في الحاجة إلى نقاش سياسي وطني!

الوطن24/بقلم: ذ. محمد زاوي

هناك من يريد اليوم للنقاش السياسي أن يصب في خانة واحدة، وأن يعزف بلحن واحد.. وهنا نتساءل: ما السبب؟ لماذا كل هذا الاستهداف للنقاش السياسي على أسس غير إيديولوجية، على أساس المصلحة لا على أساس الشعارات؟ لماذا هذا العنف المعنوي في مواجهة الخصوم؟ هل تستحق القضايا العادلة والميدانية كل هذا الاستهداف، كل هذا القاموس النتن الذي ينزف اضطرابات نفسية وأعطابا في الوعي؟!

لقد تحولنا، فجأة، من مجتمع يقبل النقاش السياسي إلى مجتمع ينتعش في الاصطفاف وعلى أخبار الاصطفاف؛ لمصلحة من؟ لا أدري.. إلا أن المتضرر الأول من هذا الواقع هو اللحمة الوطنية، هو ممارسة الاختلاف تحت سقف القضية الوطنية.. هذا النوع من الاختلاف مطلوب وضروري، به يتحقق التوازن السياسي والثقافي داخليا.. خروجه عن دائرة الاختلاف الداخلي، واستمداده لإيديولوجيات دخيلة لا يهدد النقاش السياسي فحسب، بل الوحدة الإيديولوجية وخصوصية التوازن..

هناك تدليس على المتلقي يمارَس تحت أقنعة شتى، فلا تظهر الأجندات بوضوح حتى يتم الحكم عليها.. بل هي مربعات متداخلة، وازدواجية في الخطاب والفكر والموقف السياسي.. تتحرك بيننا أفكار دخيلة، إلا أنها عصية على الإيجاد لدى المتلقي العادي.. لا يستطيع أن يكشف المصالح تحتها، ولا أن يميز تدليسها ويفضح دوافعها “اللاوطنية”..

ما الحل؟ إنتاج نموذج من الاختلاف الوطني تكون فيه المنطلقات واضحة، وبعد الإجابة على أسئلة ضرورية لا تقبل التأخير.. الولاء لمن؟ للوطن أم لجهة ما خارجه؟ للقضية الوطنية أم لتصورات بعينها في القضايا الإقليمية والدولية؟ للعقل بمفهومه التاريخي الملموس أم بمعناه العاطفي المثالي؟ للدولة أم للجماعة؟ للعقيدة السياسية الداخلية أم للإيديولوجيات العولمية العابرة للقارات؟ للواقع الموضوعي أم للشعور وأوهام النفس؟ للمصلحة العامة أم للمصالح الشخصية؟…

عندما نجيب على هذه الأسئلة بوضوح، سنكون قد حددنا إطارا واضحا للنضال الوطني، وسنكون قد كشفنا النقيض الفعلي للقضية الوطنية.. آنئذ نستطيع ممارسة الاختلاف تحت سقف الوطن، ودون أن يتحول النقاش السياسي إلى صراع مصطنع يهدد الوحدة الوطنية.

من يمارس هذا النقاش؟ من يحق له ولوج دائرة الاختلاف السياسي؟ النظرة التقليدية لم تعد تفي بالغرض.. ظهور مؤثرات جديدة فرضت نوعا من استباق الفوضى، فكان لا بد من مؤثرات داخلية جديدة تتجاوز النظرة التقليدية، ولا توفرها الأدوات التقليدية من قبيل الحزب والنقابة والجريمة الحزبية والمنشورات السياسية وخطاب الزعيم..

فمن جهة لا تستطيع المؤثرات القديمة تجاوز حدود معينة في التأثير، ومن جهة أخرى أصبح بعضها مدخولا بخطابات وإيديولوجيات دخيلة، بل ولا وطنية من حيث النظرية والخطاب.. فاحتاج الأمر إلى ثلاث سياسات: إنتاج مؤثر وطني تقليدي، وإنتاج مؤثر وطني جديد، ثم تطوير هذا المؤثر لمنافسة نقيضه الجديد.. الحديث عن أدوار المؤثرات التقليدية مع إهمال هذه السياسات لا يفي بالغرض..

للمؤثرات التقليدية اللاوطنية منافس على الميدان، وتلك الجديدة تنافسها مؤثرات وطنية جديدة.. ويتم تطوير هذه الأخيرة كلما امتلك نقيضها اللاوطني فعالية أكبر.. قد تؤدي هذه العملية إلى ضعاف المؤثرات التقليدية الوطنية؛ إلا أن رجل السياسة، رجل المصلحة، يهتم بما يتحقق في الواقع من نتائج ضرورية أكثر من اهتمامه بما عليه يجب أن تكون هذه النتائج.. الأولوية للناجع في مكان وزمن محددين، لا للذي كان أو الذي ينبغي أن يكون في مثال الفاعل الحزبي أو النقابي.

ما المطلوب في ظل هذا الواقع؟ إنتاج نقاش سياسي تحت سقف القضية الوطنية، ممارسة ما يتحقق به التوازن (وهو التناقض الداخلي الثانوي) باستحضار تناقض أهم ورئيسي، وهو الذي مع الاستهداف الأجنبي (الاستعمار في شكله الجديد). أما تحويل الاختلاف الوطني إلى صراع تناحري فمن شأنه أن يربك التوازن الداخلي من جهة، ومن شأنه أن يجعل المجتمع قابلا للاختراق من جهة أخرى.. وجب الحذر، فالسياسة مسؤولية كبيرة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *