كورونا والانفجار العظيم
الوطن 24/ بقلم: د. إدريس الكنبوري
يبدو أن ما لم تصنعه العلاقات الدولية والصراع الإقتصادي العالمي سيصنعه الفيروس. فمنذ نهاية الحرب الباردة والعالم يترنح بين هيمنة أمريكية ومحاولات مترددة للنهوض: روسيا، الصين، الإتحاد الأوروبي.
اليوم بدا واضحا أن الإتحاد الأوروبي فقد الكثير بسبب تداعيات الفيروس، بل ظهر أن باراديغم الوحدة على أساس المصالح فقط غير ناجح. أوروبا توحدت مرة واحدة في التاريخ وانتهى الأمر، عندما كانت خاضعة للمسيحية. حاولت الوحدة على أساس قومي لكنها أخفقت بسبب تعدد القوميات، لذلك قال الرئيس البرتغالي ان الوحدة لا تصنع القوة دائما.
التكتلات المقبلة بعد حقبة الكورونا ستكون حول محورين: المحور الديني والمحور القومي. ما نراه من صعود روسيا والصين يدل على هذه الحقيقة في اعتقادنا، لأن التلاحم القومي كعنصر للوحدة متوفر. هذا ما نراه مع تركيا وإيران. قد تكون المرحلة المقبلة مرحلة نهاية المجتمعات المختلطة.
هذه المرحلة بدأت في أعقاب سقوط الاتحاد السوفياتي في الستينات. كل الأنظمة التي كانت توحد القوميات بإسم الإيديولوجيا انتهت، لكنها مستمرة في التفاعل. ما نراه اليوم من صراعات داخل الإتحاد الأوروبي والغضب من طرف إسبانيا وإيطاليا والبرتغال مظهر من هذه المظاهر.
الحقيقة أن ما يحصل سيعزز خطاب اليمين القومي الذي انتشر في أوروبا. الشعار الرئيسي لهذا التيار هو رفض الإتحاد الأوروبي. مع كورونا سيعلو صوته وترتفع أسهمه. لذلك لن يطول عمر الإتحاد الأوروبي.
المسألة الأخرى هي تفكك الولايات المتحدة الأمريكية. هذا لم يعد أمرا بعيدا الآن. التلاحم الأمريكي راجع إلى الرخاء، إذا تم تهديد الرخاء على الصعيد العالمي بدخول قوى معاكسة سينعكس ذلك على التلاحم الأمريكي المبني على نمط للعيش فقط. منذ بداية الحجر الصحي جميع الشعوب خرجت للتبضع، إلا الشعب الأمريكي فقد خرج لشراء الأسلحة. قبل يومين شاهدت فقرة في قناة فرنسية عن هذا وسمعت تاجر أسلحة يقول: لقد جاء أشخاص كثيرون، لم يكن يهمهم نوع السلاح ولا حجمه ولا ثمنه، كانوا فقط يريدون سلاحا كيفما كان.
لعل ذلك من سنن الله سبحانه وتعالى، رأفة بالبشرية، أن يحصل التحول العالمي بدون دماء ولا حروب، بل بالطاعون. صحيح هناك موتى بسبب الوباء، لكن هؤلاء هم الضحايا الذين بهم يبنى العالم المقبل.