كلمة رئيس النيابة العامة بالمؤتمر الوطني الأول لموثقي المغرب

الوطن 24/ متابعة

بسم الله الرحمان الرحيم.

حضرات السيدات والسادة؛
يطيب لي بمناسبة إفتتاح أشغال هذا المؤتمر الوطني الأول لموثقي المغرب حول موضوع “المملكة الغربية التعاون الأورو – إفريقي: التوثيق قوة إقتراحية”. أن أعرب لكم عن الفخر والإعتزاز الذي يغمرني وأنا أشارك معكم في هذا اللقاء المهني المتميز.
والشكرُ واجبٌ لكل من فكّر وأعَدَّ أو ساهم في تنظيم هذا المؤتمر. وأخصُّ بالذكر المجلسَ الوطني لهيئة الموثقين بالمغرب ورئيسَه الفاضل المحترم الأستاذ عبد اللطيف يكو، وأعضاءه الأجلاء من موثقات وموثقين.

كما أني أستغل المناسبة لأرحب بضيوف المملكة المغربية من كل الدول الشقيقة والصديقة الذين تجشموا أعباء السفر للإسهام في هذا الملتقى الواعد، والذي سيسهم بلا شك في بناء روابط قوية ومتينة بين الموثقين من الدول المشاركة، ويساعد على إنتقال الممارسات الحميدة والتجارب الفضلى للمهنة بين الأقطار والدول.

والفضل يرجع لرئيس وأعضاء الهيأة الوطنية للموثقين، الذين أتاحوا للموثقين المغاربة، ولكثيرِ من المهتمين بشؤون التوثيق في ظرف بضعة أشهر، فرصةَ الإجتماع للمرة الثانية للتفكير المشترك، ولتبادل الآراء في أمور مهنة التوثيق. وهو ما يعبر عن صحوة فكرية نادرة المثال لدى المنتسبين للمهنة بهذا البلد الأمين.

وليس بعزيز على مؤسسة التوثيق أن تكون وراء هذه المبادرة الهامة وهي حاملةُ لواءِ الأمنِ التعاقدي، ورافعةٌ أساسيةٌ للحفاظ على الحقوق وتحقيقِ التنمية المجتمعية، مِنْ خلال ما توفِّرُه من حمايةٍ للملكية، وضمانٍ لإستقرار المعاملات، وتشجيعٍ للإستثمار. كما أنها لا محالة قوةٌ فاعلةٌ متميزةٌ لتعزيز التعاون المغربي الأورو – إفريقي.

حضرات السيدات والسادة،
إن إختيار موضوع التوثيق كقوة إقتراحية للتعاون الأورو- إفريقي كمحور لهذا اللقاء، ينسجم لا محالة مع السياسة العامة للمملكة المغربية التي حدد معالمها الكبرى جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، بخصوص علاقة المغرب بدول إفريقيا القارة التي ننتمي إليها وتمتد جذور المغرب بعيداً في أعماقها. وهو ما تعكسه السياسة الملكية الحكيمة، عبر مساهمة المملكة في بناء وتطوير الإقتصاد الإفريقي، وتحسين أحوال السكان، ونقل التجارب المفيدة في مجال التنمية البشرية، والتي يسهر عليها جلالة الملك شخصياً، ويؤكدها عدد الرحلات التي قام بها جلالته لدول إفريقيا والتي تجاوزت خمسين زيارة. في وفاء من جلالته حفظه الله لمقولة والده الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله “إن المغرب شجرة، جذورها في إفريقيا، وأغصانها في أروبا”.

ولذلك فإن المغرب المعتز بإنتمائه الإفريقي، يعتز كذلك بعلاقاته المتميزة مع دول المجال الأوروبي، وبشراكاته المتقدمة مع الإتحاد الأوروبي كمجموعة، ومع الكثير من الدول الأروبية. وهي علاقات تجد منابعها في التاريخ والجغرافية، حيث تمتد العلاقات المغربية الأوروبية لعدة قرون مضت، ساهم الوضع الجغرافي لبلدنا المطل على أوروبا في تنْمِيَتها، عبر تكثيف اللقاءات والإتصالات وإنتقال الأشخاص من ضفة إلى أخرى بين ضفتي المتوسط. ولذلك ما فتئ جلالة الملك، يدعو في خطبه إلى الحفاظ على أواصر الترابط المتينة والتاريخية، التي تربط المغرب بأوروبا وبإفريقيا. فقد جاء في خطاب جلالته الموجه إلى الأمة بمناسبة ذكرى عيد العرش المجيد بتاريخ 30 يوليوز 2013: “واصلت المملكة إستراتيجيتها الانفتاحية، والمبنية على التفاعل الإيجابي، مع شركائها الأوروبيين. بهدف توطيد أكثر للشراكة مع الاتحاد الأوروبي، في إطار الوضع المتقدم، الذي يتميز به المغرب، وذلك من خلال فتح آفاق جديدة وواعدة، لهذا التعاون”.

كما عبر جلالته على العمق الإفريقي في السياسة المغربية بالقول السامي في ذكرى 20 غشت 2017: “ترتكز سياستنا القارية على معرفة دقيقة بالواقع الإفريقي، أكدتها أكثر من خمسين زيارة لأزيد من تسعة وعشرين دولة، منها أربعة عشر دولة، منذ أكتوبر الماضي، وعلى المصالح المشتركة، من خلال شراكات تضامنية رابح-رابح. وخير مثال على هذا التوجه الملموس، المشاريع التنموية الكبرى التي أطلقناها، كأنبوب الغاز الأطلسي نيجيريا المغرب، وبناء مركبات لإنتاج الأسمدة بكل من أثيوبيا ونيجيريا، وكذا إنجاز برامج التنمية البشرية لتحسين ظروف عيش المواطن الإفريقي، كالمرافق الصحية ومؤسسات التكوين المهني وقرى الصيادين. وقد تكللت هذه السياسة بتعزيز شراكاتنا الإقتصادية، ورجوع المغرب إلى الإتحاد الإفريقي، والموافقة المبدئية على إنضمامه للمجموعة الإقتصادية لدول غرب إفريقيا”. انتهى النطق الملكي السامي.

حضرات السيدات والسادة؛
إن العلاقات الأورو- إفريقية، التي يحظى المغرب بدور متميز في بنائها وإستقرارها، لا تتوقف على الجوانب السياسية والإقتصادية وحدها، ولكنها تجعل من التنمية الإقتصادية وسيلة للتنمية الإجتماعية وتحسين الأوضاع المعيشية للساكنة. وهو ما يعطي لمهنة التوثيق موقعاً متقدماً في مجال دعم العلاقات الأورو – إفريقية. بالنظر للدور الذي يلعبه التوثيق في مجال تأمين العلاقات القانونية، والحفاظ على المصالح المالية والإقتصادية، وتوفير الأمن العقار ي للأطراف. وهو ما يجعل من مهنة التوثيق حلقة رئيسية لتمتين التعاون الأورو – إفريقي، يحظى فيها الموثق المغربي بشرف حمل لواء التقارب بين الموثقين في القارتين الجارتين، ويسهم إلى جانب هيئات الموثقين بالدول الإفريقية والأوروبية في تسهيل تبادل الخبرات، وتداول أجود الممارسات، وتبسيط الإجراءات، وتعزيز آليات الحماية والأمن التعاقدي، التي تشجع على إستثمار وإنتقال رؤوس الأموال وإنعاش سوق الشغل.

وقد لعب التوثيق على مر التاريخ دوراً مهماً في تطوير الحياة الإقتصادية للدول، وهو بحق أساس “لبناء الثقة في المبادلات التجارية، وضمانة” لأمن إنتقال الملكية إلى أصحابها، ومنصة للإرشاد وإسداء النصح لأطراف العقود.

ومما لا شك فيه أن إضطلاع مهنة التوثيق بهذه الأدوار، في عالم يعرف تحولات عميقة متسارعة في المجال المعلوماتي والتكنولوجي، مدعاةٌ لضرورة إنخراط نساء ورجال هذه المهنة في تحديث طرق إشتغالها ومعارفها لرفع تحديات العولمة.
كما أن مهنة التوثيق مدعوة في هذا السياق لتحفيز نظم المعاملات الالكترونية، التي أصبحت دعامة أساسية لضبط وإثبات المعاملات، مع تقصي أنجع السبل القانونية لمواجهة الصعوبات والإكراهات التي تطرحها هذه المعاملات، بخصوص تأمين وحماية الأنظمة الإلكترونية المتعلقة بالتعاقد، التي أصبحت ضرورة وظيفية، ولكنها لا تخلو من تهديدات حقيقية على الأمن التعاقدي. وهو الأمر الذي يزيد من مسؤولية الموثق في وقتنا الراهن، ويدعوه إلى التكوين المستمر، والإطلاع والتمكن من أحدث التقنيات لتوثيق العقود الإلكترونية وحفظها حماية للمتعاقدين، وللمجال الإقتصادي والإجتماعي الذي تتم فيه المعاملات. سيما وأن مهنة التوثيق لا يقتصر نشاطها على العمل المحلي في إنجاز العقود، وإنما يخترق البعد الجغرافي بين الدول، ويكون لها بذلك إسهام في بناء سليم للعلاقات الدولية، والمساهمة في بناء حياة إقتصادية آمنة تشجع على الإستثمار وتبادل الخبرات بين الدول.

حضرات السيدات والسادة؛
إن البعد الإستراتيجي لمهنة التوثيق، مرتبط بالتطور الإقتصادي والتنموي والتكنولوجي الذي يعرفه العالم، وما له من أثر في إستقرار المعاملات والحد من المنازعات وحفظ الحقوق سواء على المستوى المحلي أو الدولي. وهي محكومة في ذلك بالقوانين التي قد تتطلب من وقت لآخر تطويرها والوقوف على مكامن الخلل التي تعتريها، ووضع قواعد جديدة، تقدم أجوبة لكل الاختلالات المرصودة. كما أن المهنة مدعوة لتحصين نفسها عن طريق الإلتزام والحفاظ على منظومة القيم الأخلاقية التي كرستها أعرافها وتقاليدها عبر ما راكمته من تجارب على مر السنين. وأن دور هيئات الموثقين الأكبر، يتجسد في صمودها وثباتها في التصدي للاختلالات المهنية الماسة بشرف المهنة القائم على الأمن والأمانة.

ولا أشك أن المنتمين إلى المهنة يعون جسامة مسؤوليتهم، ويقدرون أهمية دورهم في تأمين العلاقات الاجتماعية، وتحقيق الأمن الاقتصادي وأنهم يسعون بكل جدية للحفاظ على هذه المقومات بين صفوفهم.

حضرات السيدات والسادة؛
إن رئاسة النيابة العامة التي تتشرف بالحضور معكم في هذا اللقاء المبارك، لتؤكد لكم دعمها التام لكل الجهود الرامية إلى حماية مهنة التوثيق والدفاع عن قيمها ودعم جهود التخليق في صفوفها. كما أنها تصطف إلى جانبكم للضرب بشدة على كل الاعتداءات على أمن وسلامة الوثيقة التوثيقية أو المساس بمصداقيتها، وأن أعضاء النيابة العامة رهن إشارتكم لبذل الجهود الممكنة لتحقيق هذه الغايات، في إطار الصلاحيات التي يخولها لهم القانون. كما ستجدونهم دائماً إلى جانبكم في كل المساعي التي تودون بذلها لتطوير المهنة والحفاظ على قيمها النبيلة.

أرجو لكم مزيداً من التوفيق وأتمنى أن يكلـل هذا اللقاءُ بالنجاح، وأن يُسْفِر عن أفكارٍ وتوصيات مفيدة لمهنة التوثيق في بعدها العام، وكذلك في مساعيها للتقريب بين الفضائين الأوروبي والإفريقي.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض
رئيس النيابة العامة