عيّنات بشرية في سيرة حياتنا: شخصية “البحلاس” نموذجا.

الوطن24/محمد بوقنطار

معرفة الأشخاص ومرورها في مسلسل حياتنا ضرورة اجتماعية جُبل عليها الإنسان والحيوان، وهي تجارب ذوقية لها طعمها، فهي من جهة التقييم إما أن تترك انطباعا نبيلا، أو تخلف انصباغا وبيلا تشكر الله أن خرجت منه سالما لا غانما، وهذه التجارب كالأمصال المقوية، أو كاللقاحات الفيروسية تحقن في الجسم مبكرا ليحذرها ويقاومها مستقبلا.
ولا شك أن الحياة العادية ليست كالحياة المهنية أو الوظيفية، ذلك أن في الأولى تؤسس العلاقات على الاختيار الذي ينمِّيه ويغذيه التشاكل ويحميه اللائتلاف البريء من التضاد والاختلاف، أما في ظل الثانية فتفرض العلاقات وتنزل على عقود يغيب فيها عنصر الرضا ويتغيّب عنصر الاختيار لتحل محلهما مناخيل ذات طبيعة خاصة ودقيقة في دائرة مجالها.
وعلى أي فالمؤمن بين الأولى والثانية تهديه الظروف فرص الاعتبار والاتعاظ تحت طائلة أن المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين، وحتى إن فشل تقديره فعذره مع قول الله جل جلاله آمرا رسوله عليه الصلاة والسلام إظهارا منه لملحظ بشريته في مقابل كمال ربوبيته وقيوميته: “قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء”.
شخصية “البحلاس” تكاد تكون شخصية من التراث البشري، شخصية قد اجتمع فيها ما تفرّق في غيرها، تجدها في الأسلاك المدنية والمهنية والعسكرية والتربوية والخدماتية، ترى صاحبها قد تمسلخ بمسلاخ المداهنة والتُقية، فريدا في سلامه وتحيته، استثناء في حركاته، ملفتا للنظر والفضول في معاملاته دقها وجلها، مهرولا في تلبية الحاجات والمآرب تحت الطلب أو بغيره، ممتثلا للأوامر والالتماسات في ثوب من المسكنة التي بينها وبين الذلة والدناءة زغبة ابن أبي سلول، متفوقا في تشخيص الأدوار وإتقان التمثيل على سائر المحيطين به خاصة منهم الشرفاء والأُباة، زاوية الانحناء عنده متى ما التقى صاحب حاجته قد تجاوز انفراجها درجة النخوة والمروءة، تعرفه في لحن القول، ومهادنة اللسان، ومنغوم الألفاظ، وكأنه آبق يتودّد لسيده، وإنّما خطره ومكنون قبح سريرته يتعاظم مكتسحا المساحات مهتبلا الإشارات الضوئية الخضراء في جو السلم وزمن الرضا على علانية سلوكه المنافق النافق، فتراه قد شمّر على ساعد بناء قواعد استعمار أفئدة وألباب أهل الحظوة ومن له فيهم لُمجة طمع أو تلبية نهم جشع، وهو بين هذا وذلك لا تفارقه الابتسامة النمطية بالمناسبة أو بغيرها…
وإنّما تفضحه الخصومات التي يحوِّلها إلى عداوات ينكر في أتونها فضلك ويُفشي معها سرك وينسى في قريب أمد عشرتك ويقول عنك ما ليس فيك وتلك علامات المنافق إذا لج في الخصومة، ولو شئنا لسميّنا نماذج ممن عرفناهم وتألمنا من شذوذ سلوكهم المشين ونحن في الكشف عن عورة الاسم والرسم معذورون لتواطئ لسان العلماء على واجب ذكر الفاجر بفجره حتى يحذره الناس، ولكن عفونا والعفو والمسامحة قد تكون سهلة هيّنة، ولكن المضض والصعوبة في استعادة المكانة متى ما ضيّعها “البحلاس” وانكشف سره وانفضح شره نسأل الله السلامة والعافية…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *