كلمة السيد وزيرالعدل الأستاذ محمد بنعبد القادرفي ندوة الهجرة في ظل التحولات الكونية وتأثيرها على المرجعيات القانونية.

الوطن 24/ الرباط

بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين .

السيد نقيب هيئة المحامين بالرباط المحترم ؛

السيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان المحترم؛

السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة المحترم؛

السيد رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب المحترم ؛

السيد ممثل رئيس الإتحاد الدولي للمحامين المحترم ؛

السيد الأمين العام لإتحاد المحامين العرب المحترم ؛

السيد نائب رئيس النقابة الوطنية للمحامين بإيطاليا المحترم ؛

السيد نائب رئيس اتحاد المحامين لمنطقة البحر الأبيض المتوسط ؛

السيدات و السادة المسؤولون القضائيون المحترمون ؛

السادة النقباء والسيدات والسادة المحامون المحترمون ؛

حضرات السيدات والسادة الافاضل، كل بإسمه وصفته ؛

يسعدني و يشرفني أن أشارك معكم في افتتاح أشغال هذه الندوة الدولية الهامة المنظمة من طرف مجلس هيئة المحامين بالرباط في موضوع “الهجرة في ظل التحولات الكونية و تأثيرها على المرجعيات القانونية “ والتي تتميز بمشاركة ثلة وازنة من رجال الفكر والقانون والسياسة والخبراء والأكاديميين والمهتمين بموضوع الهجرة وانعكاساتها على مختلف أوجه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحقوقية والقانونية، وهي مناسبة أود من خلالها أن أتقدم بجزيل الشكر إلى هيئة المحامين بالرباط نقيبا وأعضاء على حسن التنظيم، وحسن اختيارالموضوع، وحسن اختيار المؤطرين و المحاضرين، وهي عوامل ستضمن بدون شك، نجاح فعاليات هذه الندوة الدولية وتحقيق الغايات والأهداف المرجوة منها .

حضرات السيدات و السادة الأفاضل ؛

يأتي تنظيم هذه الندوة في سياق المجهودات المبذولة لتنزيل الإستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء التي أعدتها الحكومة بناء على التوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده، حيث أصدر جلالته أثناء ترؤسه لجلسة عمل حضرها رئيس الحكومة وعدد من السادة الوزراء المعنيين وكبار المسؤولين بتاريخ 10 شتنبر 2013، توجيهاته السامية للحكومة للإسراع بوضع وتفعيل استراتيجية ومخطط عمل ملائمين، والتنسيق في هذا الشأن مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومختلف الفاعلين المعنيين، بهدف بلورة سياسة شاملة ومتعددة الأبعاد لقضايا الهجرة ببلادنا ، بما من شأنه أن يوفر للمغرب قوة اقتراحية حقيقية في هذا المجال ويمكنه من القيام بدور ريادي وفعال على الصعيدين الجهوي والدولي.

وأعاد جلالته التأكيد على هذه الدعوة  في خطابه السامي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء يوم 06 نونبر 2013 حيث جاء في  خطاب جلالته حفظه الله ” أمام التزايد الملحوظ لعدد المهاجرين، سواء من إفريقيا أو من أوربا، فقد دعونا الحكومة لبلورة سياسة شاملة جديدة، لقضايا الهجرة واللجوء، وفق مقاربة إنسانية، تحترم الالتزامات الدولية لبلادنا وتراعي حقوق المهاجرين.

وتجسيدا للاهتمام الخاص الذي نوليه لهذا المجال، فقد حرصنا على تكليف قطاع وزاري بقضايا الهجرة. ” إنتهى النطق الملكي الشريف .

و بناء على هذه التوجيهات انكبت الحكومة على إعداد استراتيجية وطنية شاملة للهجرة و اللجوء ، ترتكز على أربع رهانات أساسية وهي: الرهان الإنساني ورهان الإندماج، ورهان السياسة الخارجية والحكامة والرهانات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك استنادا لمرجعيات أساسية تتمثل في التوجيهات الملكية السامية، ودستور المملكة، والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب، وتوصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان الصادرة بهذا الخصوص .

ومساهمة منها في تنزيل هذه الاستراتيجية الوطنية الشاملة ، عملت وزارة العدل على الانخراط بشكل مستمر في لجان البرامج المعهود إليها بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء، مع العمل على تطبيق التوصيات المتعلقة بالقطاع و التي نذكر منها:

1-  فتح نقاش من اجل تعديل الفصل 10 من قانون الجنسية بشكل يعطي الحق للأجنبية المتزوجة من مغربي أو الأجنبي المتزوج من مغربية، بعد مرور خمس سنوات على الأقل على إقامتهما مع في المغرب بكيفية اعتيادية ومنتظمة، لاكتساب الجنسية المغربية.

2- تفعيل نظام المساعدة القضائية لفائدة المهاجرين، وذلك تطبيقا للاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المملكة، ومنها  الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لسنة 1990، والاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين لسنة 1950، حيث إنه لتفعيل هده المقتضيات فقد قامت الوزارة بإصدار عدد من الدوريات و المناشير تحث على  تعزيز المساعدة القانونية للمهاجرين والإفادة بتوضيحات حول كيفية التعاطي مع طلبات المساعدة القضائية.

و ارتباطا بنفس الموضوع، أي تفعيل نظام المساعدة القضائية لفائدة المهاجرين، قامت الوزارة باتخاذ عدد من الإجراءات العملية تتمثل أساسا فيما يلي :

* تعزيز المساعدة القانونية للمهاجرين لضمان تمتعهم بقواعد المحاكمة العادلة تشمل حماية ضحايا الجريمة والمؤازرة بمحام والترجمان؛

* تمديد عمل خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف إلى النساء المهاجرات بغض النظر عن وضعيتهم الإدارية؛

* تعزيز المقاربة السوسيو-قانونية من خلال تعزيز دور المساعدات والمساعدين الاجتماعيين بالمحاكم في استقبال والاستماع ودعم وتوجيه ومرافقة الضحايا من النساء المهجرات.

3- المساهمة في إعداد مشروع قانون اللجوء من خلال المشاركة في أشغال اللجنة المكلفة بالصياغة و الادلاء بالملاحظات الكفيلة بتجويد المشروع  الذي من المرتقب إحالته على مسطرة المصادقة في المستقبل القريب بحول الله .

حضرات السيدات و السادة الافاضل ؛

نظرا لتزايد الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين الدول المتقدمة والدول السائرة في طريق النمو، فقد تزايدت رغبة الافراد في الهجرة لتحسين اوضاعهم، وفي إطار البحث عن طرق الهجرة ، قد يجد الفرد نفسه  مضطرا إلى سلوك طرق غير القانونية للهجرة،  كعبور الحدود خلسة من خلال التعاقد مع عصابات متخصصة بتهريب المهاجرين سرا. وهي ظاهرة أصبحت في الآونة الأخيرة مبعثا للقلق ، و خطرا يهدد أمن واستقرار الدول كافة، سواء الدول المصدرة، أو الدول المستقبلة، أو دول العبور.

و في هذا السياق ظهرت ما يسمى بجريمة  “تهريب المهاجرين” التي هي أحد مظاهر الجريمة المنظمة عبر الوطنية ، حيث تقودها عصابات متخصصة في الهجرة الدولية .

ولمكافحة هذه الجريمة، فقد تظافرت جهود المجتمع الدولي من خلال إبرام اتفاقيات دولية في هذا المجال، أبرزها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية و برتوكولها الملحق الخاص بمكافحة جريمة تهريب المهاجرين عن طريق البر البحر والجو والتي مهدت لميلاد اتفاقيات إقليمية وثنائية تهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول للحد من هذه الجريمة.

و تفاعلا مع هذه الجهود الدولية ، فقد تضمن مشروع القانون الجنائي رقم 16/10 المعروض حاليا على انظار لجنة العدل و التشريع بمجلس النواب مقتضيات جديدة تهم جريمة تهريب المهاجرين ، حيث تم تخصيص فرع كامل لهذه الجريمة و هو الفرع الخامس، والذي تضمن 10 مواد أضيفت للمادة 231 ، تناولت بالتفصيل و التدقيق تعريف جريمة تهريب المهاجرين و عقوبتها، وحالات ظروف التشديد فيها و كذا حالات ظروف التخفيف، وهي مقتضيات سيكون لها أثر قوي على مكافحة هذه الجريمة و محاصرتها و تحقيق الردع اللازم في حالة ارتكابها .

وفي نفس السياق، واعتبارا للأرتباط الوثيق القائم بين الهجرة و الاتجار في البشر، بادرت وزارة العدل سنة 2015 إلى إعداد دراسة تشخيصية حول الهجرة والاتجار بالبشر في المغرب مكنت من كشف بعض صور الاتجار في البشر بالمغرب، تتجسد أساسا في استغلال فئات معينة من المهاجرين من قبيل:

– المهاجرات اللواتي يتعرضن للإتجار عبر الحدود الوطنية بغرض الاستغلال الجنسي أو الاستغلال في العمل .

–  الأطفال الذين تنجبهم أمهات مهاجرات ويتم استغلالهن في التسول؛

– نساء مغربيات ضحايا الاتجار عبر الوطني بغرض الاستغلال الجنسي أو الاستغلال في العمل،

و خرجت الدراسة بعدة توصيات ترتبط أولا بالجانب القانوني من خلال النص على الآليات الزجرية وضرورة الملاءمة مع الصكوك الدولية ذات الصلة، وترتبط ثانيا بالتدابير الوقائية والاحترازية من الاتجار في البشر، بينما يرتبط الشق الثالث من التوصيات بالشراكات مع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية على الصعيد الوطني والدولي.

و تفعيلا لهذه التوصيات تم اعتماد القانون رقم 27.14 المتعلق بمكافحة الإتجار بالبشر ، و تم إدراج فرع خاص في القانون الجنائي المغربي يعالج هذه الجريمة ، و يتضمن تعريفا دقيقا لها،  يتلاءم والبروتوكول المتعلق بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص .

تلكم حضرات السيدات و السادة الافاضل لمحة موجزة عن مجهوداتنا في وزارة العدل للمساهمة في تنزيل الاستراتيجية الوطنية للهجرة و اللجوء ، تشريعيا و مؤسساتيا ، وإنني، إذ أهنئكم السيد النقيب المحترم على عقد هذا اللقاء الدولي المتميز، فإنني أتطلع بالكثير من الاهتمام إلى ما ستسفر عنه أشغالكم ، و كذا التوصيات التي ستخرجون بها ، و انا على يقين تام ان أهمية المحاور التي سينكب المشاركون على مناقشتها و دراستها، وحجم و قيمة المحاضرين و المؤطرين، كلها عوامل ستساهم في إنجاح أشغال هذه الندوة، وتحقيق الغايات و الأهداف المرجوة منها.

مرة أخرى أجدد لكم – السيد النقيب المحترم – شكري على دعوتكم الكريمة، متمنيا لكم كامل التوفيق والنجاح لما فيه خير منظومة العدالة بشكل عام، ومهنة المحاماة بشكل خاص . والله ولي التوفيق.

                                       و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته .