فــن بـوغانـيم في منـطقة ايت بـوكمـاز … محــاولة للإنــقاذ

الوطن24/ بقلم: عبد الرحيم الفطواكي

        كلما اقتربت من دواويرها تسمع صوت الناي الذي يعانق جبالها الشامخة، فيمتزج صوته بإيقاع الطبول وسط زغاريد النساء. أجواء لا يعيشها سكان أيت بوكماز إلا مع فرقة بوغانيم، إحدى أقدم الفرق الموسيقية بالمنطقة. أيت بوكماز هضبة وسط جبال الأطلس، تقع على ارتفاع يتفاوت ما بين 1800 و2000 متر عن سطح البحر، قرية أيت بوكماز السياحية أو الهضبة السعيدة كما يحلو لزوارها أن يسموها، تبعد ب 155 كيلومترا عن مدينة بني ملال، و78 كيلومترا عن مدينة أزيلال، بتعداد سكاني يصل إلى حوالي 15 ألف نسمة، موزعين بين 32 دوارا.

      بوغانيم جاءت تسمية الفرقة من كلمة أمازيغية وتعني صاحب المزمار أو العازف على المزمار، أما كلمة «أغانيم» فمعناها: “القصب”. فصاحب المزمار هو مايسترو الفرقة والضابط لإيقاعها. ما يميز هذا اللون الفني الشعبي هو الدور الكبير الذي كان يلعبه في التواصل بين القبائل إذ لا يقتصر دور الفرقة فقط في الفرجة والغناء بل في نقل الأخبار ومدح زعماء القبائل وأعيانها كعربون شكر وامتنان على حسن الكرم والترحاب. والعكس في بعض الأحيان عندما يشعر فيها بوغانيم بعدم احترامه ومنحه الحب والتقدير الذي يستحقه، فتتحول كلماته إلى ذم وهجاء تعبيرا عن عدم رضاه بوضع ما.

       فرقة بوغانيم بأيت بوكماز، تضم في تشكيلتها خمسة رجال بزي أمازيغي أبيض أربعة منهم يطبلون على البنادير والخامس يعزف على المزمار، أربع نساء بزي أبيض وطرحة حمراء وحزام أخضر على الخصر، يرقصن على إيقاعات البنادير والمزمار، رقصات كل واحدة منها لها معايير وقواعد خاصة، يسردن بحركات الجسد قصصا في انسجام وتناغم، بداية ب “أورار” أي الأهازيج وتليه رقصة ” أمخوض” وبعدها “رقصة ” أدرسي”.

       أحمد اتخديشت رئيس جمعية بوغانيم بأيت بوكماز في تصريح له يقول: ” لقد بدأت الاشتغال في الفرقة منذ سبعينيات القرن الماضي، شاركنا في العديد من التظاهرات الفنية داخل الوطن وخارجه، تشبتنا الى اليوم بهذا الفن رغم الاكراهات التي تواجهنا راجع لكوننا نعتبره تراث يميز المنطقة فقمنا بإنشاء جمعية محلية للمحافظة عليه. وما وجهناه أيضا هو عزوف شبابنا لسلك نفس المسار وأخد المشعل لكونهم يعتبرون أن هذا الفن لن يوفر لهم القوت اليومي، ونحن نطالب من الجهات المسؤولة أن تقوم بدعمنا ومساندتنا ماديا ومعنويا من أجل أن نستمر”.

سعيد ابن المنطقة في الخمسين من عمره أخر عضو التحق بالفرقة في تصرح له يقول: ” اشتغلت بالفرقة لمدة ثلاثون عاما، الجميع يتساءل اليوم عن السبب الذي جعل الشباب يرفضون التمسك بفن بوغانيم. الجواب بسيط هم يعلمون جيدا المعاناة التي مر بها جل رؤساء الفرقة بسبب الفقر وشح التعويضات المقدمة لهم، ومنهم من فارق الحياة بسبب المرض، ولكن رغم ذلك نحن متشبثون بتراثنا وباستمرارية الفرقة”.   

      الحب الكرم والطبيعة من التيمات والمواضيع الأساسية التي يعالجها هذا الفن، ففي الحب يجد العشاق ذاتهم وسط الكلمات الشعرية التي ينظمها بوغانيم، تلك العبارات التي تدخل القلب دون استئذان، ويبتسم لها كل من قام بضيافته وهو يسمع مدحه لكرمه وسعادته باستقباله، فتغازل كلماته خضرة الطبيعة والجبال الشامخة. 

      يبقى فن بوغانيم تراثا لامادي أمازيغي عريق، وشكلا فلكلوريا يدخل البهجة والسرور على سكان المنطقة والمناطق المجاورة لها، فن يقاوم من أجل البقاء في ظل عزوف الشباب على الانخراط في المحافظة عليه، سواء تعلق الأمر بالتوثيق أو التدوين أو الممارسة. فكل المتشبثين به هم من كبار السن نساء ورجال كرسوا حياتهم لهذا الفن إلى جانب الأنشطة الفلاحية التي يقومون بها، لجني قوتهم اليومي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *