قــراءة وسـرد درامـي فـلــم: عـــاد لـينـتـقـم .. المـسـبح !

  ما يرد في سرد الفلم قد تتطابق أحداثه وشخصياته الواردة وصفا أو توصيفا أو تلميحا بمنطقة داخل المملكة المغربية الشريفة في الواقع، وأي تشابه فهو صدفة وخيال ّ؛ ووجب التنويه كذلك أن بعض الوقائع لا تناسب بعض الفئات العمرية :

في العادة، كالباقي منا نشاهد أفلاما تتعلق خاصة بالمال والسلطة والمجتمع تفسر لنا الظواهر والخطابات المتعالية والمكر والعنف والانحراف والفساد والاختلاسات وتكوين عصابات إجرامية بأدوات الدولة وما يتبعه من تغطيات سياسية …فأحيانا ننخرط و نتحمس داخل الفيلم كأننا جَوٌ دَاعم مُشاركين في التعاطف الذي هو من صميم جنسنا الإنساني الميال إلى قيم الخير أو الشر تماهيا مع أضدادنا..!

هنا يسألوني الكثير عن الكتابات السياسية على أن في حياتنا ليس فقط هؤلاء الكائنات المزيفة و أبواقها المأجورة ..! فأقول:إن انتقاد فساد السياسيين والتركيز على مركز الثقل يُحرك المياه الآسنة وعش الدبابير، لأن السياسة هي الوطن (الروح، العقيدة، الانتماء..) وخدام الشعب نطمح بهم إلى الارتقاء بالإنسان والمواطنة ( مفهوم إجرائي) عبر امتلاك واحتكار وسائل الإكراه المشروعة المستندة إلى قواعد الاتفاق (الانتخابات الدستور، المؤسسات..) صيانة لحياتنا كمواطنين والحفاظ على حياته وحقوقه وتأمين العدالة … لكن عندما تختل الثقة ويفشل السياسي ويتبوأ القردة الواجهة  يتم استعمال مؤسسات الدولة لسلب الحق وإحداث المشاغلة تروم الإضرار بالحياة العامة وتقويض الوطن و الإفلاس العام …

يبدو واضحا وجليا للإجابة على هذه المطارحات هو فلم الذي سُقته هنا بعنوان “عاد لينتقم..المسبح؟ ” الفلم “الكازاخستاني” المكون من ثلاثة أجزاء، اختياره هو بعينه جمعه بين العديد من الأصناف الدرامية منها:المظلمة الكوميدية الوثائقية الهجائية والإثارة والجريمة والرعب والخيال والغرائبية والحرب والاكشن والرومانسية ذات الطابع الغريزي الجنسي، فلم ممنوع من العرض في دور السينما خوفا من طرح نقاشات عمومية تفضح الجهل والإرهاب والعنف بل الاغتيال  حقيقي لكل الحقول (الإنسانية، المعرفية، السياسية، القانون، الدولة…)، فالجزء الأول من الفلم كان عنوانه ” كلما زاد الإنسان غباوة ..ازداد يقينا بأنه أفضل من غيره في كل شيء” والذي يتبنى كليا في الغالب المقدمة أعلاها التي هي جزء من السرد، حيث أن سياسي السياسية لا يتوفرون على أسس القيم وغير مسلحين بالمعرفة ليقتصر دورهم في أدلجة العقل وسحقه، فتكونت الوحوش الكاسرة المعادية للحياة بالتالي تحول كل نُظم الدولة إلى غابة تحكمها المافيات والمصلحة والخداع والتضليل والتسلط والغش بمنهج سلوكي يعبر عن الاستفزاز وعدم الاستقرار وعدم الإحساس بالأمان، وعن التخلف والضياع الاقتصادي والأمني … وهنا يأتي الدور المحوري لـ “ريدار” بطل الفلم الكاتب المتحرر من كل القيود.. ومن الطبيعي تعرضه للاضطهاد وكل مسلكيات الإغراء والتهديد والعنف في هذا الجزء من الفلم الذي سأقدم سردها لاحقا .

نتقدم إلى الجزء الثاني من الفلم  عنوان هذه المقالة:”عاد لينتقم..المسبح؟”، التي تبدأ مشاهده الأولى بخطاب لأحد السياسيين وهو يهدد الكُتاب والمناوئين للفساد لإدعائه امتلاكه معطيات أمنية وعدم استلطافه بوقاحة للفقر!و هنا يتدخل بطل الفلم”ريدار” بعد مرور أسابيع .. في مشهد يُحدث احد مجانين الشارع واقتسم معه الحليب و بعض قطع الخبز ليخبره عن هذا السياسي التافه الشبيه بالمنشار وعن تاريخ جهله وقدومه من الوحل حتى تسلق سلم الحياة عبر القِوادة باعتبارها أحد أسهل الطرق المؤدية إلى السلطة والجاه … وهو أ’ي ريدر’ يستنكر صمت القبور للنيابة العامة في عدم مساءلته عن هذه المعطيات المتاحة لكل سمسار الفاحشة حتى أضحت ابتزاز وهو في ذات الوقت مؤشر على انهار المؤسسات الأمنية والعدالة حسب الكاتب بطل الفلم…

 ثم تنتقل صورة المشاهد إلى مقهى صغير في الزاوية و “ريدر” وحده وكتابه و قلمه الرديء… وفي الجهة الأخرى المقابلة أربعة قاصرات عمرهن لا يتجاوز ستة عشر ربيعا يدخن السجائر؛ حتى يفاجئن بدخول شرطي بلباس مدني معروف يدعى “لاَمِج” فيأمر برأسه القاصرات فيلحقنه للخارج، حينها قام “ريدار” بملاحقتهم ضنا منه أنهم متجهين إلى مخفر الشرطة دون إذن النيابة العامة؟لكن الصدمة كانت الاتجاه نحو أحد المنازل بالضاحية الغربية للمدينة…ليصاب “ريدار” بالغضب! فأطلق العنان لحسه الأمني المتقد بالتحري عن هذه المسلكيات الإجرامية داخل أفراد الشرطة الفاسدة..!

وفي مشهد أخر يظهر أن “ريدار” يتحدث مع إحدى القاصرات بعدما تتبع كل خطواتها ليعلم أنها من خارج المدينة  تتعاطى المؤثرات العقلية وتخبره أنها جُندت لصالح “لامج” المسؤول الأول عن القسم معية “ازرق العينين” كما وصفته بل جزء كبير من عناصر “مكافحة المخدرات”، وأنها وغيرهن تقدم معلومات حول تجار المخدرات الجدد ومتعاطيها بالإضافة إلى الاستغلال الجنسي الوحشي الذي تعرضن لهن..وفي نفس المشهد يظهر “لاحر” رئيس الشرطة الجديد في المدينة بعد أن غادرها سنوات ليعود متوجا بالزعامة والسلطة المطلقة! عائدا شَوقا إلى عشيقته الروسية ” ررَبموط ” مستجيبا لغريزته والطقوس الجنسية المريضة..ومن خلال هذه المشاهد تبرز أوراق صغير لـ “ريدار” معلقة على الجدران بأسهم رابطا بها والعلاقة بين “رئيس مكافحة المخدرات””لامج” والرئيس الجديد للشرطة الذين عين المسؤول الأخير”لاَمِج”، مع تساؤله (أي ريدار) عن مسار الفرقة السابقة (مكافحة الممنوعات) ورئيسها السابق “بيجن” التي جففت منابع المخدرات وتجارها الأقوياء مع خوضها معارك الوطن وحمايته من الخارجين عن القانون… لكن سعي الرئيس الجديد عبر “لامج” سعو تحطيم هذه الفرقة بإيصال معطيات الحملات الأمنية مكانيا و زمنيا لصالح تجار المخدرات لإيجاد مبرر يهدف تحديدها …وقد حصل ما أراد !

وفي مشهد مفاجئ يظهر “لامج” و “لاحر”بجانب منزل ضخم به مسبح كبير! ليتوصل “ريدار” عبر رسالة نصية بحسابه الاليكتروني!رسالة مفادها:منزلا فاخرا به مسبح مملوك لأخت “رربموط” التي تربطها علاقة عميقة حميمية  بـ “لامج ” لتتضح الصورة ..ليبدأ التحري السيد “ريدار” عن قضية “المسبح ” الذي هو عبارة عن تجارة ليلية وملهى لكبار المدمنين والفاسدين …ثم انطلق البحث عن عشيقة الرئيس الجديد ” لاحر” ليتبن بالإضافة إلى كونها عاشقة مختصة في الطقوس الإباحية وشبكة للفساد الأخلاقي.. دخلت عالم العقار والمنازل للكراء بفضل الغضنفر “لاحر”، بل تتبع خيوط هذه المشاهد اتضح أن الرئيس الأسبق حصل على سيارة فارهة رباعية الدفع يفوق ثمنها 100 ألف دولار والتي هي عبارة عن هدية من أحد المتورطين في العديد من القضايا التي يحظى بحماية الدولة والسياسيين لأن ابنة هذا المحظي كانت تتعاطى الممنوعات ومعلومة عنها العربدة… وأخيرا  حصول  الحالي “لاحر” على شقة ومنزل كالباقي .. كمقدمة لفتح أبواب الشرطة …!

وفي مشهد أخر يظهر “ريدار” على الشاطئ متأملا فيعود فلاش باك، تذكر كيف كانت تلقى بضع كيلوغرامات من المخدرات الفاسدة شمالا ليعلم ان التهريب جنوبا هو نفس الغبار والغباء؛ هي نفس الإستراتيجية ولو اختلف التكتيك، وتذكر كذلك حالة التطبيع عن طريق التغزل بهؤلاء العناصر لبعث الطمأنينة !حتى يتسنى له تفكيك المنظومة ويستفرد بجهة واحد دون الإجماع و ترتيب الأولويات، نظرا لمعاناته من هذه العناصر الأمنية التي اتهمته بل هاجمته في عدة مناسبات، و كلما أتيحت لها الفرصة أو يتم توجيهها من ممثل الحكومة أو سياسي أو تجار الممنوعات عبر اتهامات كونها مضحكة…، وعلى المنوال في مشهد آخر يتصل “ريدار” بشبكته من العلاقات لمراقبة مكان المسبح…لاحق وتتبع “فرقة مكافحة المخدرات” حيث كشف سلوكياتها المريضة الجنسية و الابتزاز وتجنيد القاصرين… ونظرا للسلطة الممنوحة لها:توقف وتحتجز المواطنين العاديين والمدنيين وآخرون مرضى عقليا بسبب تعاطي المخدرات(أقراص طبية، مخدر الشيرا) بحيث تُملئ تقاريرها تحت التهديد وأحيانا استعمال التحايل على أنهم تجار مُوزعين !لإعطاء صورة وانطباع الجدية؛و إضفاء الشرعية على الجرائم… بينما التجار الحقيقيين خاضعون للحماية والإتاوات مقابل الحماية.. لكن انتشار المخدرات القوية والصلبة في المدينة وكل أجهزة الدولة لا تعير أي اهتمام للأمر طالما الكل متواطئ والاتاوة تصل… ثم تقوم هذه العناصر بالتدخلات المفرطة والعنف وإساءة استخدام السلطة بل دس المخدرات لبعض المواطنين في أماكن تواجدهم عبر القاصرات أو العاهرات المجندات لفعل هذا الأمر تحت الإكراه ليتحول المستهدف إلى ضحية ابتزاز، بالإضافة إلى التآمر وإعداد خطط أمنية يكون خارجها الشرفاء في هذا الجهاز.. وفرض إتاوات على محلات النرجيلة بشكل أسبوعي…بل حتى إخضاع بعضهن التي تقتات من جسدها للاستمرارية ضريبة استغلال الجسد للعيش ..آكلي اللحوم، يُعلق”ريدار” .

وفي المشهد الأخير، يظهر فيه “ريدار” انه متوقف في شارع عام وعناصر الشرطة تطلب منه أوراق لإثبات نفسه مع تفتشه بعنف بالرغم من معرفتهم به وصفاء سريرته، لكن غضب بعض العناصر أثار شكوك “ريدار” بان الأمر كشف، وعلموا انهم كانوا تحت المراقبة و التتبع .. ليتحدث أحدهم :هل تخال نفسك شؤون داخلية أو جهاز مخابرات خاصة تابع لرأس هرم الدولة بشكل مباشر حتى تجند هذا العدد الهائل من المواطنين للتحري عنا؟ قالها بصوت غاضب، ثم انصرف الكل وفهم “ريدار” الرسالة ، لينتهي المشهد بقلم و ورق ابيض مكتوب بها هذه العبارات:

” انه وطني مثل وطنكم وأطفالي مثل أطفالكم وأخواتي مثل أخواتكم استفيقوا من الغفلة والغياب،لأن الطوفان قدر يجرنا جميعا و يلقي بنا خارج التاريخ .. استوعبوا التاريخ لفهم المستقبل فمقاربة الصمت والخنوع للذل و الاحتقار هي ثقافة الاحتضار والموت ولا حياة، فالأفضل لكم أن تعيشوا في الكهوف المظلمة و على حافة البحور وعلى هامش الحضارة الإنسانية “

ملاحظ موضوعية:يمكن التقاط نقاط تتعلق باستخدام أدوات الربط والعطف كثيرا، لكن بخصوص قضية السرد ونوع القضية فرضت وقائعها، ونتمنى أن يطيب للقراء الكرام والكريمات الخاطر بقبول السرد لتجاوز النقاشات الهابطة ونترجم المحتوى بشكل إيجابي يطور الذات والنقاش العمومي مع امتلاك رؤية سينمائية ! وإن راق لكم نكمل الجزء الثالث والأخير الأكثر إثارة !