كيف نفهم خطاب حسن نصر الله؟!
الوطن24/ بقلم: محمد زاوي
يسأل صحفي الجزيرة: “ما هي الخطوط الحمراء التي تجعل إيران تغير سياستها بخصوص الحرب في غزة؟”، فيجيب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي: “لقد تجاوزت إسرائيل كل الخطوط الحمراء، فقتل الأطفال والنساء والصحفيين كلها خطوط حمراء.. وإيران ستقوم بواجبها مع مختلف الفاعلين لوقف إطلاق النار ورفع الحصار على غزة وإيصال المساعدات”.
أظن أن إجابة رئيسي هذه كافية لفهم خطاب حسن نصر الله اليوم (3/11/2023).. ماذا قال حسن نصر الله؟ قال ما يقوله كافة المتضامنين مع قطاع غزة ومقاومته “حماس”.. هناك عدوان، الغرب شريك فيه، أمريكا تدافع عن نفسها، يستحيل القضاء على “حماس”، يجب على الدول العربية تقديم النصرة؛ إلى غير ذلك من العبارات التي يرددها أنصار المقاومة والمؤمنون بالقضية الفلسطينية.. وزاد نصر الله، انطلاقا من موقعه السياسي، أن “حزب الله” مشارك في المعركة منذ بدايتها، وهي مشاركة قابلة للتصعيد في أي وقت!
نفهم هذا الكلام أن علاقة حزب الله بالحرب القائمة لن تخرج عن ثلاثة سيناريوهات:
-السيناريو 1: الالتزام بموقف إيران؛ وهو عدم التدخل إلا بما يحفظ الحدود الجنوبية للبنان، والبقاء في حدود الدعم السياسي علنا، والدعم العسكري سرا. قد يورط تدخل “حزب الله” إيران في معركة لم تحدد سقفها، وربما لا قدرة لها على ذلك. وإن كان تدخل الحزب لا يحرج إيران دوليا، فإن تهديد وجوده في لبنان، بل تهديد لبنان نفسها، قد يفرض الحرب على دولة “ولاية الفقيه”.
-السيناريو 2: ترك حيز لتصعيد خفيف؛ وذلك لأن تصعيد الخطاب سيصبح حجة على الممارسة.. أما إذا ما كان الخطاب معتدلا إلى حدود ما، فإن أي تدخل مهما كان محدودا ومنحسرا سيحسب للمقاومة اللبنانية، وسيعتبر وفاء منها لخطابها العدائي تجاه الكيان الصهيوني، ودعمها لفلسطين ومقاومتها. وهذا في حد ذاته يمنح ورقة ضغط لإيران وحلفها، دون أن تنجر للحرب أو تلصَق بها، وربما يجعل منها هذا السيناريو وسيطا معتمدا في مخاطبة “حزب الله”.
-السيناريو 3: تمويه المباغتة بتصعيد فعلي قوي؛ وهذا أسلوب معروف في الحرب عموما، ولدى حسن نصر الله خصوصا.. خاصة وأن حسن نصر الله لم يغلق باب التصعيد، بل تركه مفتوحا على كافة الاحتمالات وحسب ما تعرفه أطوار الحرب من متغيرات.. “الحرب خدعة” كما يقال، “إظهار وإخفاء” كما هي السياسة.. إرباك حسابات الكيان الصهيوني إذن، إخفاء الخطة الفعلية في الحرب؛ قد يكونان من غايات خطاب “سماحة المولى” بلغة أنصار “حزب الله”..
كل هذه السيناريوهات محتملة؛ والخلاصة العامة تفيد أنّ خطاب نصر الله يعكس في تعدد أوجهه تعقيد المعركة وتعدد الأطراف المتدخلة فيها.. إن تأكيد نصر الله على عدم تنسيق حماس مع حلف المقاومة، وعلى استقلالية فصائل المقاومة عن إيران.. يعزز القول ب”تعقيد المعركة وتعدد الأطراف”. لكل فصيل خصوصية مرتبطة ببلده (مثلا: تدخل “حزب الله” يفتح النار على لبنان)، إيران لا تستطيع المشاركة في الحرب فعليا ومباشرة (هنا يتقاطع موقفها مع خصوصيات حلفائها)، “حماس” ذات علاقات متعددة وذات تحديات خاصة بها في الميدان (الارتهان لها مغامرة بحلف إيران ككل).. تتعدد مصالح “حلف الحرب”، كما تتعدد مصالح “حلف السلام”؛ وهذا يجعل الحرب أكثر تعقيدا، وقد يطيلها إلى أجل ليس بقريب!
هذا مقال لمن يجيد الحساب، أو على الأقل يحاوله كما نفعل؛ أولئك الذين يعشقون “السيناريوهات الرومانسية” ندعهم في خيالاتهم البريئة يحلمون!