فعل الإحتجاج ما له و ما عليه
الوطن 24/ بقلم: ذ. بوسلهام عميمر
بعيدا عن ورقة التحريم التي يشهرها البعض في وجه المحتجين ممن لا يجازفون بالخروج إلى الشوارع سوى من أجل حقوق عادلة، لا غبار على أحقيتهم في التمتع بها كغيرهم من أبناء شعوب الأرض ممن يحفظون للمواطنين كرامتهم. فمتى كان الدين يحرم المطالبة بالحقوق الإنسانية المشروعة؟ ومتى كان يحجر على الناس العيش الكريم في الدنيا قبل الآخرة؟ أليس الدين في جوهره جاء ليضمن للناس ليحررهم من كل أشكال العبودية.
يرحم الله الفاروق لما قال “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا” فأنى لجائع لا يجد ما يسد به رمقه، ولا مأوى لائق يأوي إليه، ولا مرض يجد ما يواجهه به أن تتحقق له كرامته
وينعم بإنسانيته، و يؤدي شعائره التعبدية حتى؟ وبعيدا عن ورقة التجريم أو التخوين أو الإتهام بالعمالة للخارج التي عادة ما يرفعها مَنْ بطريقة أو بأخرى يستفيدون من الأوضاع القائمة. فليس في مصلحتهم تغييرها، بما أنها تصب في بحر مصالحهم. فكلما تحركت فئة للمطالبة ببعض حقوقها تُتهم في وطنيتها، كما نسمع في أكثر من نقطة مشتعلة بالبلاد العربية أو بدول أمريكا اللاتينية منذ شهور ولا شيء في الأفق يدل على الإنفراج، مدعين أن الذي يحرك المظاهرات هي أياد خارجية مناوئة لمصلحة الوطن، وكأن الشوارع قاصرة لا حول له ولا قوة، عبارة عن دمى على خشبة مسرح العرائس، يوجه أشرعتها كل من هب ودب في إتجاه رياح مصالحه.
وبعيدا عن تفسير التدخلات العنيفة لقوات الأمن أو الجيش بإستعمال الذخيرة الحية والسحل والإعتقالات كما نتابع بعض فصولها عبر وسائل الإعلام مدعين أن تدخلاتهم تتم في إطار القانون، ومن أجل حماية المظاهرات وحراستها من أن تزيغ عن مسارها لا أقل ولا أكثر.
مما يطرح السؤال التقليدي مَنْ يَحْمي مَنْ و مِمّن و ضِد مَنْ؟ وإن كان هذا لا ينفي أن هناك للأسف من المندسين ممن يستغلها من أجل النهب والسلب والتخريب، ومن تم الإسهام في إبطال مفعول الاحتجاجات والحيلولة دون تحقيق أهدافها.
السؤال المحير كيف يصر حكام هذه الشعوب المنتفضة لشهور على معاكسة التاريخ، والتشبث بأساليب تقليدية موغلة في العتاقة والقدم في الحكم والتحكم؟ فبدل التعقل و المبادرة إلى الإستجابة لتحقيق مطالب الشعوب في حدودها الدنيا، تجدها تلجأ إلى القمع والترهيب.
فإذا كان في التربية نردد القول المأثور “لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم” فكيف في مجال الحكم والمسؤولية؟ هل يمكن القفز على نسبة الشباب في الوطن العربي التي تمثل حوالي 40% ؟ وهل يمكن تجاهل ولع الشباب بالتقنيات التكنواوجية الحديثة، بنقرات معدودات تجدهم يتنقلون في بلاد المعمور، ويطلعون على أخبارها أولا بأول.
فهل هؤلاء وهم يتابعون ما ينعم به الشباب من أمثالهم من حقوق وما يرفلون فيه من كرامة في البلاد الديمقراطية، هل يمكن إقناعهم بالتصبر على ظروف عيشهم القاسية، والتسليم بالقدرية كما كانت على عهد أسلافهم ممن خضعوا طائعين أو مكرهين لتأويلات متعسفة لكثير من النصوص الدينية، وتسليمهم بأن الدنيا دار فناء وأن الآخرة هي دار الحيوان؟
فكيف يُطلب منهم أن يذعنوا ويسكتوا وهم يعرفون ثروات بلدانهم بالأرقام، ويعرفون ترتيبها على سلم إنتاج الغاز و البترول و ما تكتنزه أراضيهم من معادن، كما يعرفون بالتفصيل ما تجنيه الشركات من أرباح صافية بالملايير؟ فكيف يمكن إقناعهم بالفوارق الاجتماعية الفاحشة التي تستفحل يوما إثر يوم، وخاصة في صفوف نخبة من محترفي السياسة، المفروض فيهم خدمة المواطنين من أجل تحسين أوضاعهم وليس خدمة أرصدتهم البنكية.
أعتقد أن الاحتجاج حق مكفول بقوة القوانين الوطنية و الدولية، لا يمكن مصادرته بأي وجه، لكن بالمقابل فكلما حافظ على سلميته وتحضره، كان أجدى وأنفع. سلمية ليس في شقها المادي بالمحافظة على الممتلكات الخاصة والعامة، فهذه من البدهيات، لكن سلمية أيضا في شعاراتها، الواجب أن تنأى عن العنف اللفظي كيفما كان نوعه، واحترام رموز البلدان، بما أنها الضامن لوحدتها واستقرارها وديمومة كينونتها. نعم قد يتأخر تحقيق المطالب، لكن أن تصل متأخرا سالما غانما، خير من أن لا تصل البتة، أو تصل على أنهار من الدماء و جسور من الجثث.