الاجتهاد في الدرس العقدي عند الإمام عبد الله بن الصديق الغماري”، لهذه الأسباب أعتبر نفسي من أعرف الناس بمنهج الإمام عبد الله بن الصديق الغماري.

سادسا: معرفتي بمنهج الإمام إبن الصديق، ومعرفتي بمنهج علي جمعة، يجعلاني أقول باطمئنان أن علي جمعة لا يمت بصلة إلى روح وجوهر الإمام، لأن:

** الإمام إبن الصديق كان عف اللسان، لا يدعو إلى قتل أحد، ولا يدعو إلى تبخيس أحد، ولا يصرح بأن جماعة ما لا تستحق جنسيته، وعلي جمعة على النقيض من ذلك.

** الإمام إبن الصديق كان يختلف مع سيد قطب لاختلاف مشربيهما العلمي، لكنه لم يكن يطعن فيه بأدنى كلمة، بخلاف علي جمعة.

** الإمام إبن الصديق كان يحفظ الود للإمام حسن البنا، ولا يذكره إلا بالثناء العطر، وبالتبجيل والتعظيم، بخلاف علي جمعة.

** الإمام إبن الصديق كانت له مواقف صارمة تجاه عبد الناصر، ولا يصف عمله الذي قام به بالثورة، بل لا ينعته إلا بالانقلاب، وعلي جمعة بخلاف ذلك، فإنه ارتمى في أحضان السيسي، وقال فيه ما لم يقل قيس في ليلاه.

** الإمام إبن الصديق كان تقيا ورعا، حريصا على التمسك بتعاليم الدين وتشريعاته، بخلاف علي جمعة الذي أفتى بالغرائب التي ذكرنا، والتي لم نذكر.

** الإمام عبد الله بن الصديق عاش حياة الكفاف والعفاف، ولم يَرْمِ أنفته وكبرياءه على أعتاب الملوك، ولو أراد ذلك لقوبل بالحفاوة والترحاب، وهو إبن الإمام سيدي محمد بن الصديق قدس الله روحه الذي رفض مجرد إستقبال السلطان عبد الحفيظ بدعوى أنه من قتل الشريف الكتاني، ومن وقع على الحماية للاستعمار، كما أن سيدي محمد بن الصديق لم يبايع سلطان وقته الذي ارتمى في أحضانه المشايخ والعلماء، وكان في صف المغاربة الأحرار الذين كانوا يسمونه “سلطان النصارى”، وعلي جمعة بخلاف ذلك، وارتماؤه في أحضان مبارك والسيسي برهان قولنا، وهو مستعد للارتماء على أعتاب إليزابيث، أليست من آل البيت؟

لهذه الإختلافات الجوهرية، لا أجد نسبةً بين الإمام إبن الصديق وبين علي جمعة، تجعل هذا الأخير ينشئ فرعا لطريقة الأول في مصر، وأن محاولته الانتساب إليه ليست إلا لذر الرماد في العيون، ولعله نُبِذ من الطرق والمشايخ المصريين، لذا حاول إكتساب مشروعيةٍ ما باستيرادها من المغرب. رغم الإختلاف البيّن والجوهري بينه وبين الإمام المنتسب إليه.

تعليق واحد

  1. مقالك بعيد عن النجعة وليس على مل سقته من دليل سوى انك متحامل على هدا العالم الدي ولي الافتلء بمصر لسنوات ولا أظن ان منصب كهدا يعطى لمن يحب الظهور وتحقيق البوز عن طريق المعلومات التي لا تفيد فالرجل متمكن باعتراف علماء مصر وخارجها وله تلاميد كثر وينعث بمقبرة الوهابية , اما قولك بانه افتى بقتل الاخوان فارلى انك لم تتبن الامر جيدا عملا بقول الله تعالى فالفيديو الاصل ليس فيه تحريض على الاخوان ولم يأمر فيه بقتلهم بل قلب من رمى عليكم الرصاص فاضربوا في المليان فتأمل أخي كلامه جيدا من رمى عليكم الرصاص , أرى ان انتماءك او ربما تعاطفك مع الاخوان هو المحرك لمشاعرك اتجاه الرجل والحب يعمي ويصم كما قالوا ولو عرفت حقيقة الاخوان من كتبهم وما قيل فيهم من قبل العلماء كالغالي والشعراوي وما شهد به ضدهم من كان في صفوفهم كالخرباوي والعشماوي وما قاله القرضاوي في سيد قطب وووووووو لكان لك موقف اخر من الرجل